شبكة قدس الإخبارية

هل بدأت السلطة بتنفيذ "خطة فينزل" بالضفة الغربية؟

146195212
أحمد الطناني

لم تتوقف التطورات الميدانية منذ انتهاء العملية العسكرية العدوانية التي استهدفت مخيّم جنين مطلع تموز/يوليو وفشل الاحتلال في تحقيق أهدافه أمام صمود المقاومة ضمن معركة “بأس جنين” ونجاحها في تحويل العدوان الأكبر على المدينة والمخيّم منذ “السور الواقي” بالعام 2002 إلى انتصار كبير عزّز من حضور المقاومة وتماسك حاضنتها الشعبية.

الدخول على أنقاض الدمار

نجحت المقاومة في الثبات والصمود بأقل الخسائر الممكنة في الكادر البشري والعتاد التسليحي، مما خالف تقديرات أجهزة أمن الاحتلال، كما من الواضح أنّه خالف أيضاً تقديرات قيادة السلطة وأجهزتها الأمنية، التي توقعت أن يشكّل هذا العدوان المدخل الأساسي لحالة واسعة من الإحباط لدى الحاضنة الشعبية، والتشتيت الواسع لتماسك مجموعات المقاومة بعد أن تُوجَّه لهم ضربة قوية وواسعة من جيش الاحتلال (حسب ما كان مفترضا).

دعوة الرئيس محمود عباس إلى اجتماع للأمناء العامين بعد فترة طويلة من المماطلة بل وحتى الرفض الضمني لصيغة الأمناء العامين، أثارت العديد من التساؤلات حول الهدف منها، خصوصاً أنّه لم يسبقها أي تهيئة لأجواء وحدوية تُنجح هذا الاجتماع، الذي تزامن توقيته مع شن الاحتلال لعدوانه على مدينة ومخيّم جنين.

من الواضح أنّ الرئيس قد دعا للاجتماع مستنداً لتقدير أجهزته الأمنية حول نتائج العدوان على جنين، مدفوعاً بالحاجة لاستثمار جو الإحباط المتوقع وحالة الدمار الواسعة والخسائر الكبيرة في الأرواح الناتجة عن هذا العدوان، لتحقيق عدة أهداف على رأسها، إثبات عدم جدوى المقاومة المسلحة واعتبارها جالبة للدمار والدماء، إضافة للحاجة إلى ترميم شرعيته وتعزيز حضوره ليستند إليها في تطبيق الخطة الأمنية لإعادة فرض سيطرة السلطة على مدن شمال الضفة ومواجهة مجموعات المقاومة.

لم ينجح العدوان في تحقيق أهدافه، بل تحوّل إلى دفعة معنوية كبيرة للمقاومة المسلحة ونهجها وحاضنتها الشعبية، مما خلق حالة كبيرة من الضغط داخل حركة فتح دفعت بالرئيس محمود عباس إلى تنفيذ زيارته الأولى منذ تولّيه الرئاسة إلى مخيّم جنين (مدخل مخيّم جنين بالمعنى الأدق) للتأكيد على قوة سلطته وحضورها، خصوصاً بعد طرد وفد السلطة من جنازة شهداء جنين.

لم تخلُ الزيارة المذكورة من الأهداف الأمنية، إذ استغلت الأجهزة الأمنية عنوان (تأمين زيارة الرئيس) في الدفع بأكثر من ألف عسكري من جهاز حرس الرئيس والأجهزة الأمنية الأخرى، مع عتاد وآليات إلى مخيّم جنين ومحيطه وتعزيز حضور أجهزة أمن السلطة في المحافظة برفدهم بهذا العدد من المجندين من خارج جنين.

خطة “فينزل” الأمنية

تستند خطة الجنرال الأمريكي “مايكل فينزل” إلى مبدأ إعادة سيطرة السلطة الفلسطينية من جديد على جنين ونابلس. وتستند بدرجة أساسية على فكرة إنشاء قوة فلسطينية خاصة يتمّ تدريبها وإرسالها إلى المدينتين للمواجهة مع المجموعات المسلحة بهدف هزيمتها والقضاء عليها.

ومن الواضح أنّ الأولوية الأولى تركزت في استهداف مدينة جنين ومخيّمها باعتبارهما البقعة الأكثر حصانة للمقاومة، والتي لم تنجح أساليب أجهزة السلطة الأمنية في احتوائها، فلم تنجح في إقناع المقاومين بتسليم أنفسهم ضمن صفات “عفو” وتحفيزات مالية ووظيفية، على غرار ما نجحت بتمريره في مدينة نابلس وأثّر بشكل ملموس على تماسك حالة المقاومة في بعض مناطقها.

الخطة التي أعدّها الجنرال الأمريكي مثّلت استجابة كاملة للحاجة الأمنية الإسرائيلية، إلا أنّ ما كان يعيقها بدرجة أساسية مطلب السلطة وقف اقتحامات الجيش لمناطق “A” التابعة لسيطرتها الأمنية وفقاً لاتفاق أوسلو وإتاحة المجال لأجهزتها الأمنية للعمل فيها.

مقدّم الخطة، الجنرال الأمريكي “فينزل”، يشغل موقع المنسق الأمني الأمريكي بين السلطة الفلسطينية وكيان الاحتلال، وهو ذات الموقع الذي كان يشغله الجنرال الأمريكي “كيث دايتون” الذي أشرف بشكل مباشر على تطبيق خطة تدعيم الأجهزة الأمنية وتفكيك تشكيلات فصائل المقاومة وإنهاء تجليات ومظاهر انتفاضة الأقصى.

ووفقاً للمصادر الصحفية، فإنّ مكتب المنسق الأمني الأمريكي في القدس (USSC)، لا يقتصر على الدور الأمريكي وإدارة قناة التنسيق بين “إسرائيل” والسلطة، بل هو أيضاً نقطة اتصال وتنسيق لجنرالات الأمن من مختلف الجنسيات، بريطانيا وكندا وهولندا على سبيل المثال، الذين يجتمعون وينسقون مع قادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

وقائع ميدانية

نفّذت السلطة حراكاً ميدانياً واسعاً منذ انتهاء العدوان على جنين، متجاوزة حتى انتظار انتهاء اجتماع الأمناء العامين، حيث تصاعدت حملات الاعتقالات السياسية، التي استهدفت أسرى محررين ومقاومين، بشكل أساسي من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، والجبهتين الديمقراطية والشعبية، وحتى حركة فتح.

ترافقت حملة الاعتقالات مع نصب السلطة الحواجز العسكرية على جميع مداخل محافظة جنين، وبعض بلداتها وقراها، ومضاعفة أعداد الأمن وآلياتهم العسكرية، وانتشارهم في المحافظة مباشرة.

في ما حملت كلمة الرئيس “أبو مازن” في مخيّم جنين تأكيداً بأنّه لن يكون هناك سوى سلاح واحد، تبعه اتخاذ السلطة قراراً بزيادة رواتب الرتب الدنيا من المنتسبين إلى الأجهزة الأمنية بمقدار (400 شيكل) نحو (100 دولار).

إلى جانب ما سبق، عمدت أجهزة الأمن إلى التعامل الخشن جداً والاستفزاز المتعمد لمقاومي “كتيبة جنين” وتشكيلات المقاومة الأخرى في المخيّم، عبر تعمّد إطلاق النار على الفعاليات والأنشطة المساندة للمقاومة، كان أبرزها إطلاق النار وقنابل الغاز على مسيرات رفض الاعتقالات السياسية، وقمع مسيرة الاحتفاء بعملية “تل أبيب” البطولية التي نفّذها أحد مقاومي جنين.

مخرجات العقبة – شرم الشيخ على أرض الواقع

رغم ادعاء السلطة الفلسطينية إيقافها للتنسيق الأمني، وتجميد تعاملها مع مخرجات اجتماعي العقبة – شرم الشيخ الأمنيين، إلا أنّ الوقائع تتحدث بغير ذلك، حيث سهّل جيش الاحتلال وصول تعزيز أمن السلطة إلى محافظة جنين، في ما أكدت مصادر عبرية مختلفة أنّ حكومة الاحتلال قد قررت الامتناع عن تنفيذ اقتحامات لمخيّم جنين لمنح السلطة الفلسطينية المساحة اللازمة لبسط سيطرتها الأمنية على المخيّم والمحافظة عموما.

ترافق هذا الإجراء مع إقرار حكومة الاحتلال حزماً متعددة من التسهيلات الاقتصادية للسلطة، بهدف دعمها وتعزيز والحفاظ على استقرارها، تركزت هذه الحزم بشكلها الأكبر كمخرجات لاجتماعين للمجلس الوزاري المصغر في حكومة الاحتلال، وبالرغم من معارضة وزراء الصهيونية الدينية، إلا أنّ “نتنياهو” قد صمم على تمرير هذه التسهيلات التي من الواضح أنّ سقفها يرتفع مع زيادة وتيرة النشاط الأمني لأجهزة السلطة الأمنية على أرض الواقع، إضافة لتراجع حتى خطابها السياسي والإعلامي المندد بجرائم الاحتلال بحقّ الشعب الفلسطيني.

كل هذه التسهيلات والإجراءات الإسرائيلية هي من أبرز مخرجات اجتماعي العقبة – شرم الشيخ الأمنيين، مضافاً إليها الخطة الأمنية المطلوب من السلطة الفلسطينية تنفيذها لحصد هذه التسهيلات الاقتصادية والحوافز المقدمة من حكومة الاحتلال والولايات المتحدة لتعزيز السلطة والحفاظ على دورها الأمني.

خاتمة

كل ما سبق من وقائع ميدانية وتطورات سياسية وانعكاساتها تؤكد أنّ السلطة الفلسطينية قد بدأت فعلياً في تنفيذ مخرجات العقبة – شرم الشيخ، وفي مقدمتها خطة “فينزل” لمواجهة تصاعد حالة المقاومة في شمال الضفة الغربية.

من الواضح أنّ الدعوة لاجتماع الأمناء العامين كانت بوابة هدف منها رئيس السلطة الفلسطينية لحصد شرعية تخفف من وطأة النقمة التي ستنتج عن تصاعد السلوك الأمني لأجهزة أمن السلطة في ملاحقة المقاومين وتفكيك البنية التحتية التي فشل الاحتلال على مدار عامين في القضاء عليها.

إنّ الرفض المطلق من قِبل الرئيس محمود عباس قبول مبادرة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالتوقيع على ميثاق شرف يُجرّم الاعتقال السياسي والاحتكام للمعالجات الأمنية في حسم التباينات والخلافات الداخلية، يؤكد بما لا يدعو للشك تمسك الرئيس بالالتزام بالدور الأمني المنوط بالسلطة تنفيذه مقابل حصد بعد الامتيازات والتسهيلات الاقتصادية.

إنّ التصدي لسلوك السلطة الأمني، ومحاولتها تفكيك البنى التحتية لمجموعات المقاومة، ومواجهة المجموعات الناشطة في العمل المقاوم بشكل مباشر، يستوجب من قوى المقاومة العمل بشكل سريع وفعال من أجل الاتفاق على استراتيجية وطنية تحفظ وتحمي المقاومين، وتراكم على ما تمّ إنجازه خلال العامين المنصرمين، وعدم الرضوخ لمحاولة السلطة الفلسطينية فرض واقع أمني لا يخدم سوى الاحتلال.

#الاحتلال #الضفة #جنين #المقاومة #التنسيق_الأمني