انتهى اجتماع الأمناء العامين للفصائل والقوى الفلسطينية بحضور رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بعد أن استمر لمدة تقارب الخمس ساعات كان جلّها كلمات الأمناء العامين الحاضرين وكلمة رئيس السلطة.
انتهى الاجتماع بدون بيان ختامي فعلي، فقط اختتم الرئيس الاجتماع ببيان يشكر فيه مصر ودول الإقليم التي تحركت من أجل تذليل العقبات وضمان نجاح الاجتماع، وأعلن عن تشكيل لجنة للحوار والمتابعة لما جرى نقاشه داخل الاجتماع، وتُكلّف بالوصول لنتائج لعرضها على اجتماع قادم!.
5 ساعات
هكذا ببساطة، بعد سنوات طويلة من انتظار الشعب الفلسطيني وكل أصدقائه لالتئام المستوى القيادي الفلسطيني الأول في لقاء، هو الأول من نوعه منذ سنوات بحضور رئيس السلطة وجاهيا، وفي لحظة تاريخية حرجة تمر بها القضية الفلسطينية التي تتعرّض لأبشع مخططات التصفية من حكومة صهيونية فاشية، وعالم منحاز يتعمد تجاهل آهات وآلام الشعب الفلسطيني الذي يكتوي بنيران الانقسام والحصار وبطش الاحتلال.
5 ساعات ولربما أقل بقليل، تضمّنت مراسم البروتوكول والافتتاح ودقائق الصمت والتحيات، 5 ساعات هي الفترة التي استطاع قادة الشعب الفلسطيني تمضيتها مجتمعين في قاعة واحدة، انقضت دون الوصول لأي نتيجة حقيقية، سوى الصفر الكبير، اتفق الجميع أن لا يتفقوا، ولا عزاء للشعب الفلسطيني الذي لم يرفع آماله بإمكانية تحقيق الاجتماع أي اختراقات حقيقية.
عندما يكون الصفر أفضل من الانحدار
ربما يُجمع الجميع أنّ الصفر الذي انتهى به الاجتماع يُعدّ نتيجة سلبية، إلا أنّ القارئ، بتجرد للمشهد الفلسطيني، يعلم أنّ الصفر هو أفضل من تحقيق ما كان يطمح رئيس السلطة الوصول إليه من خلال هذه الدعوة وهذا المحفل، بالحصول على تنازل جديد من القوى الوطنية والإسلامية والقبول بأطروحاته السياسية المتمسكة بالمقاومة السلمية وما يُسمّى بقرارات “الشرعية الدولية” التي يريدها بالجملة سواء كانت في صالح الشعب الفلسطيني أم ضده!، إضافة للقبول بحكومة وأطر عمل رسمية بما فيها منظمة التحرير التي تلتزم بالاتفاقيات السابقة، أي “أوسلو” وأخواتها التي كانت الطعنة الأكبر في خاصرة الشعب الفلسطيني، إلى جانب ترميم شرعيته وطمأنة المجتمع الدولي أنّه ما زال يُمسك بزمام الأمور، وشرعنة إجراءاته بشقّيها: القانوني المتمثّل في إحلال المجلس المركزي بصلاحيات المجلس التشريعي وتثبيت فريقه في اللجنة المركزي، أو الميداني المتمثّل بتصعيد ملاحقة المقاومة وفرض السيطرة الأمنية شمال الضفة.
الاعتقالات السياسية في الواجهة
سلوك السلطة قبل الاجتماع وأثناء التحضيرات له والذي كان أبرزه تصاعد الاعتقالات السياسية واستهداف المقاومين والنشطاء والطلبة مصحوباً بالتعنت ورفض إطلاق سراحهم، والتنكر لكل المبادرات التي حاولت لململة المشهد عبر إطلاق سراح المعتقلين سياسياً وضمان مشاركة الجهاد الإسلامي بالاجتماع، والتوقيع على ميثاق شرف يحفظ الحريات ويجرم الاعتقال السياسي، إلى جانب التعنت السياسي والتمسك ببرنامج رئيس السلطة الذي ذكرناه سلفاً ضارباً بعرض الحائط كل مواقف الاجماع الوطني، شكّل إشارة واضحة وجلية حول الجدية في الوصول لأي صيغ عمل وطني تشاركي.
بالرغم من هذا المشهد، فقد نجحت الفصائل في استثمار الدعوة للاجتماع، في خلق نقاش سياسي واسع بين مختلف القوى الفلسطينية على هامش التحضيرات للاجتماع، تضمن حراكاً مكوكياً للقوى الرئيسية وبشكل خاص الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة حماس، الذين التقى وفديهما في اجتماعات ثنائية مع كل الوفود الحاضرة للاجتماع، إضافة للقاءات ثنائية واتصالات على مدار الساعة للاتفاق على محددات تُحصّن الاجتماع من الانزلاق لمربع التنازلات والمواقف المشوهة، وتعزز سقف المناعة الوطنية في مواجهة محاولات التدجين والاحتواء.
الموقف المبدأي الذي قدّمته حركة الجهاد الإسلامي برفض حضور الاجتماع إلا بإطلاق سراح المعتقلين سياسياً في سجون السلطة، نجح في تحويل قضية الاعتقال السياسي إلى قضية رأي عام فرضته على أجندة كل الحوارات التمهيدية لاجتماع الأمناء العامين، وهو ما التقطته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي صممت على مطلب ميثاق الشرف الضامن للحريات ويجرّم الاعتقال السياسي، ونجحت في تحشيد موقف من كل القوى المشاركة وبالطبع قوبل بالرفض من وفد السلطة ورئيسها.
صورة لترميم شرعية مُبددة
لم ينجح الرئيس محمود عباس في حصد أي إنجاز يُذكر من الاجتماع سوى الصورة، صورته كرئيس للشعب الفلسطيني يجلس على رأس طاولة الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية، الموالية له والمعارضة، إضافة لتقديم فريقه من أعضاء اللجنة التنفيذية ورئيس المجلس الوطني الذين انتُخبوا بطريقة غير قانونية من المجلس المركزي الأخير بالعام الماضي، والذي قوبل برفض كل فصائل وقوى المعارضة.
بالرغم من سوء المُخرجات الرسمية التي لا تتجاوز الـ(لا شيء)، والارتدادات السلبية معنوياً على الشعب الفلسطيني وكل أصدقائه في العالم، إلا أنّ هناك بارقة أمل يمكن، بل يجب البناء عليها انطلاقاً مما تحقّق بالحراك السياسي الفلسطيني الذي سبق الاجتماع.
ماذا بعد؟؟
نجحت القوى والفصائل بالتحشيد لأوسع اصطفاف وطني حول مسودات قدّمتها الجبهة الشعبية لبيان ختامي إضافة لميثاق الشرف، وتمّ تطويرهم خلال اللقاءات المكثفة التي عُقدت مع الفصائل الوطنية والإسلامية، وهو ما انعكس جلياً في التقاطعات الواضحة بكلمات قيادة هذه القوى خلال جلسة الاجتماع.
ما تمّ تحقيقه لا ينبغي أن يذهب أدراج الرياح بانتهاء الاجتماع، بل المطلوب وطنياً المراكمة عليه، وتحويله إلى أرضية للتوافق على استراتيجية وطنية مع كل القوى والأحزاب واستكمال التحرك مع القطاعات الشعبية والنقابات والحراكات والمستقلين، للوصول للكتلة الشعبية والسياسية الأكبر المتوافقة على هذه الاستراتيجية والبدء بخطوات عملية تُخرج الشعب الفلسطيني من نفق الانتظار السلبي، وتخلق معادلة جديدة تتصدى لعملية الاستئثار بالقرار والتمثيل الفلسطيني الرسمي واحتجازه من قبل فريق واحد.