بعد ڤيتو أمريكا على الدولة الفلسطينية وإلحاقه بقرار إمداد عسكري "لإسرائيل".. لا دولة ولا ثورة وإنما شركة أمنية وإدارة حياة تحت احتلال، هكذا ترى أمريكا حركة فتح وتجبرها على هذا الدور، وبالتالي باتت الحركة أمام مفترق ولم تعد البيانات أو الشجب أو الإدانة تسعفها شعبياً وسياسياً وهذا أدركته قاعدتها وكثير من مفاصلها.
في أمريكا لم تعد هناك أي قيمة للسلطة الفلسطينية؛ لأن هذه الإجراءات تؤكد رؤيتهم لها إدارة مدنية يومية بلا سيادة، وشركة أمنية لمنع إرادة دولية من تحشيدٍ لإعطاء الفلسطينيين حقوقهم خاصة أن أوسلو كانت بالنسبة لهم جسرا للتطبيع الذي يمهد لاحتضان "إسرائيل" بدل فلسطين.
عندما أبرمت حركة فتح اتفاق أوسلو أطلقت عليه اسم المشروع الوطني للوصول للدولة الفلسطينية المستقلة عام 1993، وسرعان ما اكتشف رئيس الحركة الراحل ياسر عرفات أن أمريكا "راعي السلام" والاحتلال "الجانب الآخر" يهدفان من أوسلو مفاوضات لأجل المفاوضات وتمرير المشروع بحجة أن حركة التحرر "فتح" شريكة في السلام، فقلب الطاولة عليهم ولم يُغرِه حصوله على جائزة نوبل للسلام ولم تغره سلطة وهمية مراد منها إدارة مدنية بلا سيادة ولا حدود ولا موارد طبيعية.
هناك كانت "لا" كبيرة في وجه أمريكا التي لم تخُفِ قرارها من خلال إعلان عرفات إرهابياً وبحثِ اليوم التالي له وقتله وتحضير ما يليق بخططها، ولكن مع إبقاء اسم فتح حتى تشرعن أن ما يجري بقرار وطني مستقل.
اليوم وبعد 31 عاما على اتفاقية أوسلو التي لم يبق من بنودها إلا التنسيق الأمني -وهذا نجاح للأمريكي وابتزاز لفتح- يُنتظر من حركة فتح موقف في ظل المعطيات التي سبقت 7 أكتوبر وما تلاها والمسجد الأقصى المبارك وقرار الكنيست بمنع الدولة الفلسطينية، وما تلا ذلك من ڤيتو أمريكا واستمرار دعمها للاحتلال، فالأحداث سبقت المواقف وباتت شعبية واستراتيجية الحركة ووجودها ومستقبلها في مربع يحتاج القرار.
في فتح يدركون جيدا أن صفقة القرن كانت قبل 7 أكتوبر، وخطة الضم كذلك واتفاقيات التطبيع وتقسيم المسجد الأقصى واجتياحات جنين ونابلس وطولكرم ومضاعفة الاستيطان.
وفي فتح يدركون جيدا أن الڤيتو الامريكي الأخير مرسخ منذ 1993، وأكبر شاهد على ذلك اغتيال عرفات لمنع الدولة.
ويدركون في فتح أنهم الجهة غير المنتخبة التي تستمد شرعيتها من القرار الأمريكي والإشراف الأردني والمصري الأمني فقط.
ويدركون في فتح أن الڤيتو الأمريكي يمتد للمصالحة والانتخابات وتفعيل دور الأجهزة الأمنية للدفاع عن مناطق "أ" بحسب أوسلو.
غياب الاستراتيجية لدى حركة فتح في تحديد أين تقف الآن من الأحداث وصل بها إلى موقع يصعب عليها الرؤية بسبب تسارع الأمور وتطور السيناريوهات، ولعل التخبط الذي تعيشه يُقرأ من ردة فعلها وتجاوبها مع بعض الأحداث، فعلى سبيل المثال تزامنا مع انعقاد مجلس الأمن كانت هناك فرصة ذهبية كي تحشد مئات آلاف الجماهير وسط المدن في الضفة وعند سفاراتها في العالم لتعزيز رؤية الدولة وطموح الفلسطينيين وإحراج الأمريكي وإظهار أن فلسطين شعب وليست ملفا أمنيا.
كما أن موقفها المتناقض الذي يصدر عن قياداتها إشارة أن فتح لم تعد ترى نفسها خارج مقاسات رسمتها أوسلو، بل وتقلصت مع الزمن لتتماشى مع الخطة الأمريكية والإسرائيلية الرامية إلى دولة "إسرائيل" اليهودية والقدس عاصمتها والفلسطيني له تجمعات فقط محاطة بالاستيطان.
ليس عبثا استهداف التجمعات البدوية والقرى من خلال المستوطنين من جهة، واستهداف المخيمات والبؤر الساخنة من الجيش من جهة أخرى، وكثير من الممارسات تستهدف السيادة والهوية والوجود.
وهنا مفترق الطرق الذي تقف فيه فتح مراقبة للأحداث لن يسعفها الوقت فيه كثيرا لانتظار الخطوة التالية، وفي ظل معطيات سابقة باتت السلطة عبئاً استراتيجيا على فتح التاريخية، بل ومكان جذب للفساد والمصالح الشخصية التي رويدا رويدا أضعفت مواقفها وسببت الترهل لبنيتها التنظيمية، ومطالبات عديدة من كادرها الحريص على إعادة هيبتها كحركة تحرر أن تتجاوز الڤيتو والمحددات، فهناك أوراق عديدة بيدها منها:
* إعادة بند الكفاح المسلح المشطوب منذ عام 1998 حينما وعد “كلينتون” بالدولة، وها هو الڤيتو عليها، وبالتالي إعادة الأمور لنصابها.
* تفعيل دور الأجهزة الأمنية المحمية دوليا في الدفاع عن المدن وهجمات المستوطنين.
* إعلان الاستنفار الشعبي والحشد المليوني في مدن الضفة لتعزيز وجود الحركة ورفع شعار "الدولة حق فلسطيني".
* إعلان تشكيل حكومة بتوافق الفصائل وتمهيد انتخابات لمحاربة ڤيتو أمريكا على إجرائها، والبدء بمصالحة فورية وشراكة.
أما الخيار الثاني فهو تنفيذ الإملاء الأمريكي والذي يوما بعد يوم يحول السلطة إلى آلة قمع وقتل وحد لمشروع التحرر، بل وتخدير نفذ رصيده وباتت في خطر مواجهة مع الشعب ازداد مؤخرا على حساب تاريخ الحركة واستنزاف لطاقات لو استثمرت جيدا في هذا الوقت بالذات لكانت لها بصمة كبيرة في مشهد التغيير وكسر الڤيتو الذي بات وحيدا وغير مغطى دوليا.
ترقب داخل الحركة وخارجها من محبيها ومعارضي سياستها لما سيتم اتخاذه بعد إعادة تقييم للمشهد عقب ڤيتو أمريكا الحارق لكل السفن، فهل سنشهد ڤيتو عرفاتي جديد في وجه الأمريكي؟!