رام الله المحتلة - خاص شبكة قُدس: في الخامس من شهر شباط/فبراير 2023 شَرَعَ المعلمون في إضراب مفتوح، شمل لأول مرة معلمي الثانوية العامة "التوجيهي"، بعد مماطلة الحكومة في تنفيذ المبادرة التي تم التوصل إليها سابقًا بوساطات من قبل مؤسسات حقوقية وأهلية وشخصيات فلسطينية مستقلة.
وتضمنت مبادرة الحل؛ إضافة علاوة بنسبة 15% على رواتب المعلمين على أن تُنفذ الحكومة ذلك حتى الأول من كانون الثاني 2023، والشروع في الإجراءات اللازمة لدمقرطة الاتحاد العام للمعلمين، بحيث يتم التجهيز لإجراء انتخابات فيه خلال 3 شهور من تاريخ الاتفاق على المبادرة، ومهننة التعليم أي تحويله إلى مهنة، وربط الرواتب بنسب غلاء المعيشة، وهو ما وافق عليه "حراك المعلمين" في حينه وتم إنهاء الإضراب.
ومع مرور أكثر من 8 شهور لم تُنفّذ الحكومة أياً من بنود المبادرة، وقد انقضى الشهر الأول من عام 2023 دون صرف علاوة بنسبة 15% على الرواتب، بل أكثر من ذلك صُرِفت الرواتب بنسبة 80% فقط، ما أدّى إلى عودة المعلمين للشارع مرة أخرى، كما أن الاتحاد لم يتفاعل مع مقترح عمليّ للبدء بعملية الدمقرطة.
ومع مرور ما يقرب من 70 يومًا على الإضراب الحالي، لم تنجح جميع الخطوات والمبادرات التي قدمتها أطراف عدة في احتواء غضب المعلمين وإعادة العملية التعليمية للانتظام من جديد بالرغم من كل الوعود التي تم تقديمها والجهات التي طرحت سلسلة حلول ومبادرات.
وشهدت الفترة الأخيرة تدخلات أجرتها حركة فتح ممثلة باللجنة المركزية والمجلس الثوري، مرورًا بمبادرات قدمتها شخصيات وطنية مثل فتحي خازم "أبو رعد" بالإضافة إلى الائتلاف من أجل النزاهة والمسؤولية "أمان" إلى جانب مساواة والهيئة المستقلة لحقوق الإنسان.
وفي الفترة الأخيرة، أعلنت الحكومة تجاوبها مع كل ما يلزم لعودة الدوام الدراسي إلى طبيعته، من خلال إعادة الخصومات لجميع المعلمين، وكلفت وزارة المالية بإجراء الترتيبات اللازمة لذلك إلى جانب تنفيذ البند المتعلق بعلاوة المعلمين المتفق عليها بنسبة 15% على أن يتم صرف 5% براتب شهر آذار وتقسيط المتبقي على قسيمة الراتب، على أن يتم صرف ما تبقى عند توفر الإمكانيات وتحسن المؤشرات المالية.
لكن خطوة الحكومة هذه، رأى فيها الحراك والمعلمون أنها محاولة فقط لإجهاض تحركهم الذي لم يبحث عن الخصومات أو إضافة ما نسبته 5% فقط على الراتب بإجمال مالي لن يتجاوز 90 شيقلاً للمعلم، وهو الأمر الذي لن يحسن من ظروفهم الاقتصادية والمعيشية.
ويطالب المعلمون بشكلٍ واضح بتنفيذ الاتفاق بشكل شامل وكامل دون تأجيل من خلال صرف نسبة 15% ومهننة التعليم أسوة ببقية الوظائف الحكومية، إلى جانب مطالبهم النقابية المتمثلة في إجراء انتخابات خاصة لاتحاد المعلمين الفلسطينيين بشكلٍ شفاف ومستقل.
التطورات.. إلى أين وصل المشهد؟
في هذا السياق، يقول عضو حراك المعلمين الموحد يوسف جحا إن جميع المبادرات التي قدمت لم تنجح نتيجة سلوك الحكومة في التعامل معها، حيث ما تزال العملية مشلولة بالرغم من الحديث المتكرر عن تراجع الحراك من قبل الماكنة الإعلامية التابعة للحكومة.
ويضيف جحا لـ "شبكة قدس" أن المبادرة الأخيرة كانت من قبل والد الشهداء أبو رعد خازم الذي دعا المعلمين إلى العودة من باب الحرص على العملية التعليمية وعلى الطلبة، دون الحديث عن بنود المبادرة أو الضامن لتنفيذها، وهو ما دفع المعلمين في جنين للاستجابة احترامًا لشخصيته.
وبحسب عضو حراك المعلمين الموحد فإن خازم قدم مبادرة تقوم على أساس أن تكون هذه العودة للمعلمين وتجميد الحراك ضمن خطوة تقابلها الحكومة بخطوات إيجابية لكن بعدها خرج رئيس الحكومة محمد اشتية ولم يرد على المهلة التي منحت حتى الخميس للتعامل مع هذا الطرح.
وواصل قائلاً: "بخلاف ما كان مأمولا خرج اشتية بتصريحات مشابهة لتصريحات عضو اللجنة المركزية لحركة فتح جبريل الرجوب التي حملت تهديدًا ضمنيًا للمعلمين بالحديث عن عدم السماح بالمساس بمؤسسات الدولة وعلى رأسها التعليم إلى جانب حديث اشتية عن البدء باتخاذ المجريات القانونية والإشارة إلى الفصل والاستبدال".
ووفق جحا فإن الحراك يرصد عدد المعلمين المضربين من خلال التواصل الفردي والتنسيق بشكلٍ شخصي، حيث يقدر عدد العاملين المثبتين في الحقل التعليمي بالضفة نحو 20 ألف معلم بالإضافة لآلاف آخرين غير مثبتين منذ عام 2016، في حين تتحدث الحكومة مؤخرًا عن عودة 2500 معلم وهو عدد قليل.
مبادرة أمان.. طرح جديد لم ترد عليه الحكومة أو الرئاسة
خلال الفترة الأخيرة أطلق الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) مقترحًا موجهًا للرئيس محمود عباس، لمعالجة أزمة التعليم ولتحقيق العدالة ولإنصاف للمعلمين، من خلال تخصيص مبلغ مناسب من أرباح صندوق الاستثمار الفلسطيني (صندوق الشعب الفلسطيني)، لتحويلها للخزينة العامة، كسلفة لمدة ثلاث سنوات تسترد من الأرباح وتخصص لحل أزمة المعلمين الحالية.
وخاطب الائتلاف الرئيس عباس في رسالة أكد فيها أيضا على أهمية العمل على دمقرطة اتحاد المعلمين الفلسطيني. كما خاطب الائتلاف في الوقت ذاته الدكتور محمد مصطفى، رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطيني، مرسلا إليه المقترح، متأملاً منه دراسته، والمبادرة لحل هذه الأزمة بشقها المالي من أموال الشعب الفلسطيني لدى الصندوق.
ورغم مرور ما يزيد عن 20 يومًا على هذا المقترح إلا أن أمان أكدت لـ "شبكة قدس" عدم تلقيها أي رد رسمي بشأن هذا المقترح سواء بالرفض أو القبول من قبل الرئيس عباس أو مكتبه بالإضافة إلى رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطيني ممثلاً في رئيسه.
المشكلة باقية.. تباين الطرح
من جانبه، يرى مسؤول الشؤون السياساتية والقانونية في مركز مساواة إبراهيم البرغوثي أن جميع المبادرات التي قدمت فشلت بسبب التباين في طرح مظاهر المسببات لها لا سيما مع وجود جانبين لها الأول يتمثل في الحق النقابي وتجاهله في السابق إلى جانب الحقوق الاقتصادية والمالية.
ويوضح البرغوثي لـ "شبكة قدس" أنه من حق المعلمين إنشاء جسم نقابي لهم مثل نقابة تحمل اسم نقابة المعلمين استنادًا إلى المادتين 25 و26 من القانون الأساسي الفلسطيني، مع عدم وجود أي تعارض في الأمر بين النقابة وبين الاتحاد العام للمعلمين المحسوب على منظمة التحرير.
ووفق مسؤول الشؤون السياساتية والقانونية في مركز مساواة فإن الجانب الاقتصادي يمكن أن يتم حله عبر مبادرات خلاقة بين الجانبين خصوصًا السلطة الفلسطينية ممثلة بالحكومة عن طريق إعادة النظر في موازنة الطوارئ النقدية بحيث تكون أكثر عدلاً وتخصص لصالح المعلمين ما يكفي لحل هذه الأزمة.
ويشير إلى أن المعلمين عليهم دور يتمثل في التعامل مع المبادرات التي من شأنها أن تخرج الجميع من الأزمة وتقود نحو استئناف العملية التعليمية بحيث يتم القبول ببعض الحلول المرحلية إلى حين انتخاب جسم جامع لهم يتفاوض مع الحكومة ومؤسسات السلطة.