طولكرم - قُدس الإخبارية: لا يكتمل بنيان المقاومة في شمال الضفة المحتلة، إلا باكتمال المثلث الاستراتيجي "نابلس، جنين، طولكرم" مع ريفها ومخيماتها بما لها من خصائص بشرية وجغرافية وتاريخية، جعلت منها بؤرة ثورية متقدمة في كل انتفاضة وهبة وحراك ثوري فلسطيني.
بعد شهور من نهوض الحالة الثورية في جنين ونابلس وطوباس دخلت طولكرم لأداء دورها التاريخي الذي لم تنقطع عنه، حتى في أشد سنوات الملاحقة الأمنية والعسكرية، لوأد المقاومة في المنطقة التي شكلت في انتفاضة الأقصى معضلة استراتيجية في مسار محاولة إنهاء العمل العسكري الفلسطيني الذي ضرب بقوة في قلب تجمعات المستوطنين، خاصة في المنطقة الساحلية التي تعتبر مركزاً "اقتصادياً - رفاهياً" في المجتمع الصهيوني.
طولكرم… تجديد العهد مع "الرد السريع"
يوم أمس استشهد المقاومان حمزة خرويش وسامر الشافعي بعد أن خاضا اشتباكاً بطولياً مع قوات خاصة من جيش الاحتلال، مدعومة بكل وسائل الدعم اللوجستي والاستخباراتي وقوات كبيرة أخرى حاصرت المكان.
خريوش والشافعي أصحاب "الرد السريع" على جريمة اغتيال الشيخ الأسير خضر عدنان، في سجون الاحتلال، ختما حياة كثفاها في الفترة الماضية بالعمل العسكري ضد الاحتلال.
الأسبوع الماضي، بعد إعلان استشهاد الشيخ خضر عدنان توجه خرويش بسيارته وفتح النار على مركبات للمستوطنين قرب مستوطنة "أفني حيفتس" المقامة على أراضي طولكرم، وأصاب عدداً منهم بجروح، قبل أن ينسحب بسلام.
بعد استشهاد خريوش والشافعي اللذين نعتهما حركة حماس بوصفها "قساميين"، كشف عن دورهما في عدة عمليات إطلاق نار بينها استهداف جنود الاحتلال على حاجز قرب طولكرم من مسافة صفر.
مع "كتيبة طولكرم" شقت طولكرم طريقاً جديداً في تاريخ مقاومة مشروع الاحتلال الإسرائيلي في الضفة المحتلة، ضمت الكتيبة مقاتلين من توجهات سياسية مختلفة واجماعاً في الوقت ذاته على المقاومة.
استشهاد قائد الكتيبة أمير أبو خديجة في 23 آذار/ مارس الماضي، لم يمنعها من إكمال طريقها في العمل المقاوم، الذي تركز في المراحل الأولى على عمليات إطلاق النار التي تستهدف الوجود الاستيطاني والعسكري للاحتلال في محيط المدينة ومخيماتها.
حاول الاحتلال ضرب مجموعات المقاومة في طولكرم وريفها ومخيماتها عن طريق العمليات الخاصة التي نفذتها في مناطق أخرى بالضفة المحتلة، من خلال استخدام القوات الخاصة والاعتقالات المكثفة وعمليات الاغتيال، إلا أن الكتيبة حافظت على مسار ثابت من عمليات إطلاق النار.
وقبل شهور من انطلاق الكتيبة، كان في الخفاء يجري تحضير عمل عسكري على ذات الهدف ومن أفراد آخرين، استلهاماً لتجارب جنين ونابلس، وفي بداية شهر رمضان عام 2022 اغتالت قوات الاحتلال ثلاثة مقاومين قرب بلدة عرابة بينهم سيف أبو لبدة أحد كوادر سرايا القدس الذين شاركوا في عمليات انطلاقاً من طولكرم ومخيماتها.
ركزت مجموعات المقاومة في طولكرم ومخيماتها على أسلوب عمليات إطلاق النار تجاه المواقع العسكرية ومركبات المستوطنين، وهو ما دفع الاحتلال إلى شن عمليات استباقية لمنع تنفيذ عمليات تحقق إصابات بين المستوطنين، كما حصل الأسبوع الماضي.
"الإلهام"
مارست طولكرم دوراً استراتيجياً في انتفاضة الأقصى وكان للخلايا العسكرية فيها عمليات كبيرة في قلب التجمعات الاستيطانية، وسهل قربها من المدن المحتلة على الساحل الفلسطيني، في عمليات نقل الاستشهاديين وتنفيذ الهجمات الفدائية.
اكتسب اسم "الرد السريع" أهمية معنوية - عملية من عمليات الشهيد القائد في كتائب شهداء الأقصى، رائد الكرمي، الذي كان لعمليات إطلاق النار التي نفذها ضد جيش الاحتلال والمستوطنين مع مجموعاته، في المحافظة، دور مركزي في الدفع بالانتفاضة على مسار تدفيع الاحتلال ثمناً باهظاً على جرائمه.
وخلال سنوات الانتفاضة، انطلقت من المحافظة عدة عمليات استشهادية أبرزها عملية "فندق بارك" التي نفذها الاستشهادي، عبد الباسط عودة، بالإضافة لرموز سياسية وعسكرية كبيرة شاركت في العمل المقاوم ضد الاحتلال بينهم عباس السيد وثابت ثابت والشيخ رياض بدير ومجموعة أخرى.
هذا التاريخ للمدينة بما يحمله من رمزيات مقاومة شكل إلهاماً للجيل الجديد من المقاومين، كحال مدن أخرى في الضفة المحتلة، الذي يحملون هذه الرمزيات إلى ميدان التطبيق العملي وهم يخطون تجربتهم الخاصة في مقاومة الاحتلال.