فلسطين المحتلة - قُدس الإخبارية: في مثل اليوم من 1996، اندلعت هبة النفق من المسجد الأقصى المبارك إلى بقية فلسطين المحتلة، لتشكل أحد فصول المواجهة بين الشعب الفلسطيني وقوة الاحتلال، التي لم تتوقف عن التخطيط لتهويد القدس والسيطرة على المسجد الأقصى، عبر مشروع متكامل من البناء الاستيطاني وحفر الأنفاق ومحاولة تغييب الوجود العربي والإسلامي وإحلال تاريخ يهودي مصطنع مكانه، كما يؤكد الخبراء والباحثون.
دفع افتتاح الاحتلال نفقاً أسفل المسجد الأقصى المبارك الجماهير الفلسطينية، في القدس، إلى الانتفاض في وجه الاحتلال ثم امتدت المواجهات إلى مناطق واسعة في الضفة المحتلة وقطاع غزة، وأدت المواجهات التي استمرت لعدة أسابيع إلى استشهاد 63 فلسطينياً وإصابة أكثر من 1600 آخرين.
كان المميز في الهبة هو دخول نمط الاشتباكات المسلحة الواسعة، في المواجهة مع الاحتلال، بعد انخراط عناصر من الأجهزة الأمنية فيها، وشهدت المواجهات مقتل عدد كبير من جنود الاحتلال وإصابة آخرين.
كانت أحد المواجهات الكبيرة خلال الهبة محاصرة أكثر من 450 من جنود الاحتلال، في قبر يوسف شرقي نابلس، وإجبارهم على الانسحاب منه ورفع الأذان فيه.
شكلت هبة النفق نموذجاً مصغراً عن انتفاضة الأقصى التي اندلعت بعد 4 سنوات، وكانت المواجهة العسكرية الأشد ضراوة بين الشعب الفلسطيني وقوة الاحتلال، في داخل فلسطين المحتلة، وحملت الانتفاضتان طابعاً عاماً متشابهاً، وهو دخول العمليات المسلحة بكثافة واشتراك عناصر من الأجهزة الأمنية في المواجهات والاشتباكات، ووقوع خسائر كبيرة في صفوف قوات الاحتلال والمستوطنين، واندلاعهما تحت عنوان الدفاع عن المسجد الأقصى والقدس المحتلة.
بعد الهبة، توصلت قيادات جيش الاحتلال إلى أن الاستراتيجية التي اتبعها في التحليل، قبل الهبة، كانت سيئة إذ فشل في توقع اندلاع المواجهات، وسعى موشيه يعلون الذي كان يشغل حينها منصب قائد المنطقة الوسطى المسؤولة عن الضفة وقطاع غزة، إلى بناء نماذج لتوقع وتحليل الأحداث في الأرض المحتلة قبل تحولها إلى انتفاضة.
في 1999 أطلق يعلون مشروع مشروع "براشيت" لتطوير العلم والأفكار والسياسات الخاصة بالعمل في "مناطق الطوارئ"، وكانت العناصر الأبرز فيه: تغيير إجراءات تقييم الوضع، والتخطيط العملياتي القتالي، وعدم التعامل مع الساحة الفلسطينية كجبهة قتالية جديدة.
ويشمل المراحل التالية: التفكير في الحدث وتطوير علمه قبل اندلاع الصراع، تطوير الحلول للمشكلات التي جرى تحديدها خلال عملية تطوير العلم، والأنشطة العملياتية لتنفيذ الحلول أثناء اندلاع الصراع.
رغم هذه الإجراءات لتطوير قدرات الاستخبارات العسكرية وقادة المناطق على توقع الأحداث، والسيناريوهات التي رسمتها القيادة العسكرية الإسرائيلية قبل انتفاضة الأقصى، إلا أنها لم تقدر على منع اندلاعها بعد اقتحام أرئيل شارون للمسجد الأقصى، في أيلول/ سبتمبر 2000، ثم امتدادها لأكثر من 5 سنوات، والخسائر التي تكبدها جيش الاحتلال ومجتمع المستوطنين جراء العمليات النوعية.
كانت هبة النفق "صدمة" لأوساط الأمن والسياسة والعسكرية في دولة الاحتلال، إذ اندلعت بعد اتفاقيات التسوية مع منظمة التحرير الفلسطينية وأنظمة عربية أخرى، وأكدت لها أن قضية القدس بقيت مركزية في وعي الشعب الفلسطيني، وسبباً لانفجار الأوضاع في أية لحظة، وهو ما حصل لاحقاً في انتفاضة الأقصى.