رام الله – قدس الإخبارية: بعنصر المفاجأة، اقتحمت كتائب القسام والمقاومة الفلسطينية برًا وجوًا وبحرًا الداخل المحتل، ومنطقة غلاف غزة، يظللهم من فوقهم أكثر من 5 آلاف صاروخ كما أعلن قائد أركان كتائب القسام محمد الضيف، صباح اليوم السبت 7 أكتوبر\تشرين الأول 2023.
محمد الضيف، أعلن عن بدء معركة طوفان الأقصى دفاعًا عن القدس، ونصرة للأسرى في سجون الاحتلال، هذه المعركة التي بدأت أولى خطواتها باقتحام المقاومين أفواجًا إلى مستوطنات غلاف غزة، فأسر ما يمكن أسره، وإيقاع قتلى بين الجنود، واشتباكات مستمرة مع الاحتلال ما زالت مستمرة حتى لحظة كتابة هذا التقرير في 25 نقطة في المستوطنات كما أعلنت القسام في بلاغها العسكري رقم 1.
مع انطلاق طوفان الأقصى، بدأت معالم فشل استخباراتي ذريع لحق بالاحتلال، حتى أن ساعتين على الأقل مرتا دون أي رد فعل أو خبر من وسيلة إعلام عبرية او مصدر في قيادة الاحتلال حول ما يجري، ونحو 6 ساعات قبل أن يصدر رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بصدمة لم تخفها عدسات الكاميرات، ليقول "إنها الحرب القاتلة الطاحنة "، ونحو7 ساعات مرت دون أن يعلن جيش الاحتلال أي رد.
ماذا يجري؟
الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف يقول إن ما يجري هو رد من قبل المقاومة على تجاوزات الاحتلال بحق المسرى والاقصى والاعتداء على المرابطين والمرابطات والمصلين ومنع المواطنين الفلسطينيين من الدخول للمسجد الأقصى، والتغول على الأسرى والاعتداء عليهم بكل الوسائل.
ويضيف الصواف في حديثه لـ "شبكة قدس" إن المقاومة كانت تراقب وتخطط لما ستقوم به حتى فاجأت الاحتلال بهذا الهجوم النوعي المباغت والذي أربك قادة الاحتلال بشكل كبير وأدى إلى دخول المقاومين للعديد من مستوطنات الاحتلال.
ويشير إلى أن أسر الجنود والمستوطنين هو أحد أهداف المقاومة لتبييض المعتقلات الإسرائيلية من الأسرى، وأن المقاومة تتوقع كيف سيكون سلوك الاحتلال ولديها ما ستقوله لقادته خلال الساعات القادمة.
الظروف وسياق الحرب
في الصورة التي رافقت كلمة قائد الكتائب محمد الضيف، ظهرت صورة هاتفين أرضيين، يشبهان إلى حدٍ كبير، الهاتفان اللذان ظهرا في صورة نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح عاروري ببدلته العسكرية قبل نحو شهرين، وهو يرد على تهديدات اغتياله.
الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي يقرأ ظروفًا وسياقات موضوعية جاءت عملية طوفان الأقصى جاءت في ظلها، بدءًا من إعلان العاروري أن قيادة حماس تتوقع ضربة قوية من الاحتلال بعد انتهاء الأعياد اليهودية، أو في سياق ترتيبات تجري للظرف الفلسطيني والمنطقة، لكن كتائب القسام استبقت الاحتلال وضربته وعقدت حساباته، خاصة أن هذه حرب لا بد منها.
ويقول عرابي في حديثه لـ "شبكة قدس": "منذ عام 2022، وحدوث أكثر من جولة مع الاحتلال لم تشارك فيها القسام بشكل مباشر، كنا نعلم أن القسام ستدخل معركة بتوقيتها هي وليس توقيت الاحتلال."
ويشير إلى الظروف الإقليمية، حيث الحديث عن التطبيع، وهناك إرادة لتصفية القضية تحت عنوان تحسين الشروط الاقتصادية للفلسطينيين، بمعنى دفن الوجود السياسي والنضالي للفلسطينيين، وأن واحدًا من واجب المقاومة أن تعيد للقضية الفلسطينية مكانتها.
ويلفت عرابي إلى أن الواقع في الضفة والأقصى وتدنيس للمسجد الإبراهيمي، والمشاريع التي تجري على قدم وساق لتفكيك حالة المقاومة، ولذلك اختاروا عنوان طوفان الأقصى، نصرة للأقصى، ضد مشاريع المستوطنين لتهويده واقتحامه، فضلًا عن مسألة الأسرى التي تسعى المقاومة دومًا لتعزيز موقفها، خاصة وأن إسرائيل تماطل في ملف الأسرى.
وينوه عرابي، إلى ظرفٍ متعلقٍ بمحاولة الاحتلال الإذلال لأهالي قطاع غزة، تحت عنوان رغيف الخبز ولقمة العيش، ومحاولة تحويل المقاومة إلى عبءٍ على أهل القطاع.
وحول التاريخ، الذي يجيء بعد يومٍ من ذكرى معركة أكتوبر 1973، يرى عرابي أن كتائب القسام تريد أن تستعيد هذه الصورة العربية من اجل أن تستعيد ذاكرة العداء العربي للاحتلال.
ويقول: " يبدو أن المقاومة استخدمت العديد من الوسائل للخداع الاستراتيجي، واستغلت حالة الاسترخاء لدى الصهاينة والجيش والامن ومجتمع المستوطنين في ظل الأعياد اليهودية، وأن المناوشات التي جرت على حدود القطاع كان نوعًا من التهيئة."
ويؤكد أن تداعيات المعركة معروفة لدى القسام، وإن كنا نعلم أن الاحتلال يملك أدوات قوة وقتال أكثر من المقاومة، ولكن الذي يقاتل بالدرجة الأولى هو الإيمان والتصميم والتمكين وهذا الذي يملكه القسام والفلسطينيون.
قراءة في مجريات الأحداث
الباحث والكاتب السياسي أحمد الطناني يرى أن المقاومة في قطاع غزة نفذت ضربة مباغتة للاحتلال ذات جوهر استراتيجي مهم، تسعى عبره إلى تغيير جذري في معادلة المواجهة مع الاحتلال.
ويوضح الطناني في حديثه لـ "شبكة قدس"، تريد المقاومة أن تؤسّس لتحول نوعي في طبيعة المعادلة، ليس في غزة فقط، بل على صعيد معادلة الصراع العربي الصهيوني، وتخلق فيه واقعًا جديدًا يتجاوز كل ما بنته المنظومة الصهيونية عبر عقود سوقت فيها لأساطير الجيش الذي لا يُهزم، ومعادلات الردع.
ويضيف أن المقاومة حولت هذه الأساطير إلى سراب عبر عملية تضليل وخداع استراتيجي نجحت فيه في التعتيم على هذه الضربة النوعية، ونقلت الاشتباك إلى داخل الأراضي المحتلة، وتخوض عملية استنزاف داخل صفوف العدو وفتح جيوب اشتباك لا يمكن حصرها، تُحيد عبرها التفوق الجوي للاحتلال في استهداف مجموعات المقاومة بسبب الالتحام المباشر مع أماكن تواجد المستوطنين وجنود الاحتلال.
ووفقًا للطناني، فإن تمكن المقاومة من خطف عدد كبير من الجنود والمستوطنين، جزء كبير مهم على قيد الحياة، يعطيها تفوقًا تفاوضيًا جوهريًا سينعكس على وتيرة سير المعركة من جانب، ومن جانب آخر سيُمكنها من الوفاء بوعدها بإنهاء ملف الأسرى وتبييض السجون بهذا العدد الكبير من الأسرى الموجودين بجعبتها.
وحول خيارات حكومة الاحتلال بالرد، فإنها بحسب الطناني، خيارات محدودة، لاعتبارات أهمها الاستنزاف الكبير الذي يعاني منه جيش الاحتلال مسبقًا بسبب الاستنفار المستمر منذ أشهر على ثلاث جبهات، شمال فلسطين المحتلة وجنوبها، وفي الضفة المحتلة.
إضافة إلى ذلك، عدم جهوزية الخطط العملياتية وتضرر الكفاءة بسبب الأزمة الداخلية ورفض الخدمة في قوات الاحتياط، وكون الضربة مباغتة في توقيت حساس يعاني منه الكيان والائتلاف الحكومي أزمات مركبة، وانهيار اقتصادي متصاعد، ستؤدي المعركة الحالية لتفاقمه، وأن خيارات الاحتلال كلها ستجلب له ثمنًا باهضًا ولن يكون هناك عصا سحرية يمكن عبرها احتواء آثار الضربة الاستراتيجية للمقاومة.
ويشدد على أن المقاومة نفذت المرحلة الأولى من ضربتها، ولم تستخدم بعد كل ما في جعبتها، سواء في جبهة غزة، أو الجبهات الأخرى التي أضحت خلال الأشهر الأخيرة أكثر جاهزية وأكثر قدرة على المساهمة الفاعلة في معادلات المواجهة والاشتباك.
وينوه إلى أن الحدث الحالي لن تنتهي مفاعليه بانتهاء جولة القتال، بل هو حدث مؤسس له ما بعده في كل المعادلة الفلسطينية وسيفرض قواعد جديدة في الصراع مع الاحتلال، ويخلق مرحلة نوعية في كسر شوكة الاحتلال والتصدي لمخططات التصفية للحكومة الفاشية بقيادة نتنياهو- سموتيرتيش- بن غفير.