عمان - قُدس الإخبارية: بعد سنوات من المعاناة والصمت والصبر، فجرت أحلام صرختها، بعد أن "ضاقت بها معظم السبل، وهي الغريبة في وطنها"، كما تقول، وتزامنت صرختها، وهي الأسيرة المحررة، مع استمرار الخطوات النضالية التصعيدية للحركة الأسيرة رفضاً للإجراءات القمعية الجديدة التي فرضتها حكومة الاحتلال، وحملت في صرختها أوجاع الأسرى المحررين التي قد تتشابه في بعض تفاصيلها مع من يقبعون خلف قضبان الاحتلال.
صرخة أحلام
صباح يوم الخميس الماضي بثت الأسيرة الأردنية المحررة من سجون الاحتلال أحلام التميمي، عدة رسائل عبر منشورات لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبأحاديث مسجلة لعدة وسائل إعلام، طالبت خلالها السلطات الأردنية بالسماح لزوجها وابن عمها، فلسطيني الجنسية، نزار التميمي، بالعودة إلى الأردن، بعد مرور حوالي 3 سنوات من إبعادها عنه إلى قطر، وجاء في رسالة أحلام: "أنا أتعرض إلى مظلمة في الأراضي الأردنية، الأراضي الأردنية التي اعتبرها بلدي الأول والثاني، فهي توأم فلسطين، والقلب النابض لفلسطين، وهذه المظلمة تؤلمني في كل مرة، وقد زلزلت كيان استقراري العائلي".
وتابعت أحلام قائلةً: "منذ العام 2020 قررت السلطات الأردنية إبعاد زوجي من الأردن، دونما معرفة السبب، وقد وصلتنا أسباب شفوية تتعلق بأنه (شخص مرغوب غير مرغوب) في الأراضي الأردنية، وتم إخراجه من الأردن".
أحلام ونزار في سطور
أحلام التميمي، أسيرة محررة فلسطينية، تحمل جواز السفر الأردني، ولدت وترعرت في مدينة الزرقاء، شرق الأردن، وذهبت في العام 1998 للضفة الغربية لإكمال دراسة تخصص الصحافة والإعلام من جامعة بيزيت، حيث أقامت في بلدتها الأصلية، النبي صالح، بالقرب من رام الله، وكانت المشاركة النضالية الأولى لها في العام 1999 في هبة شعبية مساندة لحراك الأسرى في سجون الاحتلال، حيث شاركت في المظاهرات والمواجهات الشعبية على خطوط التماس.
خلال دراسة أحلام في بيرزيت، تفجرت انتفاضة الأقصى وانضمت للجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وتولت عدة مهام متعلقة برصد مواقع العمليات، وإيصال الاستشهاديين إلى مواقع عملياتهم، ومن أبرز تلك العمليات، عملية الشهيد عز الدين المصري، في 9/8/2001، بقلب القدس المحتلة، والتي تم اعتقال أحلام على إثرها ومن ثم الحكم عليها من قبل الاحتلال الصهيوني بالـ 16 حكم مؤبد، وهو أعلى حكم لأسيرة فلسطينية في تاريخ القضية الفلسطينية، وخرجت في صفقة وفاء الأحرار في العام 2011 لتتزوج من ابن عمها الأسير المحرر نزار التميمي وتقيم في العاصمة الأردنية عمّان، بالعام 2012.
أمّا نزار، فهو أسير محرر، شارك في فعاليات الانتفاضة الأولى ضمن المجموعات الضاربة في حركة (فتح) وتم اعتقاله في العام 1993 ووجهت له "تهمة" اختطاف مستوطن صهيوني بالقرب من مستوطنة "بيت إيل" برام الله، ويحمل الجنسية الفلسطينية.
أحلام التميمي والملاحقة الأمريكية
خلال العملية الاستشهادية التي نفذها الشهيد عز الدين المصري، بعد أن أوصلته أحلام بسيارتها لمكان تنفيذ العملية، وسط القدس المحتلة، قتل أكثر من 16 مستوطناً، من ضمنهم اثنان من حملة جوازات السفر الأمريكية.
وفي العام 2013 رفعت عائلة القتيلين قضية ضد أحلام التميمي في محكمة "واشنطن"، وطالب الادعاء باعتقال أحلام من قبل السلطات الأمريكية أو إعدامها، ليصدر تعميم من السلطات الأمريكية إلى "الإنتربول" الدولي، وفي العام 2016 تم تنفيذ قرار الاعتقال بحق أحلام من قبل "الإنتربول" في الأردن، ولكن القضاء الأردني، وبقرار من أعلى سلطة قضائية في البلاد، محكمة التمييز، قضى بعدم تسليم أحلام التميمي للسلطات الأمريكية، وذلك في العام 2017.
ومنذ ذلك التاريخ، يضغط أعضاء من "الكونغرس" الأمريكي مع أهالي القتيلين الصهيونيين، بالتعاون مع "اللوبي" الصهيوني من أجل تسليم أحلام للسلطات الأمريكية، وقد ترجمت الإدارة الأمريكية تلك الضغوط إلى عدة مطالبات رسمية من قبل وزارة العدل الأمريكية للسلطات الأردنية بتسليم التميمي، خلال فترة حكم "ترامب" بتاريخ الخامس عشر من آذار/ مارس 2021، وخلال فترة "بايدن" الحالية في 13 تموز/ يوليو 2023، تزامن ذلك مع إدراج اسم أحلام على رأس قائمة المطلوبين لدى مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي FBI.
ويقول الأسير الأردني المحرر والناشط في مجال الأسرى، مازن مصلة: تفاجئنا بعد عدة سنوات من إقامتهما في الأردن بتحرك حثيث من "اللوبي" الصهيوني في الولايات المتحدة خلال فترة حكم ترامب للتحريض ضد أحلام، والادعاء بأنّ "مواطنين أمريكيين" كانوا ضمن قتلى العمليات البطولية التي شاركت فيها، وثم بدأت الملاحقة الأمريكية عبر "الإنتربول" وبناءً على لم تستطع أحلام مغادرة الأردن بسبب هذا الخطر المتمثل بهذه الملاحقة غير الشرعية، لأنّ مقاومة الاحتلال، مقاومة شرعية، تقرها كافة الشرائع السماوية.
ويضيف ملصة: "أحلام قامت بعمليات ضد الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة، ولم تذهب إلى أمريكا لاستهداف مواطنين أمريكيين، وللأسف جرى تطور سلبي منذ حوالي أكثر من سنتين، عندما ضغطت الحكومة والسلطات الأردنية على زوج أحلام التميمي، نزار التميمي وغادر الأراضي الأردنية، وأبعد الزوجين عن بعضهما، وتشتت شمل العائلة.
تقدم إيجابي في قضية أحلام
بعد جهود قانونية قام بها فريق الدفاع القانوني عن أحلام التميمي، تم إحراز تقدم مهم في مسار قضية أحلام، والملاحقة الأمريكية – الصهيونية.
في الثامن من آذار/ مارس 2021، أعلن "الأنتربول" الدول أنّ أحلام التميمي لم تعد مطلوبة لديه، وقد تم إزالة اسمها من الموقع الإلكتروني له، وقد جاء ذلك بعد تقديم طلبين من قبل المحامي خالد الشولي وزميله الفرنسي "جيل دوفير"، وبذلك فقد تم استعادة حق أحلام التميمي بالتنقل والسفر، ولكن ذلك لم يوقف الملاحقة الأمريكية بحقها، بطبيعة الحال.
رسالة أحلام
الأسير المحرر وعضو لجنة الأسرى والمفقودين الأردنيين في سجون الاحتلال الصهيوني، مازن ملصة، نقل رسالة أحلام اليوم للشعب والحكومة الأردنية وأحرار العالم: أحلام التميمي مواطنة أردنية، وأسيرة محرر قضت حوالي 10 سنوات في سجون الاحتلال الصهيوني، وهي مثال للمرأة المناضلة المجاهدة، ولها حقوق على بلدها الأردن، وقامت بواجبها في النضال والجهاد والدفاع عن أولى القبلتين وثالث الحرمين.
وأضاف: أحلام كأي امرأة تزوجت وأقامت في الأردن، وزوجها بالمناسبة أيضاً أسير محرر أمضى 24 عاماً في سجون الاحتلال الصهيوني.
وينقل مازن ملصة رسالة أحلام والمتضامنين معها إلى الأردن الرسمي والشعبي، ويقول: رسالتنا اليوم إلى الحكومة الأردنية، نحن نرى أنّ من حق أحلام أم يتم لم شملها مع زوجها، وأيضاً من واجبنا جميعاً، واجب الدولة الأردنية، وواجب الشعب الأردني، أن يكرموا أحلام، وأن يوفروا لها سبيل الراحة، لا أنّ تقوم الحكومة بما يشبه الضغط على أحلام للخروج من الأردن، وهنا ستتعرض للخطر الشديد المتمثل باعتقالها، وملاحقتها أجهزة الأمن الأمريكية أو من تعاون معها.
ويضيف: في الأردن، أعلى سلطة قضائية في البلاد وهي محكمة التمييز قضت بعدم قانونية تسليم أحلام التميمي إلى السلطات الأمريكية، ويجب على الحكومة الأردنية أن تتخذ إجراء حقيقياً لإعادة نزار إلى الأردن وجمعه مع زوجه، وعلينا أن نقوم بواجبنا جميعاً بتكريم هؤلاء المناضلين والشرفاء، فأحلام مواطنة أردنية لها حق على حكومتها، وعلى بلدها".
ويتابع ملصة: أحلام طوال الفترة الماضية، وبعد تحررها من سجون الاحتلال بصفقة وفاء الأحرار، لم تخالف القوانين الأردنية، ولم تتصرف بأي سلوك "خارج عن النص"، وكذلك الحال مع زوجها نزار خلال فترة تواجده في الأردن، وكان أيضاً حريصاً على بلده الثاني، واليوم نحن نوجه نداء وصيحة بأن ترد الأمور إلى نصابها، ويعود نزار إلى الأردن، حتى يلم شمل العائلة من جديد.
ويختم قائلاً: "عندما نتغنى بدعم المقاومة والوصاية الهاشمية على الأقصى والمقدسات، فإننا نرى أنّ ما يحدث مع أحلام اليوم يتناقض مع ما يقتضيه هذا الأمر من الدفاع عن المسجد الأقصى، والحرص على مقاومة حلول التسوية السلمية المبنية على فكرة الوطن البديل، وفي ظل وجود حكومة الاحتلال المتطرفة التي تهدد أمن الأردن كما تعتدي على شعبنا الفلسطيني.