شبكة قدس الإخبارية

موائد الطعام بلا خبز

شح الدقيق والمياه ومنع إدخال المساعدات.. المجاعة تطل برأسها بغزة وشمال القطاع

c1910bf448cb419c1ac0351287ba78ff0e7d4e3a
يحيى اليعقوبي

 

غزة - قدس الإخبارية: أمام قسوة الحياة اليومية التي تثقل كاهل مئات الآلاف من المواطنين الذين تشبثوا بمنازلهم ومراكز الإيواء بمحافظتي غزة وشمال قطاع غزة، رحل الخبز عن موائد الطعام، وأصبح توفير المياه الصالحة للشرب مهمة شاقة تتطلب الانتظار لساعات طويلة أمام عدد قليل من محطات التحلية لم يطلها القصف الإسرائيلي، وهذا الحال ينطبق على طهي الطعام مع نفاد غاز الطهي واعتماد الناس على الحطب والأخشاب في الطهي.

ومع تجاوز العدوان الإسرائيلي أكثر من ثلاثة أشهر، ومنع إدخال المساعدات الإغاثية لمحافظتي غزة والشمال، بدأت تختفي أصناف أساسية بشكل كامل عن المحافظتين كالدقيق والأرز مع شح المياه الصالحة للشرب نتيجة استهداف الاحتلال لمحطات التحلية، ما أدى لارتفاع أسعار الدقيق إن وجد فوصل سعر "الكيس" بوزن 25 كغم نحو 700 شيقل، مما يهدد بحدوث مجاعة خلال الأيام والأسابيع القادمة في حال لم تدخل المساعدات للمحافظتين.

فيضطر المواطنون في شمال القطاع كما أظهرت مقاطع فيديو إلى طحن الذرة والأعلاف كبديل عن القمح للحصول على الدقيق لمواجهة سياسة التجويع التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي بموازاة حرب الإبادة الجماعية التي يشنها على قطاع غزة.

نفاد المواد الغذائية

يقول الصحفي عماد زقوت وهو متواجد بمحافظة شمال القطاع، إن: "منع إدخال المساعدات منذ فترة طويلة أدى لتفاقم الأوضاع الإنسانية والمعيشية،  فأصبح الطحين الأبيض غير موجود وإن وجود يصل لأسعار خيالية تبلغ 200 دولار وغالبا لا يكون موجودا، فتوجه الناس لطحن القمح والذرة والشعير وفي بعض الأحيان لطحن الأرز للحصول على الدقيق، إضافة لعدم وجود غاز".

وأضاف زقوت لشبكة "قدس الإخبارية": "حتى المعلبات من الفول والحمص واللحوم أصبحت غير موجودة، وكذلك الوقود مما أدى لعدم المقدرة على تشغيل المولدات لضخ المياه، مما يؤدي لانقطاع المياه عن أحياء لفترة تصل أحيانا لثمانية أيام وبعض الأحياء تصل قطع المياه المالحة لأربعة أيام".

ووصف زقوت الأوضاع المعيشية بالصعبة التي تصل لحد المجاعة في حال لم تصل المواد التموينية لمحافظة الشمال خلال الأيام القليلة القادمة.

في غزة، لا تقل الأوضاع صعوبة عن نظيرتها في محافظة شمال القطاع، مع عودة التوغل الإسرائيلي البري في بعض المناطق كمناطق غرب مدينة غزة تحديدا بحي "تل الهوى" ومحيط مجلس الوزراء، وشرق حي التفاح ما أدى لمحاصرة آلاف المواطنين داخل البيوت ومراكز الإيواء وبقائهم بكميات محدودة من الطعام والمياه.

وأمام هذا الواقع يجبر الناس على اتباع سياسة تقشفية قاسية بتناول وجبة بسيطة يوميا مما بقي من المعلبات الجاهزة وبعض المستودعات التي وصلت لغزة خلال الهدنة الإنسانية التي تمكنت فيها المقاومة من إدخال المساعدات للمحافظتين مقابل الإفراج عن رهائن إسرائيليين وأجانب.

"الحياة اليومية صعبة، والناس بتمشي يومها كل يوم بيومه" بهذا يختصر الشاب حازم حرز الواقع بمدينة غزة، مشيرا، لوجود حالة نزوح كبيرة خلال الأيام الأربعة الأخيرة من مناطق حي "التفاح" شرق مدينة غزة نحو مناطق الغرب، مع وجود اكتظاظ بالكثافة السكانية والنازحين في البيوت الصالحة للمأوى في ظل قصف عشرات آلاف المنازل.

عن مدى توفر الدقيق، يقول لـ "شبكة قدس": "الطحين في غزة غير متوفر نهائيا وسعره بغزة بنفس سعر محافظة الشمال إن توفر (700 شيقل) وربما نسبة لا تتجاوز 10% من المواطنين لديهم طحين وأرز، رغم أن الأرز كان متوفرا بكثرة في غزة منذ بداية الحرب إلا أنه أصبح شحيحا في الأيام الأخيرة ما أدى لمضاعفة سعره".

ومع استهداف الاحتلال لمحطات التحلية، يضطر الناس، وفق حرز، للتوجه لمحطتي تحلية واحدة تقع بحي الدرج شرق المدينة والثانية بمنطقة الثلاثيني جنوب شرق المحافظة والاصطفاف في طابور طويل للحصول على مياه صالحة للشرب يصل سعر الخزان الصغير بسعة 20 لترا خمسة شواقل، فيما يصل سعر تعبئة الخزان بسعة 500 لتر إلى 100 شيقل".

وأثناء اجتياح الاحتلال لمدينة غزة الذي بلغت ذروته قبل شهر، لم يكن باستطاعة حرز كغيره من المواطنين التحرك بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل وإغلاق المحطتين وصعوبة تحرك شاحنات بيع المياه المحلاة، فكان الناس يشربون من مياه الآبار رغم أنها غير صالحة للشرب بسبب ارتفاع نسبة الملوحة فيها لمستويات كبيرة. 

وقبل عودة التوغل البري لعدة مناطق بمدينة غزة، شهدت المدينة نحو عشرة أيام توقف فيها القصف، مما سمح للمواطنين بالخروج من البيوت لإحضار الأخشاب لطهي الطعام، فيما لجأ العديد من المواطنين لبيع الألمنيوم لشراء بعض المواد الغذائية المتوفرة، فيما كان التمر الذي توفر بعد فتح أحد المخازن الطعام الوحيد للعديد من المواطنين. وفق حرز

وتابع "بالمجمل عاش معظم الناس على الأقل خمسة أيام بلا حركة أو في منطقة محاصرة، بالتالي كان يعتمد على وجبة واحدة يوميا"، تمتلئ حنجرته بمرارة الواقع: "اعتقدنا أن الأمور ستهدأ بغزة، لكن القصف عاد شديدا، والأوضاع بدأت تتجه لمستويات أكثر سوءًا مع بدء نفاد أصناف كبيرة من المواد الغذائية".

شريان حياة متوقف

ويعيش الناس في غزة أشبح بمدينة معزولة عن العالم، فيقطع عنها شريان الحياة من الغذاء، وكذلك الاتصالات والانترنت فشبكة الاتصالات "بالتل" متوقفة ويعتمد الناس على الشرائح الإلكترونية وهي متوفرة مع نسبة قليلة من المواطنين كونها لا تعمل إلا على الهواتف النقالة الحديثة، والشرائح الإسرائيلية السيلكوم و"الأورانج" التي أحضرها عمال غزة بالداخل المحتل فينشئ من يملكها نطقة اتصال ويوزعها على الناس بسعر خمسة شواقل لكل ساعة استخدام. 

وعلى مدار عشرين يومًا، تحاصر الستيني "أبو محمد" في أحد مراكز الإيواء وسط مدينة غزة، وبعد نفاد الطعام استطاع أحد المواطنين الذين كان قد خزن كمية وفيرة من الأرز إغاثة كل من نزح إلى المركز ولم يتمكن من الخروج منه مع توغل دبابات الاحتلال لوسط المدينة.

يستذكر أبو محمد الذي رفض الكشف عن اسمه لشبكة "قدس" تلك اللحظات التي عاشها قبل شهر ونصف قائلا: "كنا نأكل طبقا صغيرا فقط من الأرز، لكي نبقى على قيد الحياة، وعندما جاءت دبابات الاحتلال لمركز الإيواء أطلقوا علينا النار بشكل هستيري فاستشهد العديد من المتواجدين، وبالغرفة التي تواجدتُ بها استشهد ثلاثة أشخاص بينما قمت بتغطية نفسي بملاءة لمدة نصف ساعة ثم زحفت عبر ممر ضيق وخرجت من المكان".

تحت القصف وزخات الرصاص ومن بين جثث الشهداء الملقاة بالشوارع خرج الرجل الستيني وعائلته لإحدى المدارس غرب مدينة غزة وهم يحمل تلك الصور التي لن تمحى من ذاكرته: "المشهد كان قاسيا لم أتخيل أنني سأنجو من شدة القصف والدمار"، ثم تمكن من العودة لوسط المدينة مع انسحاب قوات الاحتلال من الوسط.

 "أحيانا نضطر لأكل رغيف خبز واحد من آخر كيس طحين موجود لدينا. لقد نحفت أجسادنا إلى النصف، وعاد القصف والتدمير فلا نستطيع النوم ليلاً" هذه صورة أخرى لمعاناة الأهالي عرضها أبو محمد.

أما عمر أبو ندى وهو صحفي اضطر للتوقف عن العمل بسبب غياب وسائل التنقل أو الانترنت، فيقول عن الوضع في غزة: "كي تحصل على خزان مياه صغير (جالون) فانك تحتاج للانتظار في طابور طويل، كما أن شكل الحياة اليومية أصبحت روتينية بأن تبحث عن شحن هاتفك، وتبحث عن طعام يومك، وهذا يفاقمه بأن لا يوجد معك أموال".

نزح أبو ندى لمستشفى الشفاء ثم المستشفى المعمداني وعاد لمنزله بحي الزيتون؛ فيضطر للذهاب لمحطة بعيدة عن منزله للحصول على المياه الصالحة للشرب مع خطورة التحرك في ظل غياب المعلومات الكافية عن أماكن تمركز قوات الاحتلال وانسحابها.

وتتواصل التحذيرات من خطورة الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة بعد مرور ثلاثة أشهر منع فيها الاحتلال إدخال الوقود والمساعدات الإنسانية وغاز الطهي لمحافظتي غزة والشمال، تتزامن سياسة التجويع مع سياسة الإبادة ليعيش مئات الآلاف بين خوف وجوع حياة قاسية لم يعشها أي مكان في العالم خلال العصر الحديث، لجأ الناس لشرب المياه غير الصالحة، مما فاقم الأمراض مع توقف كامل الخدمات الطبية بالمحافظتين.