غزة - خاص قدس الإخبارية: تحت ضربات الصواريخ الإسرائيلية والأحزمة النارية خرج محمود خالد شراب وزوجته السورية صبحية سميسم وأطفالهم الثلاثة من منزلهم الواقع بمحافظة خان يونس حاملين بعض المستلزمات المهمة من أغطية وفرشات وملابس وذكرياتهم وأحلامهم الجميلة التي تركوها خلفهم.
بعد ساعات من رحلة النزوح الثانية استقر الحال بشراب وعائلته بمركز إيواء (خيام) غرب محافظة رفح، ليعش نفس المأساة التي عاشها الزوجان في سورية عام 2012 أثناء أحداث الصراع السوري فتهجرا من مخيم "اليرموك" وانتهت بهم رحلة البحث عن الأمن في غزة التي وصلاها في يناير/ كانون ثاني 2013.
بين خيم مصنوعة من النايلون والأخشاب، يعيش شراب هو وأطفاله محمود (14 سنة) وفيروز (10 سنوات) وليث (4 سنوات ونصف) حياة صعبة تنبش ذاكرته بمرارة الأيام التي عاشها أثناء رحلة نزوحه الأولى في مخيم اليرموك بسورية، بعضها تشابهت في نفس أشكال المعاناة اليومية وأخرى اختلفت فحجم الدمار الذي شهده في غزة لم يعشه في الصراع السوري.
مئات الخيام
كان شراب يساعد أخوته وأفراد عائلته في انزال الأمتعة وبعض الفرشات والأغطية من حافلة أقلتهم في مشهد حرك له تفاصيل حياة التهجير التي سمع عنها من أجداده وأقاربه عن نكبة 1948، وبعدما كان يعيش في منزل واسع بمفرده سيعيش بمساحة صغيرة داخل خيمة ستأوي 20 فردا من العائلة، تحيط بهم مئات الخيام الأخرى غالبيتهم من النازحين القادمين من محافظة خان يونس.
في هذا المكان تتكدس الحركة والضغط السكاني وتنعدم فيه الراحة، فالطريق الذي يوصلك لداخل الخيام يعج بحركة الناس التي تؤخر سيرك بسبب الازدحام والاكتظاظ.
بعد النزوح عن المنزل، بدأ شراب كغيره من الفلسطينيين التكيف مع حياة تختلف عن حياتهم داخل بيوتهم، فعملية توفير المياه الصالحة للشرب أو المياه المالحة لغسل الأواني أو الخبز والطعام وتوفير إنارة عملية صعبة تتطلب جهدا كبيرا من أرباب الأسر، يصطفون خلالها على طوابير طويلة من المواطنين الذين يعيشون نفس المأساة.
"ولدت بسورية وتهجرت من مخيم اليرموك، وعندما جئت لغزة مع زوجتي عام 2013 أسسنا أنفسنا، رغم أن الأمور كانت صعبة في البداية لكننا تأقلمنا مع وضع غزة وها نحن نعيش نفس مأساة التهجير" يعود شراب لـ "شبكة قدس الإخبارية" لبداية وجوده لغزة.
ينتشل شراب تفاصيل آخر مشاهد عاشها في منزله قبل النزوح "كان القصف عنيفا جدا ونحن نيام آمنين داخل منازلنا، والأحزمة النارية كانت متواصلة. اعتقدت أننا لن ننجو من الموت، لكننا استطعنا الخروج بأمتعتنا والنجاة بأرواحنا وأطفالنا إلى مكان نزوح يشبه الصحراء نحاول البحث فيه عن نوع من الأمن. ورغم قسوة الحرب السورية كانت مشاهد الدمار في غزة أعنف وأكبر ".
صراع مختلف
على مقربة منه كانت زوجته "صبحية" التي تحمل الجنسية السورية تبكي على حال تعيش فيه مأساة ثانية بين نساء العائلة، حينما ودعت اثنين من اشقائها قتلا في الصراع السوري، واليوم تودع منزلها وذكرياتها في بيتها على أمل أن تعود إليه بعد توقف العدوان الإسرائيلي على القطاع، وإلى أن يحدث ذلك ستبقى تعيش صراعا مختلفا يعيشه غالبية أهالي القطاع يتعلق بتوفير متطلبات الحياة اليومية.
تناشد سميسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر العمل على إخراجها من القطاع كونها تعد أجنبية موجودة في القطاع، ورغم تقديمها للسفر إلا أن الإجراءات البطيئة عدم أملها بالسفر لتعيش مأساة الحرب منذ 100 يوم بكل تفاصيلها وقسوتها، بمشاهد الدمار والموت، وانعدام الغذاء والمياه وانقطاع الكهرباء.
ترسم ملامحها صورة غاضبة وهي تستذكر مأساتها في سورية "خرجت من سورية عندما لم أجد مكانا آمنا، وهنا نحن بخيام وصحراء أيضا يحيط بنا القصف المتواصل ولا نعرف أين نذهب؟. يوم نزوحنا عشت أصعب يوم في حياتي بغز لم أستوعب تفاصيل هذا اليوم، عاش أطفالي رعبا لا يمكن وصفه".
لم يزد عمر طفلهم "محمود" عن عامين أثناء رحلة نزوحهم من سورية التي جهل تفاصيلها، ليكبر الطفل على مأساة أكبر ويعيش تفاصيل حرب إبادة لم يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلا لها وحرم الطفل من أبسط حقوقه بالعيش، أما شقيقته "فيروز" فلا زال آثار الرعب يسيطر عليها وهي تحتضن والدها تجد في هذا المكان فقط المساحة الآمنة بعيدا عن رعب الصواريخ والقصف والدمار والقتل.
يقع المخيم الذي نزح إليه شراب وعائلته إلى الشمال الغربي من محافظة رفح، وهي منطقة ملاصقة لمحافظة خان يونس التي تشهد عدوانا إسرائيليا عنيفا، فلا يتوقف صوت القصف عن بث الرعب لدى الأطفال والنساء هنا، وكأن الانفجارات العنيفة تحدث قربهم ما يجعلهم في حالة دائمة من القلق والهلع والخوف من استهدافهم في هذه الخيام التي لا توفر أدنى متطلبات الحماية سواء من القصف أو حتى الرياح والأمطار.