رام الله - خاص قدس الإخبارية: منذ اللحظة الأولى لمعركة "طوفان الأقصى"، بدا واضحاً أن المقاومة الفلسطينية لم توّجه ضربةً مفاجئة ومؤلمة للعدوّ الإسرائيلي فحسب، بل للولايات المتحدة والقوى الغربية أيضاً التي تأهبت كما لو أن الحرب على أرضها، بما يعيد تأكيد المؤكد؛ أن ما تسمى "دولة إسرائيل" لا يمكن لها إلّا أن تكون مشروعاً استعمارياً أمريكياً غربياً في المنطقة العربية، رغم كلّ محاولاتها في أن تصبح (دولة طبيعية) على مدار أكثر من 75 عاماً.
بدأت الولايات المتحدة الأمريكية الترميم المعنوي للاحتلال قبل الدعم الماديّ الذي يعتبر تحصيل حاصل. ففي اليوم الأول للمعركة، خرج الرئيس الأمريكيّ، جو بايدن، معلّقاً على الحدث بإعلان الدعم الصلب "كالصخر" للاحتلال، مستبقاً ظهور رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي لم يكن قد استفاق من الصدمة بعد.
في كلمته الأولى، أشار بايدن إلى حشد فِرَقه لضمان حصول الإسرائيليين على "كل ما يحتاجون إليه". أي أنه لم ينتظر طلب حكومة الاحتلال للدعم العسكري.
ومع هذا، يبدو أن حكومة الاحتلال كثّفت خلال الساعات الأولى مطالباتها للعون؛ ففي اليوم التالي للمعركة، صرّح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن "أمريكا تدرس طلباتٍ عسكرية إضافية محددة قدّمها الإسرائيليون".
وسرعان ما تكشّفت عبر الإعلام هذه "الطلبات المحددة"، التي تُعتبر إهانةً لما افتخر به الاحتلال على مدار سنوات. فما كان يُسمى "الجيش الذي لا يقهر" لم ينتظر يوماً على مرور المعركة حتى طلب دعم منظومته "الدفاعية": القبة الحديدية.
بتاريخ 8/أكتوبر، كشف مسؤولان عسكريان أحدهما إسرائيلي، والآخر أمريكي أن الاحتلال طلب من الولايات المتحدة قنابل "ذكية" دقيقة التوجيه وصواريخ اعتراضية إضافية لنظام القبة الحديدية.
وقال المصدر العسكري الإسرائيلي إن الطلب المُقدم إلى الأمريكيين يشمل "ذخائر الهجوم المباشر المشترك" JDAMs، وهي مجموعة تعمل على تحويل القنابل غير الموجهة إلى سلاح "ذكي" دقيق، وقد أتت هذه المطالبات رغم أن أمريكا تخصص سنوياً 500 مليون دولار لتعزيز الدفاعات الصاروخية، بما فيها القبة الحديدية.
أما العون الهجوميّ، فقد لبّاه الجانب الأمريكي قبل أن يُطلب، حين أعلن بايدن عن إرسال حاملة طائرات وسفن حربية ومقاتلات إلى شرق البحر المتوسط، والتي تخدم بالدرجة الأولى حالة التأهب (الأمريكي-الإسرائيلي) في حال توسعت الحرب لجبهات أخرى.
وبالفعل، وصلت خلال الساعات الماضية حاملة الطائرات الأميركية "يو أس أس جيرالد فورد"، إلى شرق البحر المتوسط في المنطقة الجنوبية من فلسطين المحتلة. وتُعتبر، حسب الإعلام الأمريكي، أحدث حاملة طائرات تابعة للبحرية الأمريكية وأكثرها تقدماً، وتحمل ما يقرب من 5 آلاف بحّار، بالإضافة إلى طائرات حربية ومدمّرات، ليس هذا فحسب، فقد تحركت أيضاً حاملة الطائرات الأميركية "دوايت أيزنهاور" إلى مياه المتوسط، ومن المتوقع وصولها خلال أسبوعين.
كما أكدت وزارة الدفاع الأمريكية أنها سترسل طائرات مقاتلة إلى المنطقة من طراز F-35، وF-15، وF-16، وA-10. يأتي هذا رغم أن "إسرائيل"كانت أول دولة غير الولايات المتحدة تحصل على مقاتلات "إف-35" (أكثر الطائرات الحربية تقدماً في العالم) منذ يونيو/حزيران 2016، وهنا، لا نتحدث عن مجرّد عونٍ أمريكي لكيان الاحتلال، بل محاولة لترسيخ ردع إقليمي في وجه قوى المقاومة.
وهناك بعدٌ آخر لمثل هذا الدعم يتعدى المساعدة العسكرية؛ ذلك أن الولايات المتحدة اشتغلت منذ تأسيس كيان الاحتلال على منحه التفوّق العسكري، لكن الكيان يبدي تعلّقاً باستمرار المساعدات رغبةً في الحصول على الغطاء السياسي والدبلوماسي لجرائمه ضد الفلسطينيين.
ما يبدو لافتاً أن جيش الاحتلال لم يعد قادراً على إخفاء مقدار الضعف الذي يعانيه في مواجهة كتائب القسام التي تُصنف في العرف العسكري "كمنظمة شعبية مسلّحة". الناطق باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي، لم يجد حرجاً في نشر رسائل التهديد والتخويف بسلاح أمريكا، وليس سلاح "إسرائيل". وقد أعلن اليوم عبر وسائل التواصل عن "هبوط أول طائرة تحمل ذخيرة أمريكية متقدمة في قاعدة نفاتيم"، مضيفاً أن الذخيرة مخصصة لتمكين جيشه من "توجيه ضربات ملموسة والاستعداد لسيناريوهات أخرى".
الفشل الإسرائيلي وصل إلى حدّ احتياجهم خبراء للمساعدة في تحرير أسراهم لدى المقاومة. إذ ادّعى البنتاغون، يوم أمس، أن قوات أمريكية خاصة معنية بتحرير "الرهائن"، وصلت إلى الأراضي المحتلة. وذلك في ظلّ عدم تجرؤ الاحتلال، حتى اللحظة، على اتخاذ قرار الحرب البرّية في قطاع غزة، خاصة وأن العملية الأولى للمقاومة ضد قاعدة "رعيم"، أخرجت ما تسمى "فرقة غزة" الإسرائيلية عن الخدمة، أي أن الاحتلال فقد ركيزة أساسية في خوض الحرب على القطاع.
رغم ما يحققه كل هذا الحشد الأمريكي من إسنادٍ عسكريٍّ وسياسيٍّ للاحتلال في حربه ضد الوجود الفلسطيني، إلّا أنه يرسّخ في ذات الوقت التبعيّة التي لطالما شكّلت محفّزاً للقلق الوجودي المزمن في المشروع الصهيوني. وهو ما يظهر دائماً في تصريحات المسؤولين الإسرائيليين عند كلّ صفقة أو اتفاق بين كيان الاحتلال وأمريكا.
على سبيل المثال؛ حذر رئيس اللجنة المالية في الكنيست موشيه غافني، في تصريح عام 2018 ، من أن "المساعدات العسكرية الأميركية قد تتسبب بأضرار غير مقبولة، وبينما ستزداد المساعدات فإن المجتمع الإسرائيلي سينهار من الداخل".
كما حذر الجنرال الإسرائيلي إيال بن رؤوفين قائد الكليات العسكرية السابق من أن "المساعدات العسكرية الأميركية قد تتسبب بأن تخسر إسرائيل استقلالها في أوقات الطوارئ".