رام الله - قدس الإخبارية: تكشف معركة السابع من أكتوبر بين المقاومة وجيش الاحتلال عن قدرات نخبة القسام على مواجهة نظيراتها في دولة الاحتلال، والتي لطالما روج لها عالمياً وبين مستوطنيه باعتبارها الأفضل، حتى إنه يستخدمها في نقل الخبرات لحلفائه.
يروي الصحافي الفلسطيني وشاهد العيان مثنى النجار، وهو أول من ظهر في مقطع فيديو يوثق عملية اقتحام مستوطنات "غلاف غزة"، أن قوات النخبة التابعة لكتائب الشهيد عز الدين القسام، تمكنت من الوصول إلى عمق مستوطنات غلاف غزة على بعد 7 كم من الحدود، في أقل من نصف ساعة، إذ إن جنود جيش الاحتلال استسلموا سريعا لعملية التقدم.
ويؤكد النجار، الذي تعرض منزله للقصف بعد حملة تحريض إسرائيلية ضده على خلفية توثيقه للمشاهد الأولى للاقتحام، أن الاشتباكات التي وقعت مع قوات النخبة القسامية كانت عبارة عن جيوب معزولة، ومن طرف مستوطنين فرادى، تم قتلهم أو أسرهم على الفور، بينما جيش الاحتلال لم يقاوم على الأرض، وإنما استعان بالطائرات الهجومية التي قصفت بعض سيارات المقاومة بعد سيطرة قوات النخبة على المستوطنات.
ويسكن النجار في بلدة خزاعة الحدودية شرق خان يونس، والتي تبعد 5 كم عن مستوطنة "نير عوز"، التي سيطر عليها المقاومون، وفقا لمشاهدته، وتم الأمر عبر هجوم مزدوج شمل تفجير السلك الفاصل والتحصينات الإسمنتية وقصفا بالقذائف ودخولا للمظليين، ومن ثم تقدّم مقاتلين من نخبة القسام بالمركبات والدراجات الهوائية.
وتتقاطع إفادة النجار مع مقاطع الفيديو التي نشرتها كتائب القسام التابعة لحركة حماس، والتي تظهر تناغما في تفعيل التخصصات المختلفة داخل قوة النخبة المشاركة في عمليات الاقتحام، بما في ذلك: وحدة المظليين (سرب صقر)، ووحدة المدفعية، ووحدة الهندسة، ووحدة الاقتحام.
وتؤكد المشاهد التي نشرتها كتائب القسام لعملية اقتحام المستوطنات والمواقع العسكرية في 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، مقاطع لتدريب قوات النخبة نشرتها حماس بتاريخ 22 مايو/أيار الماضي، وأظهرت محاكاة لتفجير سلك فاصل وتحصينات إسمنتية ومهاجمة آليات عسكرية وجنود وتنفيذ عمليات أسر داخل خطوط العدو.
"اليمام" في مقابل القسام
"بينما تبدو المعلومات عن عدد وقدرات قوات النخبة القسامية سرية، بسبب طبيعة عملها ضد الاحتلال الإسرائيلي في ظروف أمنية معقدة، إلا أن قدرتها السريعة على السيطرة على مستوطنات غزة كشفت عن ضعف وحدات النخبة الإسرائيلية التي كانت في مواجهتها وتكبدت خسائر غير مسبوقة"، كما يقول المختص والباحث في مركز مدار للدراسات الإسرائيلية عصمت منصور، فيما يقدم المفوض السابق لدائرة القبول في جيش الاحتلال، اللواء يتسحاق براك، شهادة عن قوات النخبة التابعة للقسام، في مقالة نشرها العام الماضي بصحيفة معاريف، قائلا إنها مدربة وتمتلك مهارات عالية، وهو ما لا يريد قادة الجيش سماعه وفق تعبيره.
وعلى رأس قائمة وحدات النخبة الإسرائيلية، تتربع اليمام، والتي بدأ تعريفها إسرائيليا بـ"الوحدة الوطنية الخاصة بمكافحة الإرهاب" في ديسمبر/كانون الأول 2022، وقتل 8 من عناصرها بينهم ضابطان ومدرب وقناص يوم السبت الماضي في المعارك مع قوات النخبة القسامية، بينما بلغ عدد قتلى الوحدة قبل ذلك 15 فقط في 91 عملية عسكرية منذ تأسيسها عام 1974، بحسب موقع شرطة الاحتلال، التي تتبع لها الوحدة.
وتعمل الوحدة على تجنيد خريجي وحدات النخبة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وكحد أدنى من المتطلبات، يجب أن يخدم العنصر فيها ثلاث سنوات في وحدات الجيش القتالية، مع الأفضلية للأشخاص الذين خضعوا لدورة ضباط، ويمر الراغبون في الالتحاق بالوحدة بالمراحل التالية: تقديم السيرة الذاتية، ملء استبيان، اختبارات اللياقة في مكتب التجنيد التابع للشرطة، مقابلة شخصية مع لجنة من اليمام، الفحوصات الطبية والأمنية، وفي حال اجتيازهم كل ذلك يبدأون دورة تدريبية أساسية مدتها سبعة أشهر يتم خلالها اختبار المرشحين وفرزهم، مع الإشارة إلى أن دورة تدريب الجنود في جيش الاحتلال تستمر لمدة عام وثمانية أشهر، وبالضرورة أن يكون المتقدم للوحدة قد خضع لها أيضا، بحسب المصادر السابقة.
وتعتبر تدريبات وحدة "اليمام" من أصعب الدورات في العالم، وفق تقرير نشره موقع الكنيست في إبريل/نيسان الماضي، ففي عام 2007، تمكن 7 فقط من أصل 800 متقدم من الانتساب إلى الوحدة بعد الدورة، وفي عام 2016، تمكن 20 من أصل 1500 مرشح من اجتياز دورة الاختيار والتدريب والقبول، وفي عام 2023 تمكن 10 فقط من أصل 1300 مرشح من إكمال الدورة، وتتركز التدريبات بشكل كبير على اللياقة البدنية، والرماية بمجموعة متنوعة من الأسلحة (خاصة البنادق الهجومية والمسدسات)، والقتال في المناطق المكتظة.
وكانت "اليمام" مركز الدعاية الأمنية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، بعد تضرر سمعة وحدة "سييرت متكال" الخاصة في 2019، إذ تعرضت الأخيرة لضربة في خان يونس على يد كتائب القسام، وقتل نائبها، وهو ما دفع المستوى الأمني الإسرائيلي إلى تقديم "اليمام" كوحدة خارقة؛ تقتل ولا تُصاب، وهو سلوك مرتبط بالعقيدة الأمنية لدى الاحتلال بضرورة وجود رمزية لوحدة ما لدى طرفي الصراع؛ بحيث تخلق لدى الفلسطينيين الردع، وعند الإسرائيليين الشعور بالأمن، بحسب المختص في الشأن الإسرائيلي، منصور.
وتشارك وحدة "اليمام" في نقل الخبرات والتدريبات لبعض الوحدات الخاصة القتالية حول العالم، من بينها SWAT الأميركية (وحدة شرطية خاصة لمكافحة الإرهاب)، وكذلك للقوات الخاصة الألمانية GSG-9، وهو ما يعزز العلاقات الدبلوماسية والسياسية والأمنية لدولة الاحتلال، واعتاد القادة الإسرائيليون تنظيم زيارات لمسؤولين دوليين لمقر الوحدة واستعراض مهاراتها، كما في زيارة الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو عام 2019، وهذا يعني أن ما جرى معها سيؤثر على سمعتها دوليا وليس فقط داخليا، يقول منصور.
سقوط النخبة: المستوطن يفقد الشعور بالأمن
يعتقد اللواء ركن المتقاعد واصف عريقات، الحاصل على شهادة العلوم العسكرية العليا من كلية القيادة والأركان في باكستان ووكيل وزارة الداخلية الفلسطينية سابقا، أن مقاتلي النخبة في القسام والفصائل الفلسطينية حطموا هيبة الجندي الإسرائيلي، وهذا سيكون له تداعيات نفسية على المستوطنين الذين فقدوا الثقة في وحدات النخبة لديهم، والتي كانت مصدر شعورهم بالأمن الشخصي.
ولفت عريقات إلى أن الأخبار التي كانت تنتشر في الإعلام الإسرائيلي خلال الساعات الأولى لاقتحام المقاومة الفلسطينية لمستوطنات غلاف غزة عن عدم قدرة الجيش على الوصول للمستوطنين الذين يستنجدون به عبر الاتصالات الهاتفية، ستكون لها تداعيات على هيبة المؤسسة الأمنية، وفي حالة دولة الاحتلال فإن المكون الأمني هو الأهم بالنسبة للمستوطنين الذين يعيشون حالة من الصراع مع الفلسطينيين.
ووثق معدّ التحقيق بالاعتماد على الإعلانات الرسمية المتواصلة لجيش الاحتلال منذ بداية عملية طوفان الأقصى وحتى 11 أكتوبر، مقتل 6 من وحدة دوفدفان الخاصة التابعة لجيش الاحتلال (النخبة)، و5 من "أيجوز" وهي وحدة الكوماندوز التابعة لذراع البرية الإسرائيلية، و2 من الكوماندوز البحري (شيطت 13)، و4 من مدربي وحدة لوتر المختصة بتدريب وحدات النخبة، و7 من سييرت متكال التابعة لهيئة الأركان ومهمتها القتال خلف خطوط العود، و3 من القوات الخاصة الجوية (شلداغ) المختصة بتنفيذ مهام إنقاذ وسيطرة، و2 من وحدة الكوماندوز متعددة المهام التي أقيمت عام 2019 ضمن خطة "تنوفا".
ويرى عريقات أن الإعلان عن مقتل جنود من كافة وحدات النخبة الإسرائيلية يعني أنها كانت موجودة جميعها في المعركة، ولكنهم فشلوا في منع سيطرة المقاومين، وهو ما اضطرهم للاستخدام المكثف للطيران الحربي الذي حاول سدّ الثغرة في الفعل الميداني للقوات الإسرائيلية.
"الإسرائيلي القوي" والذكي... تحطّم
تحتاج دولة الاحتلال التي تروج لقدرات قوات نخبتها حتى من خلال الدراما كما في حالة مسلسل "فوضى" واسع الشهرة، إلى وقت طويل لكي ترمم الضرر الذي أصاب هيبة وحداتها الخاصة، كما يقول أستاذ الإعلام في الجامعة العربية الأميركية سعيد أبو معلا، موضحا في مقابلة مع "العربي الجديد" أن السردية الإسرائيلية التي اخترعت القصص والروايات لبناء هذه الهالة حول جندي النخبة سواء في الإعلام أو الأدب، تحتاج لنفس الأداة لتعالج صورة النخبة سواء في الداخل الإسرائيلي أو لدى الفلسطينيين وأيضا في العالم مع التركيز على اختلاق قصص بطولة نادرة لوحدات النخبة.
وليست سمعة وحدات النخبة القتالية وحدها التي تضررت في معركة "طوفان الأقصى"، كما يقول أحمد رفيق عوض رئيس "مركز القدس للدراسات المستقبلية" بجامعة القدس، بل إن وحدات التكنولوجيا العسكرية في جيش الاحتلال والتي تسوق نفسها على أنها صاحبة السبق في صناعة برامج التجسس، وأيضا الصناعات العسكرية التي أنشأت السلك الفاصل مع قطاع غزة بما يحمل من أدوات مراقبة، والتي تعرضت لهزة عميقة، ستؤثر على سمعتها حول العالم.
ويشير عوض إلى المساهمة العالية لجيش الاحتلال في الاقتصاد من خلال الصناعات التكنولوجية والتدريب المهني. معتبرا أن الجندي في الوحدات التكنولوجية أصبح في السنوات الأخيرة لديه سيرة ذاتية تؤهله للعمل في كبريات الشركات العالمية، وهذا اليوم أصبح مهددا، بعد تهشم هيبة التكنولوجيا الإسرائيلية القتالية.
وفي المحصلة، ما جرى بحسب منصور وعوض وعريقات يُفقد الجمهور الإسرائيلي، وخاصة من هم في مستوطنات غلاف غزة، ثقته في نموذج "الجيش المحترف" الذي روج له جيش الاحتلال في العقدين الأخيرين، والذي يعتمد على وحدات النخبة والتكنولوجيا العالية.
المصدر: العربي الجديد