غزة - تقارير قدس الإخبارية: منذ الثامن من إبريل\نيسان 2024، بدأت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بتركيز استهداف محور ”نتساريم“ الممتد من شرق القطاع إلى غربه، والذي يفصل القطاع إلى شمالٍ وجنوب، وتتمركز فيه قوات الاحتلال المتبقية في قطاع غزة، وتمنع عودة النازحين إلى بيوتهم شمالًا.
يبدو واضحًا أن انتقال عمليات استهداف ”نتساريم“ بدأت بعد انسحاب الاحتلال من مناطق التوغل في شمال وجنوب القطاع وإبقاء جنوده على المحور لفصله، ويتزامن ذلك مع استئناف مفاوضات وقف إطلاق النار التي يعد انسحاب الاحتلال من المحور وعودة النازحين دون قيد شرطًا أساسيًا للمقاومة.
ساعة الصفر لـ ”نتساريم“
في حديثه لـ ”شبكة قدس“، يقرأ المحلل والباحث الاستراتيجي أحمد الطناني قرار المقاومة الواضح ببدء عملية استنزاف لتمركزات الجيش ومواقع القيادة والعمليات وخطوط الإمداد اللوجستي في محور نيتساريم الممتد من شرق القطاع إلى غربه والفاصل ما بين جنوبه وشماله.
”هو سلوك منطقي وطبيعي“، يقول الطناني، متابعًا: ”لكن يبدو أن ساعة الصفر للبدء بعملية الاستهداف المُركز الجارية حاليًا ارتبط بالإعداد اللوجستي للجهوزية لعملية استنزاف مستمرة ومن عدة محاور خصوصًا جنوب وشمال "نيستاريم" ومن جانب آخر الالتقاط المناسب للحظة السياسية التي تبدد الأهمية التي يحاول الاحتلال تصويرها لوجوده داخل المحور المذكور.“
أسلحة نوعية
أولى عمليات المقاومة، كانت باستهداف كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس مقر قيادة لواء ناحال العامل في محور "نتساريم" بقذائف الهاون من العيار الثقيل، ثم وجه ضربات مكثفة إلى اللواء، ما دفع الاحتلال لسحبه واستبداله بفرقة أخرى.
وخلال اليوم، الأربعاء 1 مايو\أيار 2024، استهدفت كتائب القسام القوات الإسرائيلية المتواجدة في"نتساريم" بمنظومة الصواريخ "رجوم" قصيرة المدى من عيار 114ملم.
سبقها بشهرين، ضمن عمليات المقاومة، قصف سرايا القدس الجناح العسكري للجهاد الإسلامي تجمعات لجنود الاحتلال في محور "نتساريم" شمال شرق المنطقة الوسطى برشقة صاروخية من نوع (107).
ويشير الطناني إلى أن إمكانيات المقاومة والموقع الجغرافي لمحور "نتساريم" يسمحان للمقاومة بسهولة باستنزاف القوات المتمركزة داخل المنطقة الفاصل بخيارات متعددة بالمعنى العلمياتي، بداية من مفارز الهاون الموجودة لدى المقاومة بعيارات ومديات متنوعة أبرزها الهاون من عيار 120 ملم الذي يستطيع أن يصل حتى مدى ما بين 6 إلى 8 كلم، مع وجود قدرات متقدمة لدى المقاومة لتحقيق دقة الإصابة.
الهاون، مدفع بسيط في النموذج الأساسي الخاص به، يمكنه توفير نيران تكتيكية، ويمكن حمله بسهولة، وهو يمتلك ماسورة ضرب قصيرة تصل إلى نحو متر واحد، وكما تلاحظ من المقاطع التي بثتها المقاومة فإنه يمكن تحميل القذائف من فوهة الهاون، فيُطلقها فورا للأعلى على أهدافه البعيدة، وقد يصل مداه إلى 75 أو 100 متر فقط.
ويصلح الهاون أن يكون سلاح مدفعية في حالة النطاقات قصيرة المدى التي لا يمكن للمدفعية المعتادة أن تصل إليها، ويعني ذلك أنه يصلح بشكل رئيسي في حالة الاجتياح البري حيث تكون المسافات بين الاحتلال) والمدافع المقاومة قصيرة.
وتكون درجة تقوس مسار القذيفة المنطلقة من الهاون عادة عالية، أعلى من 45 درجة، ما يسمح لقذائف الهاون باصطياد الجنود والآليات التي تحتمي في الخنادق والمناطق المنخفضة أو بقايا المباني، لأن القذيفة تكون قادمة من أعلى.
وإضافة إلى ذلك، تستخدم المقاومة القذائف الصاروخية من عيار 107 التي تستطيع الإصابة لذات المديات تقريبًا وقد يصل بعضها الذي تم تطويره في القطاع إلى مسافة 12 كلم، فضلًا عن الكمائن الهندسة وحقول الألغام والعبوات الناسفة، إضافة لمفاجآت أخرى قد تحضرها المقاومة في قادم الأيام.
تحويل فكرة ”الإنجاز“ إلى مصيدة
يؤكد الباحث الاستراتيجي أن المقاومة تسعى لتحويل كل يوم من أيام تواجد قوات الاحتلال على أرض القطاع إلى أيام استنزاف للآليات والمنشآت والجنود، فيما سيكون وقع مقتل جنود الاحتلال خلال تمركزهم داخل المنطقة التي يسوقها باعتبارها هدف استراتيجي أساسي لتحقيق أغراض المباغتة الميدانية والمطاردة السريعة وخطوط الإمداد التي باتت تتحول إلى مصيدة سهلة لقتل الجنود واستهدافهم من قبل المقاومين.
ويشدد الطناني أن مجريات الأحداث على الأرض تؤكد أن ما لدى المقاومة من بنى تحتية تسمح لمقاتليها بالوصول وتنفيذ عمليات الإغارة وإعداد الكمائن إضافة للمقذوفات الصاروخية يستطيع تجاوز إجراءات الاحتلال التأمينية، على الرغم من محاولات الاحتلال تأمين منطقة عازلة كافية في محيط محور نيستاريم، والذي جاءت في شمال النصيرات قبل أسابيع وتضمنت نسف لمباني كثير في حيي الزهراء والمغراقة في سياق تأمين المحور.
رسائل سياسة
تزامنت عمليات المقاومة مع المفاوضات غير المباشرة بين المقاومة والاحتلال عبر الوسيطين المصري والقطري، والتي استأنفت في القاهرة، ويتضمن الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع، ومحور نتساريم بشكل أساسي عنوانًا رئيسًا فيها.
وهو ما يلفت إليه الطناني في حديثه لـ ”شبكة قدس“، أن التوقيت الحالي لتكثيف هجمات المقاومة على المحور، يرتبط بدرجة أساسية بإرسال رسائل واضحة للاحتلال حول المستقبل الذي ينتظر تمركزات الجيش في هذا المحور، الذي سيتعرض لوجبات دائمة من القذائف الصاروخية والكمائن، ولربما لهجمات أكبر وأوسع وأكثر تأثيرًا في حال صمم الاحتلال على إبقاءه وأفشل المفاوضات ورفض شروط المقاومة بإنسحاب الجيش من أراضي قطاع غزة.
وأكد على أن المقاومة تعمل على زيادة الضغط ميدانيًا على قادة الاحتلال ونسف أي فكرة قد تكون سُوقت حول استراتيجية تمركز جيش الاحتلال في المنطقة الفاصلة بين شمال القطاع وجنوبه، وعلى قلب المعادلة بتحويل هذا التواجد إلى تواجد مُكلف وعامل إحراج للاحتلال، وبالتالي التأثير في معادلات الربح والخسارة في حسابات الاحتلال من الإصرار على التواجد في المحور.