رام الله - خاص قدس الإخبارية: في 31 مارس/ آذار عام 2022 أطلق جيش الاحتلال عملية عسكرية عدوانية تحت اسم "كاسر الأمواج"، في عهد حكومة الاحتلال السابقة بقيادة نفتالي بينيت بذريعة مواجهة سلسلة العمليات البطولية التي نفذها فلسطينيون في مختلف مدن الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وشكلت هزّيمة للمنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.
و شهد عام 2022 زيادة مضطردة في عدد العمليات ضد المستوطنين وجنود الاحتلال بواقع 1933 عملية، أدت لمقتل 33 جنديا ومستوطنا إسرائيليا وجرح نحو 128 آخرين، بزيادة واضحة عن العام السابق 2021 الذي شهد 1570 عملية قتل فيها 18 مستوطنا إسرائيليا وأصيب 196 آخرون.
وقرر الاحتلال الإسرائيلي أخيرًا وقف استخدام مصطلح "كاسر الأمواج" على عملياته التي يقوم بتنفيذها في الضفة الغربية والقدس المحتلتين بعد عام من تنفيذ هذه العملية، التي شهدت استشهاد عشرات الفلسطينيين واعتقال المئات بصورة أكبر مما كان عليه الواقع قبل عام 2021.
وتتزامن الخطوة الإسرائيلية مع عقد قمتين ذات طابع أمني وسياسي في شرم الشيخ والعقبة الأردنية بمشاركة مصرية أردنية أمريكية فلسطينية إسرائيلية، تم خلالها بحث التهدئة في المنطقة وهو أمر لم يتحقق إذ تزامن انعقاد هذه القمم مع عمليات نوعية للمقاومين الفلسطينيين.
ومنذ بداية كانون الثاني/يناير الماضي نفذت المقاومة الفلسطينية في الضفة سواء بشكلٍ فردي أو عبر مجموعاتها وخلايها العسكرية، سلسلة من العمليات النوعية التي أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 19 إسرائيليًا من بينهم جنود في جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وتعكس هذه الأرقام تصاعدًا واضحًا في عمل المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس المحتلتين إذا ما تم مقارنتها مع السنوات التي سبقت عام 2014 وتحديدًا في الفترة ما بين 2007 وحتى اندلاع هبة القدس عام 2015، وهو ما يدلل على فشل كل محاولات أدلجة المجتمع الفلسطيني.
تحقيق تكتيك وفشل استراتيجي
في السياق، يعتقد الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد أن الاحتلال الإسرائيلي قد يكون حقق تكيكيًا ولكنه لم يحقق على الصعيد الاستراتيجي، فهو على الصعيد التكتيكي قتل عشرات الشبان الفلسطينيين ومنعت بعض العمليات الفلسطينية بشكل أو بآخر.
ويقول أبو عواد لـ "شبكة قدس" إن دولة الاحتلال ثبتت معادلة مهمة على المدى الاستراتيجي تنص على أن الشارع الفلسطيني والجيل الفلسطيني الجديد بشكل خاص بات مؤمنًا بضرورة استمرار المقاومة وتصاعدها مع كل عمل إسرائيلي أو هدف إسرائيلي بالضفة.
ويلفت الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي إلى أن قناعة هذا الجيل باتت تتمثل في ضرورة المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، لمواجهة العدوان أو عمليات القتل التي تتم بشكل منظم كما حدث خلال العامين الأخيرين من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.
فلسطينيًا، يرى أبو عواد أن المشهد معقد بالضغط الكبير على السلطة وابتعاد الشارع الفلسطيني عنها بسبب سلوكها، كل هذا بشكل أو بآخر ساهم في ازدياد الفجوة بني المؤسسة الرسمية والشارع الذي بات ينظر بسلبية أكبر للسلطة الفلسطينية التي لم تقم هي الآخرى بتعويض ما يجري بالتقارب مع الشارع بل اتجهت للضغط، الذي سيؤثر سلبًا على الحالة الفلسطينية بشكل عام على المدى القريب. حسب تعبيره.
وعن فشل الاحتلال رسميًا، يعلق بالقول: "ليست مشكلة فشل وإنما مسألة عدم تحقيق كل الأهداف وهو أمر منغمس فيه الاحتلال، أما الفشل الحقيقي بالنسبة للإسرائيليين فيتمثل في عدم قدرته على تحقيق رؤيته في التعامل مع الفلسطينيين في ظل التوجه نحو الصهيونية الدينية وهو ما أثر عليها وعلى صورتها بالأساس".
تقدير خاطئ.. عملية محدودة واستنزاف للاحتلال
في الوقت ذاته، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي عامر المصري على أن الاحتلال الإسرائيلي حينما أطلق عمليته العسكرية "كاسر الأمواج" كان الاعتقاد السائد لدى المنظومة الأمنية أنها ستكون محدودة ضد عناصر مسلحة مبعثرة لا تمتلك امتدادًا عسكريًا لها أو حاضنة شعبية.
ويقول المصري لـ "شبكة قدس" إن ما حصل من كم الشهداء والعمليات في الضفة الغربية جعل الاحتلال يتراجع عن هذا المصطلح المرحلي الذي لا يناسب ما حصل مع امتداد الرقعة الجغرافية وحالة الزخم التصاعدي في العمل المقاوم، وهو ما جعل الاحتلال يعبر عن فشله بمصطلحات دبلوماسية ساعيًا من خلالها لاحتواء غضب المستوطنين.
ووفق الكاتب والمحلل السياسي فإن حالة الغضب الواضحة في الشارع الإسرائيلي وفي صفوف المستوطنين واضحة خصوصًا تجاه وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير، بالإضافة إلى اعتراف رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الواضح في خطابه الأخير في مقر وزارة الحرب "الكرياه" بتراجع الردع الإسرائيلي وهو تصريح على المستوى الاستراتيجي خطير جدًا.
ويؤكد على أن الفشل الإسرائيلي والاعتراف الضمني بذلك يجب أن يساهم في بلورة فكرة فلسطيني جمعي قائم على عدم امتلاك الاحتلال أي بيانات حقيقية حيال المخرجات الفلسطينية على عكس التصورات التي زرعت في العقود السابقة بامتلاكه قدرة على معرفة أدق تفاصيل حياة الفلسطينيين.
وبحسب المصري فإن تراجع الاحتلال عن مصطلح "كاسر الأمواج" يعكس فشل قمتي العقبة وشرم الشيخ التي كان الهدف لانعقادهما وأد حالة المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية ضمن جدول زمني ووقف العمليات وهو ما عبر عنه فلسطينيًا من خلال العمليات التي تزامنت مع أيام انعقاد هذه اللقاءات.
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي أن المشهد القائم حاليًا يعكس أن الضفة الغربية المحتلة ومقاومتها هناك تجاوزت مرحلة الاحتواء والتقويض وأن المشروع المقاوم في الضفة سيتواصل مع وجود حالة وعي جماعي تجاه هذا الملف خلال المرحلة الراهنة.
توقعات خاطئة.. خلل في القراءة الإسرائيلية للعمليات
في هذا السياق، يقول الباحث المختص بالشأن الإسرائيلي عادل شديد إن سبب التراجع عن استخدام هذا المصطلح يعود إلى توقع إسرائيلي بأن تكون العمليات الفلسطينية على شكل موجات تتصاعد ثم تهدأ ثم تغيب الأحداث شهور إلى حين عودة الموجة الأخرى.
ويضيف شديد لـ "شبكة قدس" أن الأحداث منذ عام فالأمور كانت مختلفة عن التوقعات الإسرائيلية والعمليات مستمرة وأصبحت موجة متراسلة ومتواصلة ولم يعد هناك فروقات زمنية وأخذت العمليات أشكال أخرى ولم تعد كما كانت في السابق في إطار الدهس أو الطعن.
ويردف بالقول: "العمليات الفلسطينية اليوم أصبحت متنوعة الأشكال من خلال عمليات إطلاق النار والاشتباكات المسلحة، والتفجير، وبدأت تأخذ الاستمرارية ولم تعد كما كانت في السابق، بخلاف التوقعات الإسرائيلية أن تسهم الإجراءات التي اتخذت في تخفيض وتيرة هذه العمليات غير أن النتيجة العام الماضي أثبتت أن ذروة العمليات من حيث الوتيرة والأعداد والزمان والمكان باتت مختلفة عن المسمى الذي أطلقه الاحتلال".