فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: تزايدت التصريحات والتهديدات الإسرائيلية والتسريبات الإعلامية حول نوايا دولة الاحتلال تنفيذ عملية عسكرية، في المرحلة المقبلة، رداً على عمليات القصف الصاروخي من جبهات مختلفة محيطة بفلسطين المحتلة، تزامناً مع عمليات فدائية في الضفة والداخل المحتل.
آخر هذه التسريبات كان ما نشرته إذاعة جيش الاحتلال، صباح اليوم، حول أن التقديرات لدى وزراء في حكومة الاحتلال تشير إلى أن الجيش قد ينفذ عملية عسكرية "لم يحددوا طبيعتها أو مكانها"، في الفترة ما بعد ما تسمى "ذكرى إقامة إسرائيل".
يطرح الإعلام العبري عدة سيناريوهات للمرحلة المقبلة بينها توجيه ضربة عسكرية محددة لأهداف المقاومة، في المنطقة، أو تنفيذ عمليات اغتيال لشخصيات عسكرية وسياسية في فصائل المقاومة بالخارج، أو استمرار المراوحة بين سياسة المواجهات المحدودة مع محاولة عدم الانجرار إلى حرب شاملة.
ما وراء التسريبات
يرى الكاتب والباحث السياسي، ساري عرابي، أن تسريب المعلومات من قبل الإعلام العبري ووزراء في حكومة الاحتلال قد يعني أنها "لا تريد شن عملية عسكرية واسعة"، ويوضح: التسريبات من الطبيعي أن تدفع الجهات المعنية إلى أخذ الحيطة والحذر، أي عملية عسكرية أو أمنية العنصر الأساسي فيها هو المباغتة.
العودة إلى ما قبل شهر رمضان يعطي إشارات إلى أن الاحتلال كان يحاول تجنب المواجهة لأسباب خاصة به، يقول عرابي في لقاء مع "شبكة قدس"، ويشير إلى استعداد الاحتلال للاستجابة لمطالب الحركة الأسيرة من أجل تجنب الدخول في إضراب مع دخول شهر رمضان قد يقود إلى التصعيد، ثم تراجعه في قضية الاقتحامات بالمسجد الأقصى بعد إطلاق صواريخ "محدودة الفعالية"، وكأن من أطلقها أراد إرسال رسالة للاحتلال دون الوصول إلى مواجهة شاملة.
وأضاف: كل أطراف الوسط السياسي الإسرائيلي، سواء معارضة أو في الحكومة، كما ظهر في خطاب نتنياهو يوم أمس أو في تصريحات الذين عقبوا عليه تؤكد على وجود حالة تآكل "الردع" في دولة الاحتلال.
ويؤكد عرابي على أن إصدار قرار في دولة الاحتلال بالذهاب إلى مواجهة ليس من صلاحيات نتنياهو فقط بل بالمؤسسة السياسية والعسكرية عامة التي لها حساباتها وتقديراتها المختلفة.
هذه الظروف والتقديرات لا تعني أن الاحتلال لن يذهب في عملية عسكرية، يقول عرابي، ويوضح: حديثنا هو المدى المنظور، ليس من مصلحة الاحتلال أن تظهر عاجزة تماماً، بعد معركة "سيف القدس" في عام 2021 ظهر بوضوح أن المؤسسة العسكرية غير راضية عن النتائج، واعتقد أن معركة "وحدة الساحات" في عام 2022 أراد الاحتلال منها ترميم صورة ما يسميه "الردع" بالإضافة لحرمان المقاومة من قدراتها.
المواجهة ليست خاضعة للحسابات فقط
ويشير عرابي إلى أن قرار المواجهة قد لا يتعلق بقرار "عقلاني" بل الأحداث تجر الطرفين إلى المعركة، وقال: المسار قد لا يكون متعلقاً بإرادة الطرفين، عندما نتحدث عن تراجع "الردع" لا يعني أنه تراجع تماماً أو "إرادة القتال" لا يعني أن الاحتلال لن يقاتل نهائياً، بل في المرحلة الحالية، قد يقدم الاحتلال على عملية عسكرية بعد "عيد الفصح"، وحتى رئيسة حزب العمل حذرت نتنياهو من زج الجيش في معركة لرفع شعبيته، في ظل تراجعها كما تؤكد استطلاعات الرأي الإسرائيلية في الأيام الماضية.
وأردف إلى أن نتنياهو شخصية "حذرة" ويلعب على التوازنات وليس شخصية "مغامرة"، كما أن عامل الانقسام في الجيش والأجهزة الأمنية بعد التظاهرات ضد خطة "التعديلات القضائية" عامل مؤثر في قرار الخروج إلى معركة جديدة، كما أظهرت التسريبات الأمريكية الأخيرة التي كشفت عن توجيهات للتظاهر ضد نتنياهو من داخل المؤسسة العسكرية، ويضيف: مواجهة جديدة قد تطول لإنهاء المقاومة في غزة، أمر غير ممكن، وتحتاج إلى أهداف واضحة، رسوخ حالة المقاومة هو ما جعل الحسابات الإسرائيلية حذرة.
ويتابع: اعتقد في المدى المنظور الاحتلال لن يتوجه لعملية، طبيعة الاحتلال الأمنية تجعله يبادر إلى عمل أمني، لكن طبيعتها غير واضحة وهل تستدعي مواجهة أكبر.
"توسيع ملعب المواجهة"
ويرى عرابي أن المقاومة تناور بين الخيارات وتريد "توسيع الملعب" أمام الإسرائيلي، وقال: كانت المقاومة تفتعل مواجهات بين الحروب، لكن في المرحلة الحالية تعتقد أن ضربة كبيرة قد تجر إلى حرب طاحنة، والإسرائيلي يراهن على ذلك، ورأينا شكل الاقتحام للمسجد الأقصى في البداية وكمية القهر فيه، لكن المقاومة تقول الآن إنها تريد توسيع الملعب، في ظل الرهان على جبهة الضفة، وإطلاق صليات من الصواريخ كثيفة ومدروسة في الوقت ذاته من لبنان دون تبنيها، ثم إطلاق صواريخ من سوريا، وحديث لم يثبت حتى اللحظة حول محاولة إطلاق صواريخ من سيناء.
ويعتقد أن هذا الخيار نجح في المرحلة الحالية رغم أنه قد لا يكون ناجحاً في كل مرحلة لكن جرى تثبيته على الطاولة منذ عملية "مجدو"، التي ما زالت غامضة حتى اللحظة.
خيار فتح أكثر من جبهة... المناورة في أرض صعبة
وحول خيار فتح أكثر من جبهة على الاحتلال هل جرى تثبيته أم بحاجة لوقت، يقول عرابي: النجاح نسبي لكنه مهم، ما جرى في لبنان قضية مهمة وتدل على تفكير استراتيجي في مسار التخفيف عن المقاومة في غزة، لكن ترسيخ هذا الخيار صعب في ظل الظروف الداخلية في ساحة مثل لبنان إذ أن بعض الأطراف اللبنانية لديها مشكلة مع السلاح اللبناني نفسه فكيف بفكرة وجود عسكري فلسطيني؟.
وأضاف: حزب الله غير معني بالدخول في مواجهة طاحنة مع الاحتلال، واعتقد أن الحزب بحاجة لإعادة دراسة كل خياراته وحساباته، في ظل الأزمة المالية والداخلية في لبنان التي يجري تحميله مسؤوليتها من قبل خصومه، وعدم نجاعة خيار التدخل في سوريا في حماية خطوط إمداده، ولا أدري إن كان يفكر في خيار فتح جبهة.
وحول الجبهة السورية، يقول: النظام السوري تاريخياً يلعب على الموازنات ويريد تبني كل الخطابات، وربما يريد في ظل عمليات القصف الإسرائيلي المستمر تنفيذ ضربات محدودة، والوصول إلى تفاهم مع الفصائل الفلسطينية على تفاهمات في هذا السياق.
ويتابع: في السنوات الماضية، نفذ الاحتلال اغتيالات في صفوف كوادر من حركة الجهاد في الخارج وبعضهم له علاقة بإمداد الداخل، ولقيادات من حماس يتهمهم بأنهم يحاولون إقامة نقاط ارتكاز في الخارج.
الضفة والاغتيالات خيارات إسرائيلية مرجحة
ويتفق المختص في الشؤون الإسرائيلية، أنس أبو عرقوب، مع الرأي القائل إن احتمال توجه الاحتلال نحو عملية عسكرية موسعة على غرار العملية العدوانية في آب/ أغسطس 2022 الماضي، "منخفض جداً"، إلا في حال نفذت المقاومة عملية من قطاع غزة.
ويرى أبو عرقوب في لقاء مع "شبكة قدس" أن نتنياهو شخصية لا تفضل خيارات "المغامرة العسكرية"، ويضيف: جيش الاحتلال في هذه المرحلة لا يرغب في مثل هذه الخطوات ويفضل تنفيذ مواصلة العمليات في عمق الضفة المحتلة، بوصفها أقل "تكلفة" من وجهة نظره.
وأشار إلى أن عمليات الاحتلال في الضفة ستحمل طابعاً "استعراضياً" ودموياً لإسكات الأصوات بين المستوطنين التي انتقدت أداء حكومة نتنياهو.
ويذكر أن خيار تنفيذ عمليات اغتيالات في الخارج "مرجح" لدى الأجهزة الأمنية والعسكرية في دولة الاحتلال.
ويقول إن التقديرات في جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أن المقاومة الفلسطينية واللبنانية "لا تريد الدخول في معركة متعددة الجبهات في هذه الفترة"، ولكن قد تؤدي الأحداث أو أي عملية إلى حرب متعددة الجبهات.