الضفة المحتلة - خاص شبكة قُدس: على بعد أيام قليلة من شهر رمضان، تبدو الساحة الفلسطينية أكثر لهيبًا مع تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية بشكلٍ عام، وداخل القدس والمسجد الأقصى بشكل خاص، مع التسريبات الإسرائيلية المتكررة عن إمكانية اتخاذ قرارات غير مسبوقة مثل إغلاق المسجد 10 أيام.
وخلال الأعوام الثلاثة الأخيرة تزامن حلول شهر رمضان مع الأعياد اليهودية المزعومة ما عزز من حالة التصعيد، وهو ما أدى عام 2021 إلى معركة سيف القدس التي تدخلت فيها المقاومة الفلسطينية ردًا على ما جرى في الأقصى من انتهاكات بحق المصلين وتصاعد الاعتداءات على أهالي حي الشيخ جراح.
ومع حالة التصعيد التي تشهدها الساحة الفلسطينية في الفترة الحالية نتاجًا لاعتداءات الاحتلال في الضفة المحتلة وتلويح المقاومة الفلسطينية في غزة باقتراب صبرها من النفاد، تبدو الساحة الفلسطينية أكثر قربًا للتصعيد منه إلى الهدوء.
وقد تشكل الانتهاكات الإسرائيلية في الأقصى والاقتحامات التي ستتم للمسجد خلال أيام شهر رمضان عاملاً إضافيًا وصاعقًا للتفجير في ضوء الإضراب المحتمل للأسرى الفلسطينيين احتجاجًا على إجراءات وعقوبات الوزير المتطرف إيتمار بن غبير.
في المقابل انطلقت الجولات المكوكية للوسطاء الأمميين والعرب كالوسيطين المصري والقطري، اللذين باشرا باتصالات ولقاءات مكثفة في الفترة الأخيرة مع الفصائل سواء في القاهرة أو في غزة من أجل محاولة تهدئة الساحة الفلسطينية ومنع التصعيد.
التصعيد في الضفة: السيناريو الأبرز
الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري يرى أن التصعيد هو السيناريو الأول في رمضان، مدفوعًا بطبيعة حكومة الاحتلال الجديدة وبرنامجها، والأزمة الداخلية التي تواجهها، سيّما أن حكومة نتنياهو الحالية تريد أن تتصرف بطريقة مغايرة عن الحكومات الإسرائيلية السابقة، حيث تعتقد أنها قادرة على حسم الصراع وترويع الفلسطينيين، وكسر إرادتهم ومقاومتهم.
ويقول المصري في حديثه لـ "شبكة قدس" إن ساحة التصعيد الأساسية ستكون في الضفة المحتلة، إلا إذا قام الاحتلال بإجراءات كبيرة مثل المجازر أو اقتحامات كبرى في المسجد الأقصى، وحاول أن يفرض التقسيم الزماني والمكاني بصورة أكبر، فمن الممكن حينها أن يتكرر ما حدث في رمضان 2021 من امتداد التصعيد لقطاع غزة والداخل المحتل.
هل ينتقل التصعيد إلى غزة؟
يستدرك المصري: لكن يبدو أن المقاومة لا تريد امتداد التصعيد إلى قطاع غزة، ولا الاحتلال الإسرائيلي معني بهذا النوع من التصعيد، خاصة وأنه يواجه ضغوطًا من الإدارة الأمريكية - المنشغلة بأوكرانيا وروسيا والصين- لمنع التصعيد أو تخفيفه على الأقل.
بدوره، يقرأ الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف في إجراءات الاحتلال الأخيرة محاولة للاشتباك مع الكل الفلسطيني ولكن من مبدأ الاستفراد بالمناطق، ويحاول الاحتكاك بالمقاومة في قطاع غزة، هو يريد وقف المقاومة في أماكن وجودها، وكل ما يقوم به الاحتلال من مجازر هو محاولة لإرهاب المقاومين وثنيهم عن الاستمرار في مقاومتهم.
ويتابع الصواف في حديثه لـ "شبكة قدس": "قد يكون هناك توسيع للعدوان من قبل الاحتلال على سبيل المثال على غزة، وهذا أمر متوقع، وقد تشتد في قطاع غزة، وأنا أعتقد أن السيناريو الأهم الذي يحاول الاحتلال رسمه هو استفزاز كل الفلسطينيين بالتعدي على مقدساتهم، بالإضافة إلى جرائمه المتعددة، ومحاولته تصدير مشاكله الداخلية إلى الجانب الفلسطيني، وهو ما سيشعل المنطقة بأكملها".
وحول دخول غزة على خط المواجهة، يشير الصواف إلى أن المقاومة في غزة لم تعد عملًا عشوائيًا، بل هي تعمل بشكل منظم وفق معلومات وآليات تدركها المقاومة، مستبعدًا قدرة الاحتلال على استفزازها، "لأن لديها أهداف تريد أن تحققها دون الانجرار وراء استفزازات الاحتلال، أو جرّ قطاع غزة إلى المواجهة، وأي تصعيد في قطاع غزة، سيكون قراره بيد المقاومة وليس بيد الاحتلال".
تصعيد ولكن
المختص في الشأن الإسرائيلي عادل شديد يرى أن كل الظروف الحالية تشير إلى إمكانية تصعيدٍ قادم، خاصة في ظل تزامن عيد الفصح اليهودي مع شهر رمضان، وبالتالي لا يوجد إمكانية لتهدئة الأوضاع في الأيام القليلة المتبقية قبل رمضان، إلا لو كان هناك قرار إسرائيلي، مشيرا إلى وجود مصلحة إسرائيلية لمرور شهر رمضان بشكل هادئ لأكثر من سبب.
وحول الأسباب، يوضح شديد لـ "شبكة قدس" أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو لا يريد إدخال العنصر الديني في الصراع والمواجهة، وبنفس الوقت يخشى أن أي تصعيد للوضع في القدس في رمضان من الممكن أن يؤثر على الهدوء الحالي في غزة وبالتحديد حركة حماس، وبالتالي هو ليس معنيًا بجر غزة للحروب.
ويردف شديد أن "حماس رفعت شعار وحدة الساحات قبل عامين، ونتنياهو وإسرائيل لهم مصلحة بإبقاء الساحات ممزقة ومفككة، وبالتالي أي تصعيد في شهر رمضان سيقود إلى مواجهة أوسع ودخول غزة على الخط، وانهيار المخطط الإسرائيلي الذي اعتقد أنه قادر على تفكيك الحالة الفلسطينية، وهذا يدفعنا للاعتقاد بأن هناك حاجة رسمية وإقليمية للتهدئة في رمضان ولكن العناصر على الأرض قد لا تسمح بالتهدئة".
ولا يعتقد شديد إمكانية تكرار سيناريو حرب مايو\أيار 2021 وهبة الكرامة في الداخل المحتل، إلا إذا كان هناك قرار لدى إيتمار بن غفير بتفجير الوضع، بهدم منازل في النقب والجليل والمثلث وغيره، ومن الواضح أن بن غفير لا يرى فرقًا بين الضفة والداخل المحتل، مستدركًا: "حتى فلسطينيًا، فإن إعادة إنتاج أحداث 2021 ليست سهلة، لأنه كان خلاصة أحداث استمرت أشهر قبل رمضان وبدأت بحي الشيخ جراح، بالتالي دخول فلسطينيي الداخل المحتل على الخط ممكنة لكنها مستبعدة في الوقت الحالي".
الهروب من الأزمات الداخلية
"إذا استمرت المظاهرات في الداخل المحتل ضد تغيير القوانين خلال رمضان، فممكن لإسرائيل أن تذهب باتجاه مزيد من التصعيد في الضفة والقدس، والتي يمكن أن تؤدي إلى دخول غزة على الخط، وطالما بقيت المظاهرات ضد نتنياهو، تبقى احتمالية التصعيد في الضفة واردة لأن نتنياهو سيحاول استخدامها ضد خصومه في الداخل"، يقول المختص في الشأن الإسرائيلي عادل شديد.
من جانبه، يصف المختص في الشأن الإسرائيلي أشرف بدر إمكانية التصعيد في رمضان بـ "الهروب للأمام" باستهداف الفلسطينيين في الضفة، وذلك هربًا من الأزمة الداخلية والمظاهرات ضد حكومة الاحتلال والتعديلات الحكومية وهوية الدولة.
ويشير بدر في حديثه لـ "شبكة قدس" أن القدس ستكون من أهم أسباب التفجير، خاصة وأن بن غفير معني بترسيخ السيادة الحزبية على المسجد الأقصى، وفرض التقسيم الزماني والمكاني، ومحاولة بن غفير والصهيونية الدينية فرض أمر واقعٍ هناك.
وينوّه بدر إلى أن السياسيين في إسرائيل معنيون في التصعيد إلى حد ما، على عكس الأجهزة الأمنية هناك، وأن الأجهزة الأمنية لدى الاحتلال تضغط على نتنياهو وبن غفير لتخفيض التصعيد في رمضان وتجنبه.