لديّ شعور أن السلطة الفلسطينية تستعد لحملة تحاول فيها استعادة جزءٍ من شرعيتها المعدومة من خلال توظيف التصريحات الإسرائيلية حول استهداف الضفة الغربية. نتنياهو صرّح أمس أن "إسرائيل" تستعد لخيار المواجهة مع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة. طبعا هذا الكلام جاء في سياق إجابته على سؤال يتعلق بسيناريو قيام الأجهزة الأمنية بتوجيه أسلحتها تجاه "إسرائيل"- لا سمح الله-. وهي إجابة طبيعية تم تحويرها كتصريح ناري ضد السلطة.
السلطة بدورها تلجأ لاستهلاك مثل هذه التصريحات لخلق صورة قد تنقذها من غضب وثورة الفلسطينيين، عبر التركيز على مقولة أن الاحتلال يستهدف الضفة الغربية بكل مكوناتها. وهنا، أذّكر بفترة " إعلان صفقة القرن" عندما صدّق الناس أن عليهم الوقوف خلف القيادة لأنها قالت لترامب"لا" على نحو مهترئ وكاذب.
على المدى البعيد، صحيح هذا هو الحلم الصهيوني؛ أن يُنهي أي كيانية فلسطينية سواء كانت سياسية أو حتى أمنية. أما فيما يخص المرحلة الراهنة -وإن كان المشروع الاستيطاني مسعوراً لتسريع تهجيرنا- تدرك أمريكا "التي تدير إسرائيل كمستعمرة تابعة لها" أن اتفاق أوسلو وإنشاء السلطة الفلسطينية ومن ثم إعادة بنائها بعد الانتفاضة الثانية من أهم وأنجح ما أُنجز للاحتلال على مدار 75 عاماً. ولو أحسنوا قراءة الواقع السياسي اليوم، سيصلون إلى نتيجة مفادها أن السلطة بشكلها الحالي قدمت أقصى ما يمكن تقديمه للإسرائيلي. وفي نفس الوقت، الظرف لا يتيح فرضَ أيّ وكيل آخر (على هيئة جسم إداري أو سياسي) على الفلسطينيين. كما أن البنى المجتمعية والسياسية في الضفة تعيش الآن تداعيات السنوات الثلاثين الأخيرة في آخر مراحلها وأسوأ مآلاتها (حيث غزة تقاتل أعنف قتال في حرب إبادة، ومجتمع الضفة فاقد لأدوات التنظيم والفعل السياسي رغم كلّ الطاقة الثورية التي تفجرت بالمخيمات). لكن تلك التداعيات تترافق مع وعي أكبر بدور السلطة ومزاج شعبي لم يعد يرى إلا المqاومة المسلحة خياراً للمواجهة، مدركاً أنه في مرحلة تتطلب البناء المجتمعي من جديد بعد كل التفكيك والشرذمة، فيما الوقت مرعبٌ في ضيقه أمام التسارع الإسرائيلي المستند إلى عمل دؤوب على مدار السنوات الماضية!
أمام هذا كلّه، لن تجد الإدارة الأمريكية أفضل من مسار تجديد جسم السلطة الفلسطينية الحالية وإدخال بعض التعديلات عليها مع فرض مزيد من الشروط والتضييق السياسي، لشراء وقت أكبر يستفيد منه المشروع الاستيطاني مع ضمان "هدوء" لفترة أطول. وهذا ما يجب أن نقاومه ونتصدى له!
وبخصوص "الخلاف الأمريكي الإسرائيلي" غير الجوهري و"المبالغ في بهرجته" بعد تصريحات بايدن أمس، فأعتقد أنه يصّب في هذه النقطة تحديداً؛ الرؤية السياسية لما بعد الحرب. ومن غير المستبعد أن تسعى أمريكا لتغيير حكومة نتنياهو حرصاً على "إسرائيل" من منطق أن "الأب" أعلم بمصلحة "ابنه".
أما بخصوص سياسة القتل والإبادة في حرب غزة، فهي إرادة أمريكية إسرائيلية لا خلاف عليها.