تقارير خاصة - قدس الإخبارية: دون أن يعلم تحت أي سماء هو، كان يجلس الشاب خليل صالح وسط المعتقلين الآخرين، مصلوبين تحت أشعة الشمس منذ سبع ساعات أو أكثر، مكبلي الأيدي ومعصوبي الأعين، ولا يسمعون سوى صرخات الضابط الإسرائيلي بلكنته العربية الهجينة المليئة بالشتائم والاتهامات، ولا يعلمون ضربات العساكر التالية ستكون من نصيب من منهم.
لم يكن ليخطر في بال خليل، من قرية عارورة شمال غرب رام الله، أنه سيستيقظ فجر يوم السبت 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، على ضربات بنادق عساكر جيش الاحتلال الإسرائيلي وهم ينهالون بالضرب على جسده لانتزاعه من منزله واقتياده إلى جهة غير معلومة هو و50 فرداُ من قريته، الذين كانوا جزءاً من حملة اعتقالات مسعورة تشنها قوات الاحتلال في الضفة الغربية منذ بداية الحرب على غزة.
فمنذ بدء معركة طوفان الأقصى، بلغ عدد الأسرى حوالي 1590 أسيراً دون أسرى قطاع غزة، منهم 45 امرأة من الضفة والقدس، و15 صحفي، و13 نائب تشريعي، وفقاً لبيان أصدرته هيئة شؤون الأسرى والمحررين.
"لم يتوقف الاعتداء علينا منذ لحظة الاعتقال وحتى دخولنا إلى سجن عتصيون" قال خليل، موضحاً أن الاحتلال كان يستغل ساعات الليل المتأخرة لتشغيل الأغاني والأصوات المزعجة وبثها عبر مكبرات الصوت، وتسليطها على الأسرى الذين يحاولون الحصول على قسط من النوم بعد يوم مضنٍ من الاعتداءات.
كانت معاناة الأسرى داخل السجون أشد إيلاماً، بالنسبة لخليل، من اعتداءات جنود الاحتلال عليه. فمنذ بدء عملية طوفان الأقصى، استفرد جيش الاحتلال بالأسرى، وفرض عليهم أقسى العقوبات كجزء من سياسة العقاب الجماعي التي تمارس على جميع أبناء الشعب الفلسطيني، بحسب ما ذكر خليل.
"لم يكتفِ الاحتلال بسحب جميع الأدوات التي يحتاجها الأسرى من الزنازين، بل سحبوا ملابسهم ومناشفهم وأحذيتهم، وحتى المنظفات الصحية حرموا منها، ولم يبق لهم سوى الملابس التي على أجسادهم" تابع خليل، مشيراَ إلى أن الاحتلال منع الأسرى من شرب الماء، فيما اقتصر طعامهم على علبتي حمص ولبنة، كانت تُقدم لكل 20 أسير مع بعضهم كوجبة ليوم كامل، كما تم تقييد الأسرى بمرابط بلاستيكية لأكثر من 20 ساعة يومياً.
وأوضح خليل، أن الاحتلال تعمد حرمان الأسرى من الاستحمام أو استخدام المراحيض لقضاء الحاجة، الأمر الذي فاقم من معاناتهم، خصوصاً أولئك الأسرى الذين يعانون من الأمراض المزمنة، "بسبب الحرمان من استخدام الحمام، تبول بعض الاسرى الذين يعانون من السكري على أنفسهم، كل هذه السياسات رغم صعوبتها لم تزد الأسرى إلا قوة وصموداً"، أضاف خليل.
إجراءات عقابية
يتعرض الأسرى إلى سلسلة من الإجراءات التعسفية التي تتمثل بقطع الكهرباء والماء، وممارسة سياسة التجويع وتقليص عدد الوجيات إلى وجبتين كحد أعلى يومياً واقتصارها على كميات قليلة منه، وإغلاق "الكانتينا"، مع مصادرة الملح والسكر وكافة الاحتياحات الإنسانية، إلى جانب حرمانهم من العلاج وتحديداً الذي يتطلب زيارة العيادة، بحسب بيان موحد صدر عن مؤسسات الأسرى المختلفة.
كما ذكر البيان أيضاَ أن إدارة السجون سحبت محطات التلفاز المتاحة للأسرى، وكافة الكهربائيات والراديوهات والكتب، كما أتلفت جميع مقتنيات الأسرى، وزادت من أجهزة التشويش بهدف عزلهم عن العالم الخارجي، فضلاً عن إغلاق المغاسل ومنع الأسرى من إخراج النفايات من الزنازين.
إلى جانب حرمانهم من أدنى الاحتياجات الإنسانية، مُنع الأسرى من التواصل مع عائلاتهم، كما مُنعوا من الاتصال بمحامي للدافع عنهم ومتابعة قضاياهم أمام المحاكم، وهو اختراق أخر للقوانين الدولية يُضاف إلى سجل اختراقات وجرائم الاحتلال، حيث يضمن القانون الدولي لاتفاقية جينيف حق الأسير في الاستعانة بمحام مؤهل يختاره يستطيع زيارته بحرية وتوفر له التسهيلات اللازمة لإعداد دفاعه.
في السياق ذاته، أكدت المحامية في مؤسسة الضمير لرعاية الأسير صمود سعدات، أنه ومنذ السابع من أكتوبر باتت سجون الاحتلال تفرض إجراءات معقدة للغاية لعرقلة زيارة المحامين للأسرى، موضحةً إلى أن بعض السجون لازالت تسمح للمحامين بصورة محدودة جداً بلقاء الأسرى وسط ظروف صعبة، بينما تفرض سجون أخرى كالنقب وريمون ونفحة منعاً غير مباشراً لمثل هذه اللقاءات، فبعد التنسيق لزيارة المحامي ووصوله إلى السجن تضرب إدارة السجن "زمور الطوارئ" لمنع المحامي من ممارسة عمله.
وأشارت سعدات إلى أن الاحتلال تعمد الاعتداء والتنكيل بالأسرى بعد انتهاء زيارة المحامين لهم، ما دفع الأسرى إلى الامتناع عن عقد الزيارات كوسيلة لحماية أنفسم من الاعتداءات المتكررة بحقهم، والتي أسفرت عن إصابات بالغة نتيجة الضرب المبرح.
علاوة على ذلك، كثف جنود الاحتلال المدججين بالسلاح من عمليات قمع الأسرى بإدخال الكلاب البوليسية إلى الزنازين، ورمي قنابل الصوت والغاز عليهم، وضربهم بالهراوات والأسلحة، وفقاً لما ذكرته سعدات.
واكدت مؤسسات الأسرى في بيان لها عن أن الاحنلال اتخذ قراراَ باغتيال الأسرى من خلال الجرائم الممنهجة التي تمارسها إدارة السجون بحق الأسرى منذ السابع من أكتوبر، والتي أدت إلى استشهاد الأسيرين عمر دراغمة وعرفات حمدان، وهو ما وصف على أنه امتداد لعملية إبادة الشعب الفلسطيني في غزة، معتبرة صمت المؤسسات الدولية إزاء ما يحدث للأسرى دعم لجرائم الاحتلال وتأييداً له.
فيما يتعلق بمحاكمة الأسرى، قالت سعدات أن غالبية الأسرى الذين اعتقلوا منذ بداية طوفان الأقصى تم تحويلهم إلى الاعتقال الإداري فوراً دون توجيه أي تهم واضحة لهم.
ونوهت سعدات إلى أن لاحتلال قام بتعديلات على القوانين والقرارات العسكرية فيما يتعلق بملف الأسرى، وتشمل التعديلات التعامل مع أسرى قطاع غزة "كمقاتلين غير شرعيين" واحتجازهم في معسكر "سديت يمان"، فضلاً عن تفعيل المادة 33 من الأمر العسكري رقم (1651)، والذي ينص على إمكانية اعتقال شخص لمدة ثمانية أيام قبل عرضه على المحكمة بدلاً من 96 ساعة، وتأجيل قرار إطلاق سراح الأسير حتى يتم إصدار أمر اعتقال إداري لتصبح ستة أيام بدلاً من 72 ساعة.
"إن التعذيب وسوء المعاملة والتنكيل الشديد بالمعتقلين أثناء وبعد الاعتقال هو انتهاك لكل المواثيق الدولة بدءاً من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وصولاً لاتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية جنيف الرابعة والثالثة التي تخص أسرى الحرب"، أفادت سعدات.
ما الذي يريده الاحتلال من التنكيل بالأسرى وتوسعة حملات الاعتقال؟
من ناحيته، أشار الباحث والمختص بالشأن الفلسطيني عادل شديد إلى أن حملة الاعتقالات الواسعة إلى تشهدها ساحات الضفة الغربية تعود إلى القلق الذي يساور الاحتلال من الناحية الامنية، وتخوفهم من تحرك الشارع في الضفة الغربية بصورة أكبر مما هي عليه، والتوسع في الفعاليات والأنشطة المناصرة لغزة.
"يمكن أيضاَ تفسير هذه الاعتقالات من ناحية سياسية، فهي تقع ضمن سياسة العقاب الجماعي وتدفيع حماس الثمن سواء في غزة أو في الضفة والخارج"، أضاف شديد.
وأكد شديد أن هذه الأعداد الكبيرة من المعتقلين تستخدم كورقة ضغط لإرباك حماس فيما يتعلق بمفاوضت ملف الأسرى، فبدلاً من أن يكون عدد الأسرى بحدود ستة آلاف أسير، فإنه يرتفع إلى حوالي ثمانية آلاف أسير.