فلسطين المحتلة - قُدس الإخبارية: لم يكن شروق شمس السادس من أيلول/ سبتمبر 2021 عادياً على فلسطين المحتلة، كانت الأرض قد انشقت عن ستة أسرى من أحد السجون التي كان الاحتلال يظن أن "لا غالب لها"، تحرروا بأيديهم وأدواتهم البسيطة وكسروا قرار السجن المؤبد، ولو لأيام.
تحرر الأسرى محمد العارضة، ومحمود العارضة، وزكريا الزبيدي، وأيهم كممجي، ويعقوب غوادرة، ومناضل نفيعات بعد شهور من الحفر تحت أرض بيسان حيث أقام الاحتلال سجن "جلبوع"، دون أن تنجح أعين السجانين ومن خلفهم استخبارات السجون و"الشاباك" ومختلف الأجهزة الأمنية في الكشف عن محاولتهم لكسر قيدهم، رغم أن عدداً منهم كشفوا سابقاً في محاولة مماثلة.
لأيام تجول الأسرى في فلسطين المحتلة، رغم كثافة الإجراءات الأمنية والعسكرية التي نفذها الاحتلال لإعادتهم للسجن، وهم في أيام حريتهم هذه كانوا يصنعون فصلاً جديداً في تاريخ فلسطين، أعاد لقضية الأسرى خاصة المؤبدات والأحكام العالية منهم ألقها في الوجدان العربي والإسلامي والدوائر العالمية، وعزز من حضور "الإرادة" في الفكر التحرري الفلسطيني، الذي كان حينها يشهد خضم مولد جديد لمرحلة من المقاومة، في الضفة المحتلة، عنوانها "الإرادة" أيضاً.
"هذا الوحش وهم من غبار" كانت هذه العبارة للأسير قائد العملية، محمود العارضة، تلخص سيرة العملية وأبطالها الذين أثبتوا للشعب الفلسطيني قدرة "الإرادة" على صنع الممكن في زمن أراد الاحتلال فيه إثبات أن الوقوف في وجه عدوانه من "المستحيل".
بعد العملية شنت إدارة سجون الاحتلال بدعم من الحكومة ومختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية حرباً على الأسرى، تضمنت إجراءات للتضييق عليهم، ولكن الحركة الأسيرة توحدت على المواجهة وأعلنت عن تشكيل "اللجنة الوطنية العليا للحركة الأسيرة الفلسطينية"، وخاضت أكثر من 6 جولات مواجهة، لكسر قرارات الاحتلال للتنكيل بالأسرى.
وقبل شهور حكمت محاكم الاحتلال على أبطال العملية بالسجن لمدة خمس سنوات و5 آلاف شيقل و8 شهور وقف تنفيذ لمدة ثلاث سنوات، فيما أصدرت بحق الأسرى الخمسة الذين وجهت لهم تهمة مساعدة أسرى العملية، بالسجن الفعلي لمدة أربع سنوات و2000 شيقل غرامة.
وفي الفترة الأولى بعد العملية رصدت مؤسسات الأسرى عمليات قمع في السجون، بالإضافة لعمليات نقل جماعي استهدفت مختلف الأسرى خاصة أسرى حركة الجهاد الإسلامي التي ينتمي لها معظم أبطال العملية، وهددت إدارة السّجون بإجراءات تمس نظام الحياة الاعتقالية القائم، والمحتكم لطبيعة العلاقة القائمة بين الأسرى وإدارة السجون، واستهدفت بشكل أساس قيادات الأسرى، والمحكومين أحكام عالية، عدا عن قرار الاحتلال بتشكيل لجنة للخروج بتوصيات الهدف منها فقط هو الانقضاض على منجزات الأسرى، وفرض مزيد من إجراءات الرقابة والسيطرة عليهم، وفقاً لتقرير مؤسسات الأسرى.
وقالت إن الأسرى واجهوا العدوان بتنظيم الصفوف عبر اتخاذ مسار من المواجهة المفتوحة، وحماية الجبهة الداخلية لهم، وأضافت: تمكّن الأسرى من تعزيز حالة الوحدة، الأمر الذي أفشل فعليًا مخططات إدارة السجون وساهم في نجاحهم على مدار هذه الفترة، فكانت أولى خطوات الأسرى تشكيل لجنة الطوارئ العليا للحركة الأسيرة ومن كافة الفصائل، وعبرها تمكّن الأسرى من تنفيذ برنامج نضاليّ تصاعديّ، منظم تمكّنت من خلاله صد عدوان إدارة السّجون، المتواصل والذي لم يتوقف حتّى اليوم.
وفي الشهور الماضية، تصاعدت العملية العدوانية بحق الأسرى مع صعود تيارات "اليمين الصهيوني الديني" إلى الحكم، وتولي إيتمار بن غبير وزارة الأمن القومي في حكومة الاحتلال، التي نقلت لها المسؤولية عن إدارة السجون، وأوضحت مؤسسات الأسرى أن من بين مشاريع القوانين المعادية للأسرى: مشروع (قانون إعدام الأسرى) الذين نفّذوا عمليات مقاومة ضد الاحتلال، إضافة إلى (قانون سحب الجنسية والإقامة من أسرى ومحررين مقدسيين) ومن الأراضي المحتلة عام 1948، وتم ربط ذلك بالمخصصات التي تقدمها السلطة الفلسطينية لعائلاتهم، إضافة إلى مشروع قانون يقضي بترحيل عائلات الأسرى و الشهداء.
كما صادق الاحتلال بالقراءة التمهيدية على مشروع قانون يقضي بحرمان الأسرى على العلاج الذي يندرج تحت توصيف (تحسين جودة الحياة)، وأصدر بن غبير تعليمات داخلية بخصم أموال من مخصصات "الكانتينا" للأسرى، في حال استخدم الأسير عيادة علاج الأسنان في السجن وعن كل ساعة تم خصم (175) شيقلًا، إلى جانب هذا تم طرح تعديل قانون (مكافحة الإرهاب)، يقضي بعدم تسليم جثامين الشهداء، ومشروع قانون (منع الإفراج المبكر عن الأسير الذي صدر بحقّه حكمًا) على خلفية عمل مقاوم والذي يصنّفه الاحتلال (كعمل إرهابي)، ومشروع قانون يناقش سجن الأطفال الفلسطينيين من عمر 12، بدلًا من إرسالهم إلى مؤسسات (لإعادة التأهيل)، ومشروع قانون آخر يقضي بإعطاء صلاحيات واسعة لوزير الشرطة بفرض اعتقالات إدارية وتقييد الحركة على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، وعدد آخر من مشاريع القوانين التي تمس حياة ومصير الأسرى المحررين، وعائلاتهم تحديدًا في القدس والأراضي المحتلة عام 1948.
ومؤخراً، قرر بن غبير حرمان الأسرى من الزيارة الشهرية وتحويلها لمرة كل شهرين، وهو ما دفع الحركة الأسيرة للإعلان عن إجراءات نضالية جديدة بينها الإضراب في 14 الشهر الحالي.
يحتجز الاحتلال في سجونه نحو 559 أسيراً فلسطينياً محكومين بالسجن المؤبد "مدى الحياة"، وبينهم العشرات ممن قضوا في السجون أكثر من 20 عاماً متواصلة، وبعضهم ارتقى شهيداً بفعل "الإهمال الطبي المتعمد" أو سياسة "القتل البطيء" كما تؤكد مؤسسات الأسرى، قبل أن ينعموا بالحرية.
مئات العائلات الفلسطينية تنتظر يوم حرية لأبنائها الذين تقلبت عليهم السنوات، في سجون الاحتلال، كيوم عملية "نفق الحرية" يتحرر فيه كل الأسرى المؤبدات رغماً عن الاحتلال، وهو يوم جربه الشعب الفلسطيني عدة مرات سابقاً، في صفقات التبادل بين الاحتلال والمقاومة.