كرس مخيم جنين معادلة قاعدة المقـاومة الحصينة في الضفة الغربية، والتي تفرض نفسها بالسلاح العلني وبالإرادة الماضية والوحدة والاحتضان الجماهيري، فمنذ أن أعلنت كتيبة مخيم جنين عن نفسها يوم 7-9-2021 حاول الاحتلال منع تكريس هذه المعادلة بتسع محاولات اقتحام واجتياحٍ للمخيم ارتقى فيها 52 شهيدا؛ إلى أن فرض المخيم معادلته واجترح المستحيل.
اليوم، وعبر تجربة من نقل الخبرة وخوض المعركة على أسس مشابهة تنتقل المعادلة إلى مخيمات عقبة جبر ونور شمس وعسكر، التي حاول الاحتلال الليلة وصباح اليوم تنفيذ عمليات فيها الثلاثة وانتهت العمليات الثلاث إلى فشل.
الحدث الأهم والأبرز كان في مخيم نور شمس في طولكرم: حاول الاحتلال اقتحامه في الثانية فجراً بقوة كبيرة شملت 60 آلية بينها جرافات، ما يشي بقوة مقتحمة تقارب 500 جندي. كانت العملية شبيهة بالمحاولة الأخيرة لاجتياح مخيم جنين؛ إذ حاول الاحتلال خلالها التركيز على الدمار بتدمير الشوارع وشبكة الماء والكهرباء متصوراً أن "الثمن" على الحاضنة يضعفها، لكنه ووجه بمـقـاومة يقظة فجرت إحدى جرافاته العسـكرية وتصدت له بالنـار على مختلف المحاور، لينهي عمليته بعد خمس ساعات دون أن يتمكن من تحقيق ضربة تحبط القدرة على المـقـاومة أو تمس بإمكاناتها القائمة وسـلاحها العلني، بل دون حتى أن ينجح في تنفيذ أي اغتيال.
تكررت التجربة في حوالي التاسعة صباحاً باقتحامه مخيم عسكر في نابلس، ليبدأ الاقتحام متسللاً بسيارتين مدنيتين، ويحاصر منزل مـقـاوم ويتخذ من ابنه درعاً بشرياً لعله بذلك يجبره على تسليم نفسه، وليضطر الاحتلال بعد ساعة تقريباً للانسحاب بعد فشله في اعتقال هدفه.
في المخيمات الثلاثة هناك قاسم مشترك ارتكزت إليه المقاومة لفرض هذه المعادلة هو الكثافة السكانية:
- فمخيم جنين مساحته 420 ألف متر مربع ويسكنه 23,600 لاجئ فلسطيني وفق إحصاءات الأونروا.
- أما مخيم نور شمس فمساحته 210 آلاف متر مربع ويقطنه 13,500 لاجئ.
- ومخيم عسكر مساحته 119 ألف مترٍ مربع ويقطنه نحو 23,700 لاجئ فلسطيني، ما يجعله أحد أكثر البقع اكتظاظاً في فلسطين عموماً.
- ثم مخيم عقبة جبر الذي هو أكبر تلك المخيمات مساحة إذ تبلغ مساحته نحو 1.7 كيلومترٍ مربع ويبلغ تعداد سكانه عشرة آلاف، ما يجعله الأقل كثافة.
في محصلة التجربة، فإن مخيماً بحجم نور شمس بمساحة لا تزيد عن 210 دونمات بات يستطيع أن يفرض معادلة قاعدة المـقـاومة الحصينة على جيش الاحتلال، لم تعد هذه المـقـاومة تتطلب مساحة وعدداً وعتاداً بقدر ما يراكمه قطاع غزة، فاجتياح مخيم جنين بات عصياً، بل واجتياح مخيم نور شمس بات عصياً، وهي معادلة لن يركن لها جيش الاحتلال بسهولة وسيكرر التجارب لكسرها كما فعل في مخيم جنين، إلا أن فرضها عليه مستمر.
لقد وصل التراجع بالجيش الذي حاول يوماً أن يصنع أسطورة أنه "لا يقهر" حد استعصاء المـقـاومة في أي مساحة جغرافية تستند إلى سماكة سكانية كافية تجعل اقتحامها والخروج منها مهمة معقدة، هذه المعادلة تسمح اليوم لكل مخيمات الضفة الغربية بالانضمام إلى الركب، كما تسمح لبلداتها القديمة ولعدد من الأحياء المكتظة في مدنها وبلداتها.
مع انطلاق مخيم جنين لشق طريقه، ربما كان صعباً ومبكراً القول بأنه يرسي معادلة التحرير بتجربته، لكن هذه التجربة إذ تتكرر اليوم بنجاحاتها في مخيم نور شمس، وتبدأ بالامتداد إلى مخيم عسكر، فقد حان الوقت للخروج من التردد والانتظار، والانطلاق إلى إسناد هذه التجارب المحلية الناشئة بكل جهدٍ ممكن، لأنها برهنت بالفعل بأنها ترسي معادلة التحرير.