فلسطين المحتلة - قُدس الإخبارية: تحديات أمنية وعسكرية استراتيجية تتموضع في المنظور القريب والبعيد أمام المنظومات العسكرية والسياسية، في دولة الاحتلال الإسرائيلي، تجعل من أزمة الاحتجاج على خطة "إضعاف القضاء" التي صاغتها حكومة بنيامين نتنياهو، ودخول الجيش في دوامة الخلافات، تماثل تهديداً استراتيجياً إسرائيلياً.
الصحفي الإسرائيلي يوآف ليمور يشير في مقال على صحفية "إسرائيل اليوم"، إلى مجموعة من التحديات الاستراتيجية المستمرة والتي تضاعف التطورات الميدانية الأخيرة منها، خاصة مع شهر رمضان المبارك الذي ينظر إليه إسرائيلياً على أنه فرصة مرتفعة لانفجار الميدان، أولها قطاع غزة الذي قد يدخل في المواجهة في أية لحظة خاصة مع تزايد عمليات إطلاق الصواريخ مؤخراً، ورصد إطلاق طائرة مسيرة منه الأسبوع الماضي.
وفي الأفق يظهر التحدي على الجبهة اللبنانية، خاصة مع قضية عبوة "مجدو" التي تشير التقديرات الأمنية الإسرائيلية إلى احتمالية وقوف حزب الله خلفها، بالإضافة إلى إيران، التي تلامس "بيدها حافة النووي"، وتشجع العمليات ضد الإسرائيليين في كل مكان، حسب وصف الكاتب.
مجموعة التحديات هذه تفرض على المنظومة الأمنية والعسكرية والمستوى السياسي الأعلى، في دولة الاحتلال، التجهيز والتخطيط والتفكير على مدار الأسبوع، من خلال تحديث خطط الهجوم، والاستنفار السريع للوحدات النظامية وتجنيد الاحتياط، إلى الإعداد اللوجستي، وكذلك إنشاء نظام سياسي وإعلامي يدعم العمليات، حسب ليمور، إلا أن الواقع يقول عكس ذلك.
الاحتجاجات الواسعة ضد خطة "إضعاف القضاء" هي ما تشغل قيادة جيش الاحتلال، بعد أن اخترقت وحدات الاحتياط في الأجهزة الاستراتيجية الخاصة به "سلاح الجو، وشعبة الاستخبارات، والقوات البرية".
ينقل الصحفي الإسرائيلي عن مسؤول أمني كبير في دولة الاحتلال قوله إن سلاح الجو والوحدة "8200" في الاستخبارات، اللتين تشهدان احتجاجاً بين ضباط وجنود الاحتياط، هما "الجيش الإسرائيلي بأكمله"، حسب وصفه، وهو ما يؤشر إلى مخاطر استمرار حالة رفض الخدمة.
الأسبوع الماضي، زار رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو قادة التجنيد الخاصة بلواء "جولاني"، وعلى غير العادة لم يدعو وسائل الإعلام للتغطية، لأنه لا يرغب "بوجود شخص قد يثير العاصفة من حوله"، حسب ليمور، وهو يشير إلى مخاوف من تحول الفعاليات التي تقيمها "إسرائيل" سنوياً في ذكرى الجنود القتلى إلى مناسبات لــ"الاستقطاب".
ويعود ليمور إلى تحليل الجبهات المختلفة التي تواجه دولة الاحتلال، ويرى أن "ثقة حزب الله بالنفس تتزايد" بعد المفاوضات حول قضية الغاز في البحر، ثم ازدياد نشاط عناصره على الحدود مع فلسطين المحتلة، حسب وصفه، وأخيراً قضية تسلل فدائي إلى الشمال وزرع عبوة.
ويؤكد ليمور أن حزب الله هو الجهة الوحيدة المتوقعة في تنفيذ مثل العملية وأراد تنفيذ هجوم "دون ترك بصمة"، حسب وصفه، ويزعم أن الحزب هو من يسيطر على المنطقة بين فلسطين ولبنان.
الصحفي الإسرائيلي يشير إلى أن وقوع قتلى بين المستوطنين، في العملية، كان قد يجر المنطقة إلى حرب، ويكشف عن نقاشات إسرائيلية حول طبيعة الرد على العملية، وهي ما يعزز "المعضلة الإسرائيلية" وهي: إذا لم يحصل رد فقد يفسره الطرف الآخر على أنه ضعف ويعمل على عمليات أخرى.
يعود الصحفي الإسرائيلي إلى تسلسل المواجهة مع حزب الله، بعد تحرير الجنوب عام 2000، وصولاً إلى الحرب عام 2006، التي أظهرت التحقيقات التي أجرتها لجنة "فينوغراد" أن حكومة الاحتلال وصلت إلى المواجهة "دون أن تفهم ما تفعله أو نية لذلك".
وفي ظل واقع الحكومة الجديدة التي تضم وزراء لا يفهمون في الأمن، حسب تعبيره، خاصة وزير الأمن القومي إيتمار بن غبير "النهمك في تفكيك الشرطة"، وهو يرى أن الخروج إلى عملية عسكرية واسعة سواء في لبنان أو غزة تؤدي إلى مقتل آلاف المدنيين، بحاجة إلى "شرعية دولية" خاصة من الولايات المتحدة التي وفرت سابقاً الظهير لــ"إسرائيل"، لكن هذا ربما لن يتحقق في ظل التوتر بين حكومة الاحتلال والإدارة الأمريكية.
التحدي الآخر في العلاقة مع الولايات المتحدة، هو أن مخازن جيش الاحتلال لا تتوفر فيه كميات كافية من الذخيرة لذلك يحتاج إلى الإمداد الأمريكي، في أية حرب أو مواجهة.
ليمور يرى أن المقاومة تقرأ جيداً الانقسامات في مجتمع المستوطنين، والتهديد الرئيسي الذي يمثله حول الركيزة الأساسية له وهي "الجيش"، ويشير إلى اجتماعات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله مع نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، صالح العاروري، والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، زياد النخالة، مؤخراً ويقول: لم تكن للتهنئة بالعيد، من المحتمل أنها كانت للتنسيق العملياتي والاتفاق على أنه إذا هبت ساحة واحدة -دعنا نقول غزة– فالساحات الأخرى ستدعمها.
وفي هذا السياق، ينتقد ليمور دعوة صحفيين ومغردين إسرائيليين إلى طرد الطياريين والعاملين في وحدات الاستخبارات و"السايبر" الذين يمتنعون عن الخدمة العسكرية، احتجاجاً على خطة "التعديلات القضائية"، ويقول: هذا يشير هذا إلى جهل عميق بشأن كيفية بناء وهيكلية هذه الوحدات، وكم يستغرق وقتاً لتدريب قائد تشكيل رباعية طائرات أو قائد وحدة تحكم عملياتي (أو مهاجم سايبر)، وماذا سيحدث إذا لم يصل مئات الطيارين للخدمة أو قرر عدد من رؤساء الأقسام في وحدة 8200 السماح فسخ العقود مع الجيش وترك الوحدة للعمل في السوق المدنية بأجور عالية.
ويعود الصحفي الإسرائيلي لطرح المخاوف الكبيرة في هذه المرحلة: علينا أن نتساءل عما سيحدث إذا اندلعت حرب الأسبوع المقبل، هجوم يتطلب رداً يؤدي إلى رد فعل مضاد، ومن هناك يتدهور كل شيء، أو رداً "إسرائيلياً" في لبنان يؤدي إلى نفس الشيء، ومن هناك تنضم جبهات أخرى، من يعتقد أن هذا سيناريو مستبعد لم يشعر بما يحدث في وحدته؛ يمكن أن يحدث هنا والآن، ويفاجئ "إسرائيل" و"الجيش الإسرائيلي" في خضم شرخ أو تصدع كبير.
وفي ذات السياق، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن رسالة أرسلها رئيس أركان جيش الاحتلال، هرتسي هليفي، إلى بنيامين نتنياهو يحذر فيها من أن الاحجام عن الالتزام بالخدمة العسكرية قد يهدد القدرة العملياتية للجيش.
هذه المخاوف دفعت وزير الجيش إلى التحذير والاجتماع مع رئيس الحكومة واطلاعه على "تقديرات أمنية" تدعو إلى التوصل لحل للخلاف الإسرائيلي الداخلي.