رام الله - خاص قُدس الإخبارية: أكد تقرير الائتلاف من أجل النزاهة والمساواة "أمان" السنوي، على تردي الوضع السياسي والاجتماعي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأضاء على مجموعة من الخروقات التي تزيد من حجم الانهيار الذي يتزايد في كل مرحلة، كما يؤكد مختصون ومحللون والشارع الفلسطيني الذي يعبر عن مخاوفه، في كل فرصة.
الائتلاف أشار إلى المحاولات التي لم تنقطع خلال عام 2022 إلى "التضييق على العمل المجتمعي"، من خلال "مشاريع قوانين يُراد بها سحب دور المؤسسات المدنية في المشاركة بتحديد الأولويات الوطنية والرقابة المجتمعية على ادارة الشأن والمال العام؛ كمحاولات إصدار لائحة تنظيم قطاع المنظمات غير الهادفة للربح والترتيبات القانونية ونظام ترخيص المؤسسات الإعلامية".
وقال إن "السلطة السياسية الممسكة بالحكم في شقي الوطن استحوذت على مراكز اتخاذ القرار لتحقيق أهداف ليست بالضرورة للمصلحة العامة"، ومن جملة الخروقات التي أشار إليها "مرسوم الرئيس حول تشكيل المجلس الأعلى للهيئات القضائية برئاسته"، وأكد أنه "يمثل انقلاباً على أحكام القانون الأساسي الفلسطيني وإدارة الظهر للمبادئ التي تضمنتها وثيقة إعلان الاستقلال".
وشدد على أن "تعطيل إجراء الانتخابات هو استمرار لمخالفة القانون الأساسي وإبقاء السلطة التنفيذية دون رقابة رسميّة ومساءلة فعّالة"، واعتبر أن "الحكومة تتبنى سياسة ترحيل الأزمات المالية ولم تلتزم بسياسة ترشيد النفقات".
وحذر من "استثناءات لأعضاء السلطة السياسية تعكس ضعفا في مستوى الامتثال لضوابط وأخلاقيات الوظيفة العامة وأنظمة تجنب تضارب المصالح وسجل الهدايا"، ودعا إلى "دعم سياسة بناء منظومة صحية موازية من القطاع الخاص للاستفادة من التحويلات الطبية".
وذكر في التقرير أن "شركة صروح التي أقيمت قرار بقانون تمنح امتيازات لأشخاص مقربين من السلطة السياسية دون وضوح صلتهم بالشركة وحجم استثمارهم بها".
وأكد أن "استمرار الحكومة في سياسة الانغلاق وتجاهل أهمية المشاركة زاد من فجوة الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة"، وعلى "استمرار ضعف الشفافية والنزاهة في إدارة الموارد الطبيعية، وعدم الإفصاح عن أعمال لجان التحقيق في التعديات على أراضي الدولة".
وكشف أن "76% من مجمل الشكاوى والبلاغات الواردة لهيئة مكافحة الفساد تتعلق بإساءة استخدام السلطة"، وقال إن "11% (97 شكوى) من الشكاوى والبلاغات الموجهة لهيئة مكافحة الفساد تتعلق بأشخاص من كبار المسؤولين".
ومن بين القضايا التي كشف عنها التقرير، قضية "تبييض تمور المستوطنات" المفتوحة منذ أكثر من 3 سنوات، وقال: عوضاً عن إحالة الأشخاص المتورطين إلى المحاكم، بدا كأنّها تصفية حسابات ومحاولة استيلاء على أملاك أحد المتهمين المساهمين من كبار المستثمرين في قطاع زراعة التمور وتسويقها. وكان أمان قد حذر من عدم ملاحقة هذه القضية من قبل جهات العدالة، ومن تخوّفه من أن تصبح قضية تبييض تمور المستوطنات تصفية حسابات أو ابتزازات وتسويات مالية.
وحذر التقرير من أن "استمرار الواقع الحالي يعزز من الانفصال التدريجي بين الضفة وغزة لكيانين منفصلين ما يسيء لقضيتنا العادلة"، ودعا إلى "استعادة الحياة الديمقراطية تتطلب تحديد موعد لاجراء الانتخابات العامة".
ومن بين التوصيات، أكد الائتلاف على ضرورة "إنشاء لجنة مستقلة للرقابة على تعيينات المرشحين للوظائف العليا في القطاع العام"، و"إصدار قانون منح الامتياز وقانون المنافسة ومنع الاحتكار"، و"تعزيز فاعلية واستقلالية الرقابة الرسمية والمجتمعية وتحرر النيابة العامة من تدخل السلطة السياسية في أعمالها".
خبير قانوني: نتجه نحو مزيد من "مأسسة الفساد"
الخبير في الشؤون الحقوقية والقانونية، عصام عابدين، إن ما حمله التقرير "ليس جديداً في سياق الانهيار الشامل الذي أصاب الوضع الفلسطيني منذ سنوات".
وقال: التقرير يشكل مقطعاً من الوضع الفلسطيني القاتم الذي نعيشه منذ سنوات.
واعتبر أن النظام الفلسطيني الحالي قائم على "شراء الذمم" وقال إنه "سيطر على التشريع والتنفيذ".
وأضاف: حتى على مستوى الموازنات العامة والتشريع سيطر النظام عليها، تخيل أنك تضع الموازنة وأنت من تشرعنها!.
وأشار إلى جملة من التطورات على المشهد الفلسطيني عززت هذا الانهيار، حسب وصفه، من بينها سلسلة القرارات دون قانون التي سلبت "النظام التشريعي والقانوني صلاحياته وخالفت الدستور".
واعتبر أن من يدير البلد "هم بضعة أشخاص" في ظل "الشفافية والمحاسبة والانتخابات وتغييب الناس"، حسب وصفه.
وعلى صعيد متصل، قال إن غياب الانتخابات يعزز من "تضارب المصالح والفساد والاستبداد"، وأضاف: لدينا جيل كامل لم يجرب الانتخاب في حياته.
وحول قضية "الابتزاز"، حسب وصفه، في ملف "تبييض تمور المستوطنات" قال إن "الوضع الطبيعي والقانوني يفرض على هيئة مكافحة الفساد بعد تقرير أمان أن تفتح قضية ضد المتهمين فيها".
وأضاف: لكن لا توجد رقابة ولا متابعة وأنا أؤكد أنه لن تجري محاكمة أو محاسبة أحد، لا يوجد لدينا نظام سياسي أو مؤسسات، ما يحصل حقيقة هو أن مجموعة من الأشخاص يحكمون البلاد.
وحذر من تأثيرات هذه الأوضاع على السياق النضالي والسياسي العام، وقال: هذه الظروف والانهيار السياسي والقانوني يؤثر على صمود الناس على أرضهم، ونحن نعاين هذا واقعاً في الميدان، قدرة الناس على البقاء في وجه سياسات الاحتلال تتآكل، وهذا يعود إلى الانهيار الأساسي، الناس اعتادت على ثقافة اللامبالاة والجهل، النهج التدميري مستمر ويكبر بسبب صمت الجميع وزرع ثقافة الخوف.
واعتبر أن السلطة الحاكمة "تتمادى في كل مرحلة ومواجهة مع الناس الذين يطالبون بحقوقهم"، حسب وصفهم، وأضاف: الهدف هو أن يعتاد الناس على الهزيمة الداخلية والخوف، مشهد العدوان على غزة والقدس والأقصى دون تحرك شعبي واسع، هو نتاج ثقافة ترسخت طوال سنوات لدفع الناس نحو الهزيمة والخوف واللامبالاة.
وجدد تأكيده على "غياب المحاسبة"، قائلاً: التقرير سينضم إلى جملة تقارير أخرى، ولن تعقد محاسبة أو محاكمة لأحد، وهي رسالة للكل أن لا اهتمام أو تغيير، وخلال الحكومات المتعاقبة أقيمت عشرات لجان التحقيق في مختلف الملفات، ولم نسمع أو نعاين أي نتائج لها.
ويرى عابدين أن المشهد الفلسطيني يتجه نحو "مزيد من مأسسة الفساد واستمرار التحكم من قبل بضعه الأشخاص"، وقال: المرحلة المقبلة ستكون صراعاً عنوانه شراء الذمم وتخويف الناس.