شبكة قدس الإخبارية

"ضفة محررة بعيون السلطة" .. عباس يخشى أن ينتقل الاحتلال من غزة إلى الضفة

"ضفة محررة بعيون السلطة" .. عباس يخشى أن ينتقل الاحتلال من غزة إلى الضفة

فلسطين المحتلة - قدس الإخبارية: خلال مشاركته في المنتدى الاقتصادي العالمي في العاصمة السعودية الرياض، قال رئيس السلطة الفلسطينية إن "إسرائيل" استغلت فرصة الاعتداء عليها في 7 أكتوبر لتعتدي على أهل غزة بحجة الانتقام من حماس، مضيفًا على أنه "لإسرائيل الحق في الحصول على الأمن الكامل ومن حقنا الحصول على تقرير المصير ودولة مستقلة". 

وتابع عباس، الذي طالب بالاعتراف بدولة فلسطينية كاملة، وعبر عن مخاوفه من اجتياح مدينة رفح، إلى أنه بخشى أن تتجه "إسرائيل" إلى الضفة الغربية بعد غزة لترحيل أهلها نحو الأردن. 

ومع خشية عباس من توجه الاحتلال للضفة المحتلة، فإن السؤال الذي يطفو إلى السطح، ما هو واقع الضفة التي يخشى عباس أن تصلها يد الاحتلال، ويرى فيها "ضفة محررة"؟

اتفاقية أوسلو: تقسيم الضفة

أنتجت اتفاقيات أوسلو سلطة حكم ذاتي عُرفت باسم السلطة الفلسطينية، وتقسيم الضفة الغربية البالغ مساحتها 5844 كيلومترًا، والتي تشكّل 21% من المساحة الإجمالية لفلسطين التاريخية (27 ألف كيلومتر) إلى 3 مناطق غير متجاورة: المنطقة (أ)، والمنطقة (ب)، والمنطقة (ج) 

الضفة الغربية التي تشمل جبال نابلس وجبال القدس، بما في ذلك الجزء الشرقي من مدينة القدس وجبال الخليل وغربي غور الأردن، والتي تقع غرب الأردن، وتحيطها “إسرائيل” من جهاتها الشمالية والغربية والجنوبية، وقعت تحت تصنيف للأراضي، في مظهره السيادة وفي جوهره احتلال كامل.

وفق الاتفاقية، فإن المنطقة (أ)، وتشكّل 18% من مساحة الضفة الغربية، ومن المفترض أن تسيطر السلطة الفلسطينية فيها على معظم الشؤون في هذه المنطقة، بما فيها الأمن الداخلي؛ والمنطقة (ب)، وتضم حوالي 21% من الضفة، تسيطر السلطة الفلسطينية على التعليم والصحة والاقتصاد، وفي كلا المنطقتَين تتمتع سلطات الاحتلال الإسرائيلية بالسيطرة الأمنية الخارجية الكاملة، بمعنى أن باستطاعة القوات الإسرائيلية دخولهما في أي وقت كان، لتنفيذ عمليات اعتقال أو حتى اغتيال.

أما المنطقة (ج)، وتشكّل 60% من أراضي الضفة الغربية، وحسب اتفاقيات أوسلو، فمن المفترض أن تتسلم السلطة الفلسطينية شؤون هذه المنطقة، خلال مرحلة انتقالية، لكن الأمر القائم هو تحكُّم “إسرائيل” بجميع شؤونها، بما فيها الشؤون الأمنية والتخطيط العمراني والبناء.وعلى نقيض ما منحته اتفاقية أوسلو من اقتصاد للسلطة الفلسطينية، فإن نتائج الاتفاقية مكّنت الاحتلال الإسرائيلي من السيطرة الكاملة على الاقتصاد الفلسطيني من خلال تحكمه بالمعابر والموارد الطبيعية، بالإضافة إلى القيود الشديدة التي يواجهها الفلسطينيون في التخطيط والبناء، فإنهم لا يستطيعون الوصول إلى الموارد الأساسية مثل المياه، فضلًا عن سيطرته على الشؤون المدنية والأمنية في المنطقة (ج).

كما احتفظ الاحتلال بالسيطرة العسكرية الكاملة على الضفة الغربية، رغم ما منح الاتفاق من سيطرة على شؤون الأمن الإداري والداخلي في أجزاء من الضفة الغربية للسلطة الفلسطينية، أي أن جيش الاحتلال يمتلك الحق، بموافقة مسبقة من السلطة الفلسطينية الموقّعة على الاتفاق، بالدخول إلى هذه المناطق في أي وقت يشاء.

تقول منظمة بتسيلم إن “إسرائيل” منعت الفلسطينيين من البناء في أجزاء كبيرة من الأراضي في المنطقة (ج)، كما منعتهم حتى من إمكانية الوصول إلى أجزاء كبيرة من المنطقة، بجانب رفض الاحتلال بشكل منتظم طلبات الحصول على تصاريح بناء في المنطقة، و”تعيين مساحات شاسعة من الأراضي بوصفها أراضٍ تابعة للدولة… ومناطق لإطلاق النار، ومحميات طبيعية وحدائق وطنية”، وهو ما أكّدته الأمم المتحدة بأن الفلسطينيين الذين يحاولون البناء في المنطقة (ج) يخضعون لأوامر من الاحتلال بهدم المنازل، ما يؤدي إلى نزوحهم. 

الواقع الاستيطاني قبل 7 أكتوبر 

همّشت اتفاقية أوسلو قضية الاستيطان في الضفة الغربية، وتمدد الاحتلال وتوسع في استيطانه والتهامه للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، قبل أن ينسحب الاحتلال ” في خطوة أحادية الجانب من القطاع عام 2005 بفعل عمليات المقاومة. 

وينتهز الاحتلال في مخططه الاستعماري ما منحته إياه اتفاقية أوسلو من سيطرة مدنية وعسكرية على منطقة (ج)، إذ يستغل مباشر ما نسبته 76% من مجمل المساحة المصنفة (ج)، والتي تسيطر المجالس الإقليمية للمستوطنات على 63% منها، فيما بلغت مساحة مناطق النفوذ في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية (تشمل المساحات المغلقة والمخصصة لتوسيع هذه المستعمرات) نحو 542 كيومترًا كما هو الحال في نهاية العام 2019، وتمثل ما نسبته حوالي 10% من مساحة الضفة الغربية، ويمنع على الفلسطيني الدخول إليها، بموجب أمرٍ عسكري.

وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة “أوتشا”، يُحظر على الفلسطيني الوصول إلى 20% من أراضي الضفة الغربية بموجب أمر عسكري، بحجّة أنها مصنَّفة كمنطقة إطلاق نار مخصَّصة لأغراض التدريب العسكري أو كحدود منطقة عازلة، وتعطيل سبل عيشهم.

ويشير مركز الإحصاء الفلسطيني إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يصادر ما نسبته 18% من مساحة الضفة الغربية لأغراض القواعد العسكرية، ومواقع التدريب العسكري، وبلغ عددها في نهاية العام 2018 في الضفة الغربية 448 موقعًا، منها 150 مستوطنة و26 بؤرة مأهولة تمَّ اعتبارها كأحياء تابعة لمستوطنات قائمة، و128 بؤرة استعمارية.

وشهد عام 2019 زيادة كبيرة في وتيرة بناء وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، فقد ارتفع عدد المستوطنين فيها منذ عام 2011 إلى 148 ألفًا و985 مستوطنًا بزيادة 43%، وشكّل المستوطنون في الضفة الغربية المحتلة 5.2% من إجمالي “سكان إسرائيل”.

وفي 2020 ارتفعت نسبة المستوطنين إلى الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى حوالي 23 مستوطنًا مقابل كل 100 فلسطيني، في حين بلغت أعلاها في محافظة القدس حوالي 70 مستوطنًا مقابل كل 100 فلسطيني.

وبحسب صحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية، فإن عدد المستوطنين في الضفة الغربية بلغ حتى يناير/ كانون الثاني 2022 ما يقارب 491 ألفًا و923 مستوطنًا، دون أن يشمل هذا العدد مستوطنات في محيط القدس، إذ يعدها الاحتلال أجزاء من مدينة القدس، مثل نافيه يعقوف، راموت، بسجاف زئيف، جفعات زئيف وغيرها، أما البيانات الرسمية الفلسطينية فتحصي 311.5 ألف مستوطن في مستوطنات محافظة القدس، بما يعادل 47% من عدد المستوطنين الكلي.

وخلال عام 2019، نشر معهد الأبحاث التطبيقية أريج تقريرًا أشار فيه إلى أن الفلسطينيين يخسرون حوالي 60 مليون ساعة عمل سنويًّا بسبب الحواجز الإسرائيلية وقيود الحركة، بحيث تقدَّر تكلفة الخسائر بنحو 270 مليون دولار، بالإضافة الى استهلاك وقود إضافي بحوالي 80 مليون لتر سنويًّا، تقدّر تكلفتها بنحو 135 مليون دولار.

جدار الفصل العنصري

 في أوج الانتفاضة الثانية عام 2002، بدأت حكومة الاحتلال برئاسة أرييل شارون بناء جدار يفصل بينها وبين الفلسطينيين على أرض الضفة الغربية بطول 770 كيلومترًا، بُني منها أكثر من ثلثيها حتى اللحظة، بذريعة توفير الأمن والحماية لـ”إسرائيل” من العمليات الفدائية، لكن الجدار، وكما هو مخطَّط له استعماريًّا، قضم الكثير من الأراضي الفلسطينية وساهم في إحكام الحصار على الشعب الفلسطيني وإفقار اقتصاده الوطني بشكل كبير، كما عُزلت مدن وبلدات بكاملها عن محيطها الفلسطيني.

عزل جدار الضم والفصل العنصري أكثر من 10% من مساحة الضفة الغربية، وتضرر ما يزيد على 219 تجمعًا فلسطينيًّا من إقامة الجدار، حيث تشير البيانات إلى وجود نحو 2700 منشأة معزولة بين الجدار والخط الأخضر، ونحو 5300 منشأة متضررة من إقامة الجدار، بالإضافة الى نحو 35 ألف أسرة متضررة من الجدار، ناهيك عن وجود نحو 67 ألف فلسطيني في مباني معزولة بين الجدار والخط الأخضر، ما يحرم الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم.

بعد حرب الإبادة الجماعية 

منذ السابع من أكتوبر\تشرين الأول، هجّر الاحتلال والمستوطنون نحو 3985 فلسطينيًا من منازلهم في الضفة لصالح التجمعات الاستيطانية ومصادرة الأراضي، وفي سبيل تحقيق ذلك، هدم الاحتلال أكثر من 648 منزلًا ومنشأة، تركزت في التجمعات البدوية والأراضي المصنفة "ج" وفق اتفاقية أوسلو. 

ونفذ المستوطنون بحماية جيش الاحتلال أكثر من 9320 اعتداءً على الفلسطينيين في الضفة المحتلة، ووزعوا منشورات على مركبات المزارعين الفلسطينيين - كما حدث في قرية دير استيا، شمال غرب مدينة سلفيت - يتوعّدونهم بنكبة جديدة، وقد جاء فيها: “إذا أردتم نكبة مثيلة بعام 1948 فواللّه ستنزل على رؤوسكم الطامّة الكبرى قريبًا، لديكم آخر فرصة للهروب إلى الأردن بشكل منظّم، بعدها سنجهز على كلّ عدو وسنطردكم بقوة من أرضنا المقدسة التي كتبها الله لنا”، بالتوازي مع ذلك موّل المستوطنون عشرات المنشورات على منصات التواصل الاجتماعي، تدعوا الفلسطينيين إلى مغادرة الضفة فورًا تحت عنوان “هاجروا الآن”. 

وقتل المستوطنون نحو 19 فلسطينياً منذ العام الماضي وحتى الآن، وهجّروا 25 تجمعاً بدوياً فلسطينياً في الأراضي الفلسطينية المصنفة "ج" حسب اتفاق أوسلو، في متوسط 200 اعتداء شهري حسب المؤسسات التي تتابع إرهاب المستوطنين.

وخلال أكثر ستة أشهر، استولت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على 27 ألف دونم من أراضي الفلسطينيين، منها 15 ألف دونم تحت مسمى تعديل حدود محميات طبيعية في أريحا والأغوار، و11 ألف دونم من خلال ثلاثة أوامر إعلان أراضي دولة في محافظات القدس ونابلس، و 230 دونماً من خلال 24 أمراً لوضع اليد، لأغراض عسكرية، تمنع في المستقبل وصول الفلسطينيين إلى آلاف الدونمات.

ووفق هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، بدأ الاحتلال بإنشاء مناطق عازلة حول المستوطنات، من خلال جملة من الأوامر العسكرية، بدأتها بمستوطنة "رفافا" المقامة على أراضي الفلسطينيين في محافظة سلفيت، وتمنع وصول الفلسطينيين إلى 384 دونما، ثم في بؤرة "حراشة"، المقامة على أراضي المواطنين في المزرعة الغربية في محافظة رام الله، وتمنع وصول الأهالي إلى 252 دونما، ثم في "دير دبوان" شرق رام الله، وتحديداً حول مستوطنة "متسبيه داني"، وتمنع وصول الأهالي إلى 320 دونما، محذرا من تمدد هذا المخطط ليشمل مستوطنات أخرى، وبالتالي عزل المزيد من الأراضي ومنع الفلسطينيين من الوصول إليها بالحجج العسكرية والأمنية.

ودرست الجهات التخطيطية لدى الاحتلال، ما مجموعه 52 مخططاً هيكليا، لغرض بناء ما مجموعه 8829 وحدة استيطانية على مساحة 6852 دونما، جرت عملية المصادقة على 1895 وحدة، في حين تم إيداع 6934 وحدة استيطانية جديدة.

الاعتقالات المستمرة 

وثقت مؤسسات الأسرى، وثقت هيئة شؤون الأسرى الفلسطينية في تقرير لها اعتقال قوات الاحتلال الصهيوني لأكثر من 8495 فلسطينيا في الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر الماضي.

وتشمل حالات الاعتقال من جرى اعتقالهم من المنازل، وعبر الحواجز العسكرية، ومن اضطروا لتسليم أنفسهم تحت الضغط، ومن احتجزوا كرهائن. 
وتعرض المعتقلون وعائلاتهم لاعتداءات بالضرب المبرّح، وتهديدات، وتخريب وتدمير منازل الأهالي خلال عمليات الاعتقال.