تقارير خاصة - قدس الإخبارية:  "استيقظت على ضوء أحمر. الحجارة تساقطت على رؤوسنا في تلك اللية الماطرة. سحابة الرمل غطت العمارة فلم أتعرف على ملامح المكان" مساء 21 نوفمبر/ تشرين ثاني 2023 كان الألم يشتد على قدمي الصحفية سلمى العجلة (24 عاما) وهي لا ترى سوى سوادًا حالكًا يحجب الرؤية عن عينيها، كذلك لم تستطع تحريك قدميها العالقتين تحت الردم تصرخ بصوتٍ بالكاد تستطيع نطقه من شدة الألم محاولة العثور على ناجين من أفراد عائلتها "حدا يرد علي" ومع كل نداء يرتد صوتها خاويا، بلا إجابة.

مرت عدة دقائق اعتقدت فيها ان عائلتها استشهدت، فكان صوت والدها وهو ينادي عليها كحبال أمل أعاد لقلبها النبض.

مع توافد طواقم الدفاع المدني والجيران الذين بدأوا بإجلاء المصابين والشهداء انقشع الغبار عن عينيها  وأفاقت من الصدمة لترى بيت العائلة المستضيفة تحول إلى ركام، لتنجو هي وعائلتها المكونة من خمسة أفراد بجروح وإصابات وكسور ويستشهد جميع أفراد العائلة المستضيفة من عائلة "الرياطي" وعددهم 30 شهيدًا.

قبل القصف كانت الغيوم تواصل اسقاط زخاتها على غرفة تأوي الصحفية وعائلتها النازحة بمنزل عائلة "الرياطي" بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، ومع بدء تدفق المياه من فتحات سقف الغرفة المصنوع من ألواح الزينكو، فتحت العائلة أبواب منزلها المسقوف بالباطون للضيوف، ولم تدرِ أن السماء ستسقط مع المطر حجارة فوق رؤوسهم، وأن البيت الذي احتموا فيه سيتحول لكومة حجارة.

الخطوة الأولى

لأول مرة لامست قدماها الأرض بعد 90 يوما من النوم على سرير طبي فلامست الفرحة قلبها لتبدأ خطواتٍ جديدة في تحدي الإصابة والعودة إلى الحياة تتشبث بحلمها وأن تعود وتحضن الميكرفون من جديد، تتكئ على جهاز مساعد بالمشي يتحمل خطواتها المتثاقلة، بأحد المستشفيات المصرية وهي تواصل التعافي من ألم إصابتها منذ خمسة أشهر والعودة لعملها الإعلامي.

عبر شاشات الإعلام الأجنبي تروي قصتها للعالم عن تلك المجزرة التي استشهد فيها 30 مواطنا من عائلة "الرياطي"، مستفيدة من اتقانها اللغة الإنجليزية، كشاهدة على الحرب وناجية من المجزرة.

تجاوزت سلمى ألم إصابتها، لكن ذاكرتها لم تتعاف من قسوة يوم المجزرة فتقول: "قبل القصف استضافنا أصحاب البيت ، وعشنا يوما هادئا فتناولت الغداء مع أطفال العائلة وأعطيتهم حبات البسكويت".

تكمل وهي تستعيد بقية التفاصيل "احتمينا بداخل المنزل وأحضروا لنا الخبز (..) عند قصف المنزل رأيت والدي وبحثنا عن شقيقي أحمد وحسن اللذين أخرجوهم الجيران من تحت الردم، ونجونا نحن الخمسة بينما لم ينجُ أحد من عائلة الرياطي التي مسحت من السجل المدني".

رحلة نزوح وعلاج

عاشت رحلة نزوح طويلة وشاقة من مدينة غزة لمحافظة خان يونس جنوب القطاع ثم انتقلت لمدينة دير البلح وسط القطاع، وكذلك رحلة علاج مؤلمة واجهت فيها ظروفا صعبة في مستشفى شهداء الأقصى بفعل ضعف الإمكانيات الطبية بسبب استهداف الاحتلال للمستشفيات قبل إجراء عملية جراحية بعد إصابتها التي تعرض فيها  لكسر وتفتت في عظام الساق، أقرت لها عملية طارئة خارج غزة.

"بقيت على جهاز تثبيت للساق لمدة شهرين من الألم والصراخ والمسكنات، تضاعفت معها الالتهابات، استمريت 90 يوما لم أمشِ على قدمي حتى وصلت المستشفيات المصرية بتحويلة علاجية واجريت لي عملية جراحية، وبدأت المشي" هكذا تواصل تخطي ألم إصابتها.

أفقدها القصف والإصابة فرصة العمل مع BBC كمراسلة باللغة الإنجليزية عرضت عليها، لكنها لم تقطع شغفها بالعمل الإعلامي فمن سريرها بالمشفى عادت للكتابة والحديث للإعلام الغربي عن معاناة الشعب الفلسطيني في غزة في حرب الإبادة كشاهدة وناجية من مجزرة مروعة.

أوشك الاحتلال على قتل موهبة وأحلام الصحفية الشابة بأن تكون مذيعة ومقدمة نشرات إخبارية لكن شاء القدر أن تنجو وأن تمضي نحو حلمها بعد التعافي.

عملت العجلة في المجال الإذاعي والمكتوب كمدونة لمدونات "الجزيرة" بعدة وسائل إعلامية وقدمت برامج رقمية وأدارت جلسات حوارية إعلامية.

وبفضل اتقانها للغة الإنجليزية يتم استضافتها خلال الحرب للحديث في الجامعات الدولية عن الأوضاع الإنسانية في غزة ومعاناة الطلبة، وهي مصممة على تجاوز ألم الإصابة وإعادة صوتها للأثير الإذاعي.