الخليل - خاص قدس الإخبارية: في الوقت الذي كان فيه الاحتلال الإسرائيلي يلاحق منفذي عملية حوارة التي أسفرت عن مقتل مستوطنين إسرائيليين قبل يومين، فاجئت الخليل المنظومة الأمنية في دولة الاحتلال بعملية جديدة أسفرت عن مقتل مستوطنة وإصابة آخر بجراح حرجة.
وشهدت مدينة الخليل جنوب الضفة المحتلة، تصاعداً في العمل المقاوم، والمواجهات مع قوات الاحتلال والمستوطنين، حيث تم تسجيل 1163 عملاً مقاوماً في محافظة الخليل منذ بداية عام 2023 حتى 21 أغسطس 2023 قتل خلالها مستوطنة وأصيب 20 آخرون، بحسب مركز المعلومات الفلسطيني –معطى-.
ونفذ المقاومون في الخليل 60 عملية إطلاق نار، استهدفت قوات الاحتلال والمستوطنين، 7 عمليات طعن أو محاولة طعن، وعملية دهس واحدة، كذلك فجر المقاومون 20 عبوات ناسفة، وأحرقوا 22 منشأة وآلية وموقع عسكري للاحتلال.
وشكلت العملية الأخيرة صدمة بالنسبة للمنظومة الأمنية في دولة الاحتلال، نظرًا للتوقيت والمكان، في ظل انشغال الاحتلال بالبحث عن منفذي عملية حوارة الأخيرة، وفشل الوصول إليهم وسط زيادة ملحوظة في أعداد قتلى العمليات.
وبحسب التحقيقات الأولية في العملية فإن سيارة الخلية اقتربت من السيارة الإسرائيلية وانتظرت اقترابها من الدوار لتخفف سرعتها وعندها أطلق المقاومون النار من مسافة قصيرة جداً، وفقاً لما نشره الإعلام العبري، ولم يترجل أحد منها قبل أن تغادر المكان بعد اتمام العملية.
حالة واسعة للمقاومة.. نماذج للإلهام
في السياق، يقول الكاتب والباحث في الشأن السياسي ساري عرابي إن تتابع العمليات يعني أن حالة المقاومة هي أوسع من النموذج الموجود في داخل جنين التي شكلت حالة إلهام وتأثير على مجمل الراغبين في الانخراط في العمل المقاوم.
ووفق حديث عرابي لـ "شبكة قدس" فإن هذا النمط من العمل المقاوم والعمليات ليس جديدًا وقد تكرر في السنوات الأخيرة، إلا أن استمراره يدل على أن المقاومة ليست في حالة تراجع بل أنها تتسم بقدر معقول من الثبات في الأداء.
ويشير إلى أن الاحتلال سعى كثيرًا لتحييد العمل المقاوم في الخليل سواء بافتعال النزاعات العشائرية أو الإلهاء الاقتصادي بالهندسة الاجتماعية، إلا أن حالة المقاومة التي انتقلت من شمال الضفة إلى أريحا ها هي اليوم تنتقل للخليل.
لكن ووفق عرابي فإن للاحتلال حسابات خاصة على المستوى السياسي الخاص بالخليل والتي استدعت منه أن يكون لهذه المدينة اتفاقًا خاصًا بخلاف الاتفاقيات الخاصة بمناطق "أ"، إذ أن هناك حالة استيطاني قاسية وقوية في الخليل بالإضافة لإحاطتها بالمستوطنات والحواجز.
ويلفت عرابي إلى أن الاحتلال كان حريص على أن هذا التجمع الفلسطيني الضخم في الخليل يجب العمل على تحييده من العمل النضالي والمقاوم إلا أن هذه العملية ليست الأولى عدا عن الإسهامات الجيدة للخليل في هبة عام 2015.
ووفق الكاتب والباحث في الشأن السياسي فإن عمليتي حوارة والخليل من الصعب الحكم عليهم قبل اتضاح صورة المشهد، إلا أن هذا الأمر لا ينفي وجود بنية تنظيمية تقف وراء بعض العمليات التي تنفذها المقاومة الفلسطينية.
مفاجأة التوقيت والمكان.. هل الاحتلال مصدوم؟!
من جانبه، يستبعد أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل بلال الشوبكي وجود صدمة على مستوى المنظومة الأمنية الإسرائيلية حيث أن هذا الأمر أصبح متوقعًا بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي، لا سيما وأن الحالة الوطنية لم يتم تفريغها في الخليل.
ويقول الشوبكي لـ "شبكة قدس" إن الاحتلال عمل على تقديم دعاية وبروباغندا بأن الخليل تم تحييدها عن العمل المقاوم غير أن تتابع العمليات المقاومة استفزت صانع القرار الإسرائيلي بالرغم من أن هذه التصريحات قد لا تكون خرجت بطرق رسمية.
وتتابع: "لا أظن أن المسألة مفاجأة من الناحية الأمنية بقدر التوقيت الدقيق للعملية مع الإشارة إلى سياسة العقاب الجماعي التي يقوم بها الاحتلال من خلال الحصار على مختلف مناطق الخليل كما حصل بعد عملية حوارة".
ويرى أستاذ العلوم السياسية أن هناك حالة تؤثر في المشهد الذي تم في شمال الضفة الغربية خصوصاً لجيل الشباب الذي لا توجد أمامه أي أجندة سياسية أو أفق بتغيير الواقع القائم حاليًا وبالتالي فإن هناك حالة تؤثر بنموذج جنين ونابلس.
في الوقت ذاته، يرى الشوبكي أن المسألة في الخليل مختلفة لعدة اعتبارات منها الاحتكاك المباشر مع المستوطنين وبالتالي إذا ما تصاعدت الحالة النضالية فإن حياة المستوطنين في المدينة ستتأثر بشكل مؤرق للمنظومة الأمنية الإسرائيلية، عدا عن أن تحرك الخليل سيفشل كل المخططات الحياتية والاقتصادية التي سعى الاحتلال لفرضها.
وبحسب إذاعة جيش الاحتلال فإن منفذو العملية أطلقوا 25 رصاصة، 22 منها أصابت سيارة المستوطنين بشكل مباشر، قبل أن ينسحبوا بهدوء من المكان في الوقت الذي شرع الاحتلال فيه بفرض طوق أمني وحصار مشدد للخليل.
حضور مهم للخليل.. تاريخ مؤثر
من جانبه، يقول الباحث والمختص في الشأن العسكري، رامي أبو زبيدة، إن انتشار العمل المقاوم في الضفة المحتلة لم يجعل من عملية الخليل أمرًا مفاجئًا، بل هو متوقع، إذ أن عمليات المدينة دائمًا ما تكون نوعية ذات تأثير كبير على المستوطنين أو النقاط العسكرية.
ويضيف أبو زبيدة لـ "شبكة قدس": "نحن في خضم فعل مقاوم متجدد ينتقل من نقطة إلى نقطة فهو الآن في جنوب الضفة وبالأمس في شمال الضفة الغربية وبالتالي فإن انتشار العمليات في جغرافية الضفة الغربية يدل على تمدد الفعل المقاوم وباتت المقاومة في الضفة خيار استراتيجي وهناك حيوية كبيرة في الفعل المقاوم وحاضنة شعبية تمدها بزخم كبير وهو يؤرق الاحتلال".
ويشير الباحث والمختص في الشأن العسكري فإن حالة الانتشار للعمل المقاوم من شأنها أن ترهق المنظومة الأمنية والعسكرية على جغرافيا واسعة الانتشار بالضفة المحتلة".
ويلفت أبو زبيدة إلى أن المرحلة الحالية تتسم بانتقال الفعل العسكري المقاوم إلى الفعل المخطط المنظم، بخلاف الفترة السابقة التي كانت تشهد انتشار للفعل الفردي، الذي لعب دورًا بارزًا في تمهيد الطريق للمقاومة للعمل بنظام المجموعات والتشكيلات العسكرية.