شبكة قدس الإخبارية

“طوفان الأقصى”: تواطؤ دولي وتهجير وسيناريوهات العدوان البري

طوفان-الأقصى
أحمد الطناني

 

بعد مضي أسبوع على تلقّي الكيان الصهيوني لضربة هي الأكبر في تاريخه من حركات المقاومة، تمكنت خلالها المقاومة من تحقيق إنجاز عملياتي واستراتيجي ضخم، هشّم خلالها ثوّار فلسطين العديد من نظريات القوة لجيش الاحتلال، وديست خلالها نظريات الأمن والاستخبارات، وبددت أساطير التفوّق التكنولوجي والأمن السيبراني للكيان.

أعلن الاحتلال “الحرب” على قطاع غزة، وشكّل نتنياهو مجلساً للحرب بالتعاون مع المعارضة، بشكل خاص مع الجنرالات المخضرمين غانتس وأيزنكوت، وكلاهما كانا رئيسين لأركان جيش الاحتلال، وأصحاب ثأريات مع المقاومة في قطاع غزة، التي سبق أن لقّنتهم دروساً في فترة قيادتهم للجيش.

أعلن مجلس الحرب أنّ هدفه تصفية المقاومة في قطاع غزة، وهو ما يعني مضاعفة حجم العدوان والإيغال في الجرائم والدمار وقتل الأبرياء في القطاع المُحاصر، والبحث المستميت عن ترميم الردع المهدور، وحفظ ماء وجه الكيان، وإعادة هيبة “الجيش الذي لا يُقهر” واتضح أنّه جيش “منفوخ”.

شراكة غربية في قتل الفلسطينيين

هبّت المنظومة الدولية المُنحازة بقيادة الولايات المتحدة لإنقاذ قاعدتهم المتقدمة في الشرق الأوسط، إبنتهم المدللة “إسرائيل”، من ضربة مُحققة لم ولن تكون إلا خطوة كبرى في مسار الإجهاز على هذا الكيان وتبديد عقود من الاستثمار الغربي في الاحتلال الأطول في التاريخ.

أمّنت الولايات المتحدة الغطاء الكافي لكيان الاحتلال، وقدّم رئيسها “بايدن” ووزراؤه خطابات صهيونية أكثر من الصهاينة أنفسهم، ورددوا أكاذيب تتساوق مع الدعاية الصهيونية، محاولين الربط ما بين المقاومة الفلسطينية و”داعش” مع مجموعة كبيرة من الافتراءات تحاول تصوير المقاومين الأبطال كوحوش

أمّنت الولايات المتحدة الغطاء الكافي لكيان الاحتلال، وقدّم رئيسها “بايدن” ووزراؤه خطابات صهيونية أكثر من الصهاينة أنفسهم، ورددوا أكاذيب تتساوق مع الدعاية الصهيونية، محاولين الربط ما بين المقاومة الفلسطينية و”داعش” مع مجموعة كبيرة من الافتراءات تحاول تصوير المقاومين الأبطال كوحوش.

ينظر العالم بعين واحدة، مردداً أكاذيب متكررة، دون أدنى اعتبار لأكثر من ألف شهيد جُلّهم من الأطفال والنساء والشيوخ، من المدنيين الآمنين الذين نُسفت المنازل فوق رؤوسهم، ولتهجير أكثر من مليون فلسطيني من منازلهم في قطاع غزة، إضافة للعشرات الذين ما زالو تحت الأنقاض دون التمكن من انتشالهم، أحياءً كانوا أم شهداء.

يبحث الرئيس الأمريكي “جو بايدن” عن دعايته الانتخابية لترميم صورته الضعيفة والمهزومة بعد فترة رئاسية كانت مليئة بالخيبات وفشل إدارته في العديد من الملفات في الشرق الأوسط، والحرب في أوكرانيا، والانسحاب المُذلّ من أفغانستان، والفشل في مواجهة الصين.

إلى جانب حاجة “بايدن” الانتخابية، فإنّ المنظومة الإمبريالية في العالم، لن تسمح بأن تُداس ربيبتهم “إسرائيل”، وأن يساهم هذا الهجوم الكبير للمقاومة الفلسطينية، بتشجيع أعداء “إسرائيل” في المنطقة على الهجوم

يجامل الرئيس الصهيوني في البيت الأبيض “بايدن” اللوبي الصهيوني بالانحياز الوقح الذي يتساوق مع عقود من الدعم الأمريكي للكيان الصهيوني الغاصب، يحاول “بايدن” أن يحقّق انتصارات وهمية على حساب الدماء الفلسطينية، مستعرضاً مدى التزام إدارته بحماية “إسرائيل” وإمدادها بكل الوسائل القتالية والأسلحة والمال، وإيفاد فرق مختصة بـ”تحرير الرهائن” لتشارك في الجهد العملياتي لجيش الاحتلال.

إلى جانب حاجة “بايدن” الانتخابية، فإنّ المنظومة الإمبريالية في العالم، لن تسمح بأن تُداس ربيبتهم “إسرائيل”، وأن يساهم هذا الهجوم الكبير للمقاومة الفلسطينية، بتشجيع أعداء “إسرائيل” في المنطقة على الهجوم، وبشكل خاص قوى محور المقاومة التي تحشد من سنوات لمثل هذه اللحظة.

تهجير جماعي واحتمالات التدخل البري

أسبوع من الغارات الجوية الكثيفة لم ينجح فيها الاحتلال بتوجيه أية ضربات نوعية للمقاومة، والاختباء خلف رفع فاتورة الدماء من الأبرياء، وكتل الإسمنت المُدمّر بفعل القوة النارية الغاشمة من الطيران الحربي الصهيوني.

هدّد الاحتلال سكان محافظتي غزة وشمالها بهجوم كبير بعد انتهاء مهلة حدّدها لإخلائها من سكانها الذين يقارب عددهم المليون و200 ألف نسمة، إلى محافظات وسط وجنوب القطاع، وافتعال موجة نزوج جماعي كبيرة بهدف إخلاء مناطق غزة وشمالها من سكانها، مما يُنذر بنوايا إجرامية أكبر يُخطط لها.

الاجتياح البري للقطاع ليس نُزهة وهو ما يعلمه الاحتلال جيدا، حيث خلصت تقديراته منذ سنوات إلى أنّ تكلفة أي اجتياح بري واسع لقطاع غزة، ستكون من 500 إلى 700 قتيل في صفوف جنود الجيش المشاركين في العملية البرية

عملية الدفع القصري للمواطنين في غزة وشمالها للنزوح إلى وسط وجنوب القطاع، لا يمكن أخذها بمعزل عن تهديدات الاحتلال بتنفيذ عدوان بري واسع يستهدف القطاع، والذي سيُشكّل رأس حربة الحرب العدوانية ضد المقاومة.

الاجتياح البري للقطاع ليس نُزهة وهو ما يعلمه الاحتلال جيدا، حيث خلصت تقديراته منذ سنوات إلى أنّ تكلفة أي اجتياح بري واسع لقطاع غزة، ستكون من 500 إلى 700 قتيل في صفوف جنود الجيش المشاركين في العملية البرية، وعدد كبير جداً من الإصابات والخسائر في الآليات والمُعدات. علماً أنّ هذا التقدير قد مضت عليه سنوات نجحت فيها المقاومة بتحقيق قفزات نوعية في التسليح والتدريب والتجهيزات ستضاعف هذا الرقم بلا شك.

سيناريوهات المناورة البرية

عدة اعتبارات تحكم التقدير حول شكل وطبيعة أي مناورة برية يمكن أن يذهب إليها الاحتلال في قطاع غزة، أولها: الهدف من هذه المناورة؟، ثانيها: أي تكلفة قد يتكبدها الاحتلال منها؟.

سيناريو الاجتياح الكامل: وبناءً على الاعتبارات السابقة، فإنّ سيناريو الاجتياح البري الكامل للقطاع، هو سيناريو مستبعد، ارتباطاً بأنّ هدف إسقاط حركة حماس كحكم يحتاج أن يكون البديل جاهزاً ومهيّئاً وهو ما ليس متوفراً على اعتبار عدم وجود طرف فلسطيني “متعاون مع الاحتلال” جاهز لتغطية هذه المساحة ولن تُشكّل الفوضى مصلحة للاحتلال إذ أنّ العدد الكبير من المقاتلين المدربين والمسلحين في القطاع من عناصر المقاومة سيُدخِلون الاحتلال في دائرة استنزاف لن تنتهي، في ما ستكون التكلفة التي سيتكبدها الاحتلال من الخسائر البشرية والمادية ضخمة جداً وهو ما لن يساعد في تحقيق هدف ترميم الردع الذي يبحث عنه الاحتلال.

سيناريو احتلال الشريط الحدودي: قد يلجأ الاحتلال إلى الدخول البري المحدود مستهدفاً احتلال مساحة محدودة على طول الشريط الحدودي حاملاً هدف “تأمين الغلاف والقضاء على غرف انطلاق المقاتلين والبنية التحتية التشغيلية للمقاومة”، ومن ثم تحويل هذه المساحة لجزء من التفاوض ضمن أي اتفاق تهدئة لاعتبارها مناطق منزوعة السلاح، وبالعودة للاعتبارات السابقة، فالهدف سيكون تحقيق عمق تأميني لمستوطنات الغلاف، والتكلفة في الخسائر محدودة حيث سيعمل الاحتلال في مناطق بعد أن يسبقها بسياسة الأرض المحروقة، مما يقلل من قدرة المقاومة على المناورة في توجيه ضربات كبرى، في ما أيضاً لن يستطيع الاحتلال أن يحصد عبرها ما يبحث عنه من نصر معنوي وترميم لقدرات الردع.

بحث الاحتلال عن تنفيذ مناورة مباغتة تشمل إنزال لقوات “كوماندوز” مظلي بحري، مع تحرك للآليات البرية بشكل مباغت عبر محاور مدينة غزة الشرقية والشمالية باتجاه غرب غزة

سيناريو المناورة في العمق: بالتدقيق في السلوك الناري للاحتلال على مدار أيام العدوان على قطاع غزة، يُلاحظ تركيز كبير جداً على القصف المتواصل وتهجير للسكان في محافظتي غزة وشمالها، مع تركيز مكثّف على استهداف الشريط الساحلي من شمال غزة وصولاً لمخيّم الشاطئ وميناء غزة، وهو ما يعزز من فرضية بحث الاحتلال عن تنفيذ مناورة مباغتة تشمل إنزال لقوات “كوماندوز” مظلي بحري، مع تحرك للآليات البرية بشكل مباغت عبر محاور مدينة غزة الشرقية والشمالية باتجاه غرب غزة، بحثاً عن صورة انتصار من موقع من المواقع الرمزية بمركز المدينة، يقدّم خلالها الاحتلال صورة الإنجاز عبر مباغتة سريعة مع غطاء ناري كثيف سيسهله الإخلاء لهذه المناطق الواسعة من السكان، وهذا السيناريو يحقّق للاحتلال هدفه في البحث عن ترميم الردع وتثبيته وكأنّه نجح في الوصول لعمق القطاع وبفترة وجيزة، وستكون تقديراته أنّ العملية يمكن أن تتم بسرعة وتحت غطاء ناري جوي وبحري كثيف، سيُقلّص بشكل كبير من قدرة المقاومة على التصدي وإيقاع خسائر بالقوات الغازية.

يبقى السيناريو الثاني والثالث، أو كلاهما معاً لهما الرجوح الأكبر في إمكانية أن يغامر الاحتلال بتنفيذهما

السيناريوهات الثلاثة واردة، إلا أنّ السيناريو الأول مستبعد ارتباطاً بكون كل مؤشراته تعاكس الأهداف التي يبحث الاحتلال عن حصادها، في ما يبقى السيناريو الثاني والثالث، أو كلاهما معاً لهما الرجوح الأكبر في إمكانية أن يغامر الاحتلال بتنفيذهما.

بعيداً عن التقديرات المُحتملة للاحتلال، فإنّ الثابت الأساسي هو أنّ قدرات المقاومة فاجأت وستفاجئ الاحتلال، فكما نجحت في توجيه ضربة استراتيجية لمقدّراته العسكرية والأمنية في غلاف غزة، وعلى رأسها الضربة القاتلة لـ”فرقة غزة” المسؤولة عن إدارة العمليات بالقطاع، ستنجح المقاومة أيضاً بتوجيه ضربات نوعية تحوّل أي مغامرة برية إلى مشهد مُكمّل لمشهد انكسار جيش الاحتلال الذي تحقّق مع انطلاق معركة “طوفان الأقصى”.

#المقاومة #طوفان_الأقصى