غزة - قدس الإخبارية: وصلت المواجهة بين حزب الله ودولة الاحتلال الإسرائيلي على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، خلال الأيام الماضية، مستوى عالياً من التصعيد يقترب من حافة اندلاع حرب شاملة.
المواجهة المندلعة منذ الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بعد يوم من عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها كتائب القسام وفصائل المقاومة، في قطاع غزة، وسيطرت على مساحة واسعة من مستوطنات ومواقع الاحتلال، في المنطقة المعروفة إسرائيليا بــ"غلاف غزة"، باتت بين خيارات معقدة بشكل أكبر من الوضع الذي كانت عليه، قبل أسابيع.
مثلت عملية اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري، وأحد المؤسسين المركزيين لجهازها العسكري في الضفة المحتلة، وقائد ساحتها، مع قادة في كتائب القسام وكوادر في الحركة، بعد قصف مكتب في الضاحية الجنوبية من العاصمة اللبنانية بيروت، التي تمثل مركزاً لحزب الله، التصعيد الأخطر في المواجهة على ساحة لبنان.
بعد أيام من اغتيال الشيخ صالح العاروري ورفاقه، نفذ جيش الاحتلال عملية اغتيال ثانية طالت قائداً في قوات النخبة في حزب الله المعروفة باسم "قوات الرضوان"، هو وسام الحاج، بعد قصف مركبته في بلدة خربة سلم جنوب لبنان، وهو ما أعطى مؤشراً على إرادة بالتصعيد من جانب دولة الاحتلال على الجبهة الشمالية.
تمثل الاغتيالات خطوات تكتيكية ضمن مسار استراتيجي إسرائيلي، ما زال غير واضح، في التعامل مع الجبهة الشمالية، في ظل إعلان الصف السياسي والعسكري الأول في دولة الاحتلال أنها "لن تسمح بعودة الأوضاع على الحدود مع لبنان إلى الوضع السابق"، لكن مع محاذير من الدخول في حرب شاملة في ظل قدرات حزب الله العالية على مستوى الصواريخ والقوات البرية والميدان والجغرافيا ووجود جبهة خلفية تمتد من سوريا إلى إيران، والضربات التي تلقتها قوات الاحتلال في غزة والثغرات في البنية التنظيمية والقتالية للقوات البرية الإسرائيلية منذ سنوات والجبهة المفتوحة في القطاع حتى اللحظة.
خيار العمليات الدقيقة
بعد اغتيال العاروري ورفاقه أعلن الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في خطابين أن الحزب سيرد على الجريمة لاعتبارات مختلفة، بينها ما يمثله الشيخ في المقاومة ومحورها وعلاقاته المركزية معهم، والاختراق الذي تمثله العملية من ناحية موقعها والشخصية التي استهدفتها.
عقب ساعات من تهديد نصر الله وجه حزب الله ضربة لقاعدة استخباراتية لسلاح الجو في جيش الاحتلال، على جبل الجرمق، وقال إنها في سياق الرد الأولي على اغتيال العاروري ورفاقه، وبعد أيام نفذ الحزب عملية أخرى باستخدام المسيرات الانقضاضية على مقر قيادة المنطقة الشمالية في صفد المحتلة، وأعلن أنها جاءت رداً على جريمتي اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحماس والقيادي فيه وسام الحاج.
العمليتان اللتين رد بهما الحزب على اغتيال العاروري ورفاقه والقيادي وسام الحاج تمثلان مساراً ربما يتمحور حول توجيه ضربات لمراكز نوعية لجيش الاحتلال، أعمق جغرافيا عن المناطق التي اعتاد الحزب استهدافها خلال الأسابيع الأولى، باستخدام أسلحة مختلفة بينها الصواريخ المضادة للدروع والمسيَرات وصواريخ "بركان" وغيرها.
عمليات الحزب التي تستهدف مواقع استراتيجية وحساسة لدولة الاحتلال يمنح الحزب فرصة رد الضربة النوعية من جانب الاحتلال، بعملية نوعية أخرى، وفي الوقت ذاته البقاء بالميدان بالمراوحة في حدود عدم الدخول في حرب شاملة، وهو الخيار الذي قال نصر الله إن الحزب لا يريده، وإن عملياته العسكرية هدفها فقط دعم المقاومة في غزة.
يعمل الحزب في واقع معقد فهو لا يريد السكوت على عمليات الاغتيالات التي تمثل مساً خطيراً بقواعد القتال الحالية، وتشجيعاً لدولة الاحتلال على شن مزيد من الضربات في لبنان وضد قوى محور المقاومة عامة، وفي الوقت ذاته يواجه أصواتاً في الداخل اللبناني تهاجم عملياته ضد الاحتلال.
باستخدام الأسلحة التي خرجت إلى العلن حتى اللحظة يحاول الحزب إلحاق أضرار بالقواعد العسكرية، في محيط الحدود الفلسطينية - اللبنانية، وتوجيه ضربات لآلياته وأدواته الاستخباراتية وجنوده، بالإضافة لعمليات "جراحية" ضد مواقع حساسة واستراتيجية رداً على عمليات الاغتيالات.
ورغم إعلان الحزب أن جبهة الشمال فتحت لمهمة أساسية هي مساندة المقاومة، في قطاع غزة، ومنع إلحاق الهزيمة بها ومساعدتها في تحقيق النصر، إلا أن الخطاب الأول لحسن نصر الله لم يغلق الباب أمام خيار الحرب الشاملة وإن كان لم يفصل كثيراً فيه، وظهر وكأنه خيار متعلق بتطورات الميدان فيما يتعلق بتطور جرائم الاحتلال على الأراضي اللبنانية أساساً.
هل يمضي الاحتلال نحو عملية في لبنان؟
على الجبهة المقابلة، لا يتوقف قادة المستويات السياسية والعسكرية العليا في دولة الاحتلال عن التهديد بخيار "عمل عسكري" واسع ضد حزب الله، في لبنان، والزعم أنهم "لن يقبلوا بأن يستمر الحزب وقوات النخبة التابعة له بالتواجد على الحدود"، حسب وصفهم.
وسائل إعلام دولية وإسرائيلية كشفت خلال الحرب المستمرة على قطاع غزة والتصعيد على الجبهة الشمالية أن وزير جيش الاحتلال، يوآف غالانت، ورئيس أركانه هرتسي هليفي وضعوا خطة للهجوم الشامل على حزب الله قبل أن يوقفها بنيامين نتنياهو.
الوقائع والتصريحات المختلفة من جانب قادة الاحتلال تؤكد أن مرحلة ما بعد طوفان الأقصى، ستحمل تغييرات جوهرية على الجبهة الشمالية، فالاحتلال أمام معضلة أن مستوطنيه الذين يسكنون المستوطنات الشمالية أعلنوا أنهم لن يعودوا قبل إبعاد خطر حزب الله عن الحدود، وأكدوا أنهم لن يعودوا إلى الخوف من تكرار ما حصل مع المستوطنين في "غلاف غزة"، يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
في المقابل يعلم قادة الاحتلال العسكريين والسياسيين أن قدرات الحزب على مستوى الصواريخ والقوات البرية وتكتيكات الميدان، والمساحة الجغرافية الواسعة للجبهة، والأهداف التي ستكون عرضة للضرب، يجعل من أية حرب شاملة تجربة شديدة القسوة على الجيش والمجتمع الإسرائيلي.
أزمة القوات البرية التي لم تحل رغم كل الخطط التي وضعها القادة الذين تعاقبوا على قادة هيئة الاركان في جيش الاحتلال، طوال السنوات الماضية، تشكل بنداً رئيسياً يجعل من الحرب الشاملة تجربة قاسية على "إسرائيل"، في ظل أن الحرب على غزة أثبتت أن سلاح الجو لوحده لا يحسم المعركة.
هذه العوامل المتداخلة تجعل من خيار الحرب الشاملة حاضراً في كل يوم، على الجبهة الشمالية، من جانب الاحتلال مع خيارات أخرى تجعل من إبعادها ممكنة أيضاً.
تسعى الولايات المتحدة الأمريكية ودول غربية بينها فرنسا إلى الوصول لحل سياسي، يمنع الحرب الشاملة على الجبهة الشمالية، التي قد تتوسع إلى جبهات أخرى انخرطت في المواجهة مع الاحتلال والقوات الأمريكية، في العراق وسوريا واليمن، نصرة لغزة في معركة "طوفان الأقصى".
محاولات انتزاع "صفقة سياسية"
خلال الأسابيع الماضية، زار المبعوث الأمريكي آموس هوكشتاين العاصمة اللبنانية بيروت عدة مرات، خلال الأسابيع الماضية، والتقى مسؤولين لبنانيين بينهم رئيس مجلس النواب نبيه بري المقرب من حزب الله، في محاولة للتوصل إلى "صيغة تسوية سياسية"، تجنب دولة الاحتلال الحرب وتحقق لها أهدافها الميدانية في سياق إبعاد الحزب عن الحدود.
خطوات الولايات المتحدة الأمريكية تأتي في سياق رعايتها لمصالح دولة الاحتلال، وهي التي تعلم علم اليقين أن جيش الاحتلال غير قادر على إحراز النصر، وهو ما تأكد في عملية "طوفان الأقصى" وما تبعها من مواجهة في غزة.
فرنسا دخلت على خط الاتصالات لتنفيذ "حل سياسي" في إطار القرار الدولي 1701 الذي صدر خلال حرب 2006، ويدعو إلى إفراغ المنطقة بين الخط الأزرق على الحدود بين فلسطين المحتلة ولبنان ونهر الليطاني من السلاح والمسلحين، ما عدا التابعين للجيش اللبناني وقوات "اليونيفل".
محاولة التوصل إلى "حل سياسي" لا يوسع الحرب حمله أيضاً مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الذي التقى مسؤولين في لبنان بينهم مسؤول الكتلة النيابية للحزب، محمد رعد.
الحزب أعلن أمام بوريل أنه "لا يريد الحرب الشاملة" لكنه لن يتردد في الدفاع عن نفسه في حال أقدم الاحتلال، على عدوان في الجبهة الشمالية، وأكد على الموقف الذي أعلنه الأمين العام حسن نصر الله أن "لا حديث في الحلول السياسية قبل وقف العدوان على قطاع غزة".
أمام الضغوطات السياسية ومحاولات الولايات المتحدة الأمريكية منع توسع الحرب بهدف ضمان "حماية إسرائيل"، في الوقت الذي تستمر فيه في العدوان على غزة، يعلن الحزب أنه لا يريد الحرب الشاملة إلا إذا أقدم الاحتلال عليها، في المقابل يرفض مناقشة الملفات السياسية أو المبادرات قبل وقف العدوان على غزة، ويستمر في عملياته العسكرية عبر الحدود.
وفي وسط هذه الاتصالات والجولات السياسية أعلن الأمين العام للحزب أن الحرب قد تكون فرصة لاسترداد الأراضي اللبنانية المحتلة، في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا والغجر، بالإضافة للمواقع البحرية التي يسيطر عليها الاحتلال، وهو ما يشير إلى إعلان سياسي للمطالب في مرحلة ما بعد صمت المدافع على الجبهات.
الخيارات والعوامل المتوفرة في ميدان القتال والسياسة تجعل من كل الخيارات قريبة سواء على ناحية اندلاع الحرب أو التوصل إلى حل شامل قد يشمل غزة أيضاً، لكن في التاريخ فإن الحروب قد تبدأ من تطور يكسر معه كل التحفظات، في ظل الإعلان الصريح من جانب قادة الاحتلال سواء في الحكومة أو المعارضة أن الجيش يجب أن يشن حملة ضد حزب الله.