تطور استراتيجي لافت وغير متوقع تشهده الضفة الغربية حالياً، وهو الذي يُفسر القلق الإسرائيلي الكبير، وتصعيد عمليات الاعتقال اليومية التي تستهدف الفلسطينيين في كل أنحاء الضفة الغربية، وهذا التطور يتمثل في ظهور صواريخ يستخدمها المقاتلون الفلسطينيون في استهداف المستوطنات، ومواقع الاحتلال، وهذه ظاهرة غير مسبوقة من قبل في الضفة الغربية.
خلال الأسابيع القليلة الماضية سجلت الضفة الغربية إطلاق صواريخ فلسطينية محلية الصنع عدة مرات، وكان إطلاق هذه الصواريخ يتم بشكل متقطع ومتباعد زمانياً ومكانياً، وبطبيعة الحال لم تؤدِ هذه الصواريخ إلى أي إصابات، ولا حتى خسائر مادية ذات اعتبار، وذلك بسبب أنها من المؤكد لا تزال بدائية ومحدودة الحجم والمواصفات، ولذلك لم تحدث الكثير من الضجيج أو الصدى الإعلامي، إلا أنها أرعبت دوائر صنع القرار والأجهزة الأمنية والجيش في إسرائيل.
«القبة الحديدية» لن تنجح على الأغلب في التصدي لصواريخ قصيرة المدى، حيث التداخل السكاني والتقارب الجغرافي بين المستوطنات والمدن الفلسطينية ربما يكون حائلاً دون نجاحها
صواريخ الضفة الغربية التي يقول الاحتلال إن مصدرها مدينة جنين تُعيد إلى الأذهان البدايات الأولى للصواريخ في قطاع غزة، حيث كانت في بداياتها محدودة الإمكانات وغير دقيقة، ولا تستطيع إلحاق أي أذى، لكنها سرعان ما تطورت وأصبحت اليوم تصل إلى مدينة تل أبيب والقدس، وهو ما يعني أنها أصبحت تصل إلى أغلب السكان الإسرائيليين، وتستطيع تهديد العُمق الإسرائيلي.
في الضفة الغربية أصبح واضحاً أن ثمة مشروعا لدى المقاومة لإنتاج صواريخ قصيرة المدى على غرار تلك التي في غزة، وهذا تحول استراتيجي بالغ الأهمية، وفي حال نجح الفلسطينيون في إنتاج هذه الصواريخ ولو بتقنية أقل وقدرات أضعف، فإنها ستصبح أكثر أهمية بكثير من صواريخ غزة، وسوف تُغير كثيراً من قواعد اللعبة وتفاصيل الصراع.
دخول الصواريخ إلى الضفة الغربية يُشكل تحولاً مهماً لأسباب عديدة أهمها أن الجغرافيا والديموغرافيا والكثير من التفاصيل تختلف عن قطاع غزة، فالضفة الغربية تغرق بالمستوطنات الإسرائيلية التي تحيط بالمدن الفلسطينية كافة، وتوجد على مختلف الطرق والمفترقات، كما يوجد في الضفة حالياً نحو نصف مليون مستوطن، وهو أعلى رقم يتم تسجيله منذ احتلالها في عام 1967، الأمر الذي يعني أن هؤلاء سيفقدون الأمن، الذي يوفره لهم الجيش الإسرائيلي المنتشر في كل أنحاء الضفة.
ثمة عنصر مفصلي وبالغ الأهمية أيضاً في قصة صواريخ الضفة، وهو أنَّ «القبة الحديدية» التي هي أهم إنتاج عسكري إسرائيلي على الإطلاق سوف لن تنجح على الأغلب في التصدي لأي صواريخ قصيرة المدى تستهدف مستوطنات الضفة، حيث أن التداخل السكاني والتقارب الجغرافي بين المستوطنات والمدن الفلسطينية ربما يكون حائلاً دون نجاح القبة وفعاليتها، إذ أن الحال في غزة مختلف تماماً وذلك أن «القبة الحديدية» تتصدى للصواريخ الفلسطينية فوق مناطق خالية أو فوق البحر، كما أن المسافة بين مركز إطلاق الصاروخ الفلسطيني في غزة، وهدفه في الداخل تتيح زمنياً رصد الصاروخ وتتبعه وإسقاطه قبل وصوله إلى هدفه، وهذا كله ليس موجوداً في الضفة الغربية.
ظاهرة «صواريخ الضفة» أو «صواريخ جنين» تعيد أيضاً التأكيد على أن ثمة انتفاضة فلسطينية حالياً تشهدها الضفة الغربية، لكنها تختلف في شكلها وأدواتها وملامحها عن الانتفاضات السابقة، إذ في عام 1987 كانت «انتفاضة الحجر» وهي مواجهة لم تعد ممكنة اليوم، وفي عام 2000 حيث اندلعت «انتفاضة الأقصى» كانت تتميز بالهجمات المسلحة اليومية على الطرق الالتفافية، وهو ما لم يعد ممكناً اليوم، بينما تقوم هذه الانتفاضة على الهجمات المنفردة والمتفرقة، التي تختلف زمانياً ومكانياً.
أما الطريقة الوحيدة لإنهاء هذه الانتفاضات فهو التوصل إلى سلام عادل ومنطقي يجعل الفلسطيني يعيش في دولة مستقلة تحافظ على كرامته.