ليلة عصيبة شهدتها بلدة حوّارة الواقعة جنوب نابلس، بعد هجوم واسع نفّذه قطعان المستوطنين الصهاينة وميليشياتهم المسلحة بحماية جيش الاحتلال الذي سهّل وأمّن لهم تنفيذهم لجرائمهم الوحشية حرقاً وتكسيراً وترويعاً للآمنين، بدون أن يحرك أحد ساكناً للتصدي للإرهاب الصهيوني.
مشهد هو الأكبر منذ سنوات طويلة، طال فيه الحرق والتكسير 30 منزلاً و15 سيارة، وإضافة لأكثر من 300 اعتداء إرهابي إستيطاني طال أهالي حوّارة والبلدات المجاورة، أسفرت عن استشهاد مواطن، وإصابة أكثر من 100 آخرين في البلدة التي تقع على بعد كيلومترات من مدينة نابلس، ويقربها حاجز صهيوني سُمّي بإسمها لطالما كان نقطة لعذاب وقهر أهالي الضفة المحتلة.
عن حوّارة (النديّة)
حوّارة، بلدة فلسطينية في الضفة الغربية وتتبع لمحافظة نابلس، تقع على بعد 9 كم جنوبي مدينة نابلس على طريق نابلس – القدس، وتخضع في التصنيف المحلي لإدارة مجلس بلدي، ويقطن حوارة حسب الإحصائيات الرسمية للعام 2022 حوالي 7,263 نسمة.
يحد حوّارة من الشرق قريتا أودلا وبيتا، ومن الغرب بلدة عينابوس وأراضي بلدة جماعين، ومن الجهة الشمالية الغربية أراضي عصيرة القبلية وبورين، ومن الجهة الشرقية الشمالية بلدة عورتا، كما ويحيط بالقرية الكثير من الخرب والمواقع الأثرية منها: خربة عطارود، باب بيت الخربة، الطيرة ومطر.
كلمة حوّارة تعني باللغة السريانية؛ البياض، أي النديّة أو البقعة البيضاء، وذلك نسبة لتراب موقع البلدة، الذي يعرف بالعامية بكلمة (حُوَّر).
لماذا حوّارة؟
تقع بلدة حوّارة في موقعٍ استراتيجي يتوسط قرى جنوب نابلس، وتُعتبر حلقة وصلٍ أساسية بين تلك القرى، وبينها وبين مدينة نابلس. يمتلك سكانها من الأراضي ما مساحته تقريباً 8400 دونم. بعد اتفاقية أوسلو، قُسّمت أراضي القرية، 62% منها صُنّفت أراضي (ج)، أي تخضع لسيطرة الاحتلال الأمنية والإدارية، و38% منها أراضي (ب)، أي تخضع للسلطة الإدارية الفلسطينيّة والسلطة الأمنية “الإسرائيلية”.
لحوّارة تاريخ مرير مع سلسلة من عمليات مصادرة الأراضي، ففي العام 1983 صادر الاحتلال 282 دونماً من أراضي حوّارة لصالح مستوطنة يتسهار، وهي المستوطنة التي يعاني أهالي حوّارة من هجمات مستوطنيها الدائمة على منازل أهل البلدة ومنشآتهم. كما صادر الاحتلال مساحاتٍ إضافية من أراضي البلدة أقام عليها قواعد عسكرية، إلى الشمال قرب حاجز حوّارة، وفي جنوبها قرب تجمّع "كفار تبواح" الإستيطاني.
شارع رقم (60) الإستيطاني الكبير، يمر من وسط البلدة، وقد شهد في العام 2016 عملية إعادة تأهيل واسعة بإشراف وزارة الأشغال الفلسطينية، وبتمويل دولي بتكلفةٍ وصلت 5.3 ملايين دولار. لكنّ سلطات الاحتلال باشرت العمل منذ عام 2021 في شق شارعٍ ضخم باسم "التفافي حوّارة" لضمان ربط مستوطنات نابلس بمركز الضفة الغربية، دون أن يضطر المستوطنون للمرور من قلب حوّارة.
لحوّارة موقع استراتيجي مهم يحوّلها إلى هدف لسياسات قمع ورقابة مستمرة من الاحتلال، بهدف إخضاعها وجعلها مكاناً آمناً لمرور مستوطنيه. إذ يُرصد يومياً انتشار كبير لجنود الاحتلال في شارعها الرئيسي، ولا يمكن المرور منها بدون ملاحظة الانتشار العسكري والتمركز الواضح للجيبات العسكرية على امتداد الشارع.
تغيير وجه الإستيطان
التخلص من حوّارة، هو الخطوة الجوهرية في تغيير وجه الإستيطان في الضفة، فبزوال حوّارة كبقعة يتواجد عليها الفلسطينيون ستتحوّل المستوطنات الجبلية في المنطقة، وهي مستوطنات معزولة، إلى نقطة جذب لعشرات الآلاف من المستوطنين.
يجعل غياب حوّارة كقرية فلسطينية، مستوطني ومستوطنات نابلس يتمتعون بحرية وسهولة الحركة على شارع "60" الإستيطاني، ويخلق رابط جغرافي أكثر انسجاماً وسلاسة للتجمعات الإستيطانية التي تفصل شمال الضفة عن وسطها.
تمثّل حوّارة الواصل الجغرافي الذي يصل شمال الضفة بجنوبها، والعازل الذي يؤدي غيابه إلى تسهيل تطبيق خطوة الضم وابتلاع الأراضي الفلسطينية.
"محو حوّارة" هدف استراتيجي لا زلة لسان
لم يكن تصريح الوزير الصهيوني المسؤول عن ملف الإستيطان وزعيم الصهيونية الدينية "بتسلئيل سموتريتش" حول ضرورة "محو" بلدة حوّارة تصريحاً إعلاميا، أو (زلة لسان) كما ادّعى في ما بعد، بل هو يعكس رؤية استراتيجية تعكف على تنفيذها حكومات الاحتلال المتعاقبة ضمن سلسلة من الاستهدافات والمشاريع التوسعية وشق الشوارع في بلدة حوّارة.
الفارق أنّ "سموترتيش" عبّر صراحة عن الحاجة الإستيطانية الكبرى للتخلص من صمود "حوّارة" وتهجير أهلها والقضاء على هذا الرابط الجغرافي بين محافظات الضفة، وتحويله لرابط جغرافي بين التجمعات الإستيطانية ووصلها مع بعضها البعض، في تطبيق متدحرج لخطة الضم الكبرى.
لا ينفصل الاعتداء الواسع للمستوطنين على أهالي حوّارة عن مخطط الاقتلاع والتهجير الهادف للتخلص من العائق الذي تشكّله حوّارة، وبالتالي فإنّ ارتكاب أفظع الجرائم والاعتداءات هي محاولة لاستنساخ نموذج مُصغر من النكبة والتهجير لشعبنا الفلسطيني عبر الترهيب والقتل والاقتلاع من عصابات المستوطنين والجيش المجرم.
يتلاءم سيناريو التخلص من حوّارة تماماً مع رؤية "سموترتيش" لحسم الصراع، والتي تشمل في تفاصيلها إنجاز الضم وإعلان "السيادة الإسرائيلية" على أراضي الضفة المحتلة، وإنجاز توسيع وتثبيت البؤر الصهيونية المنتشرة، وربطها بعضها ببعض ضمن تجمع إستيطاني كبير يبتلع أراضي الضفة الغربية.
صمود حوّارة ليست مهمة أهلها وحدهم
يعاني أهالي حوّارة منذ سنوات طويلة من مخططات التهجير وسياسات الاقتلاع التي تستهدف كل أوجه حياتهم، ضمن بلطجة يومية من المستوطنين وتضييقات مستمرة على مصالح المواطنين.
يصمد أهالي حوّارة ويتمسكون بأرضهم، ويعتمد هذا الصمود بشكله الأساسي على إرادة الفلسطيني أولاً وارتباطه بأرضه، وعلى القدرات الذاتية المتواضعة للأهالي الذي يواجهون هجمات منظمة تديرها الحكومة الصهيونية وعصابات الإستيطان.
مهمة الصمود ليست مهمة أهالي حوّارة وحدهم، كما هي ليست مهمة أي قرية أو تجمع فلسطيني يواجه خطر الاقتلاع والابتلاع من المستوطنات، بل هي مهمة الكل الفلسطيني، التي تستوجب تضافر كل جهود الدعم والتثبيت في الأرض.
يحتاج أهالي حوّارة وأهالي كل القرى التي تواجه الإستيطان إلى سياسات واضحة وملموسة لدعم صمودهم عبر تعزيز الاقتصاد المقاوم فيها، وتعزيز صمود أهلها، وإنشاء المشاريع والبنى التحتية وترميم ما يسببه الاحتلال ومستوطنوه من أضرار.
لا يتوقف دعم الصمود على المشاريع والمساعدات الاقتصادية، بل يتطلب حماية حقيقية وتصدي وطني واسع لاعتداءات المستوطنين، وهو ما يحتاج إلى توفير لجان للحماية الشعبية، تتولى مسؤولية التصدي للمستوطنين ومواجهة اعتداءاتهم، وخوض برنامج نضالي يُصعّد المواجهة والاشتباك ويحوّل محور التماس في كل القرى المستهدفة إلى محور مُشتغل يرفع تكلفة المشاريع الصهيونية فيها، مُعزَّزاً بتوفير بيئة آمنة لتوسُّع النشاط المقاوم الذي يستهدف كل التجمعات الإستيطانية.
هذه السياسات ستساهم في حماية حوّارة وكل القرى الفلسطينية من أخطار عصابات المستوطنين وجيش الاحتلال، وستمنع نكبة جديدة تخطط لها حكومة الإستيطان الفاشية وأحزاب القومية الصهيونية لتنفيذ مخطط الضم وابتلاع ما تبقّى من أراضي فلسطينية ما زالت تمثّل شوكة في حلق المحتل.