شبكة قدس الإخبارية

قتال على البيت والوجود: كيف للفلسطيني أن يواجه خطر ميلشيات المستوطنين؟

photo_2023-02-27_15-29-11

الضفة المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: يقاتل الفلسطيني اليوم على وجوده المادي المباشر، هذا ما تؤكده سلسلة الهجمات الإجرامية التي شنتها ميلشيات المستوطنين على بلدات وقرى خاصة في أرياف شمال الضفة المحتلة، بحماية ودعم من جيش ودولة الاحتلال، التي ارتكبت هي الأخرى سلسلة مجازر في مسار يسعى لكسر الحراك الثوري المتصاعد على وقع هذا التهديد الوجودي.

يوم الأحد الماضي، اجتاحت ميلشيات المستوطنين بلدة حوارة إلى الجنوب من نابلس وأحرقت ما جاء تحت أيديها من منازل ومركبات ومحلات تجارية. الهجوم الذي امتد إلى أكثر من منطقة في ريف نابلس أسفر عن استشهاد الشيخ سامح أقطش، خلال محاولته الدفاع عن منزله في زعترة.

هجمات المستوطنين التي أخذت دفعة كبيرة، خلال الشهور الماضية، وخاصة بعد صعود قادة "الصهيونية الدينية" في المراتب الأمنية والسياسية في دولة الاحتلال، تؤكد التحذيرات التي أطلقها نشطاء وأحزاب ومراقبون عن خطر داهم يكبر مع السنوات، في ظل التسمين العسكري والاستراتيجي الذي تعيشه ميلشيات المستوطنين، التي تحولت إلى أجهزة عسكرية شبه متكاملة تعمل لتهجير الفلسطينيين وتحويلهم حياتهم إلى جحيم.

هذا التحدي الذي يكبر يومياً يفرض على الفلسطيني معركة لم تعد تحتمل التأجيل، كما تؤكد الأحداث والوقائع، لحماية وجوده المادي المباشر ومنع المستوطنين من أخذ جرعة "ثقة" مضاعفة تدفعهم إلى مضاعفة جرائمهم وتقوية جسدهم العسكري العدواني. وعند كل هجوم للمستوطنين يعاد طرح السؤال المركزي: ما العمل؟ وتتكاثر الاقتراحات التي تتمحور حول فكرة "الدفاع الذاتي"، لكن الوقائع تقول إن هذه الأفكار بقيت حبسية التجارب المحدودة في بعض القرى، وما زلنا بعيدين عن تفكير جاد في استراتيجية شاملة لدفع المستوطنين، كما يؤكد الخبراء والمختصون.

"الحنين إلى زمن ماضٍ"

يعيش الفلسطيني "حنيناً" دائماً للفترات التي كانت انتفاضته وثوراته تكسر "عين" المستوطن، وفقاً للتعبير الشعبي الدارج، وتمنعه من الحركة إلا تحت حراسات أمنية مشددة، ويتذكر المجتمع الفلسطيني واقع بعض المستوطنات التي أصبحت خلال انتفاضة الأقصى خاصة "خاوية على عروشها" جراء عمليات إطلاق النار المكثفة التي نفذتها خلايا المقاومة.

هذا "الحنين" يتسع أيضاً إلى انتفاضة الحجارة التي انطلقت في عام 1987، وكان مرتكزها الأساسي على العمل الشعبي الجماعي في مواجهة الاحتلال والمستوطنين. عرفت القرى الفلسطينية حينها لجان الحراسة التي أشرفت على المراقبة والرصد والإنذار المبكر وحشد الطاقات المجتمعية في معركة التصدي.

تذكر الكتابات التاريخية أن الاحتلال بقي عاجزاً عن دخول مناطق في الضفة وغزة، خلال انتفاضة الحجارة، لأسابيع طويلة جراء عمليات الإغلاق والحماية التي نفذتها لجان الحراسة، وتشير إلى المواجهات الكبرى التي تصدى فيها الأهالي لمحاولات المستوطنين تنفيذ هجمات في عمق القرى والبلدات الفلسطينية.

"خطر وجودي"

الباحث وطالب الدكتوراة في العلوم الاجتماعية، عبد الجواد حمايل، يؤكد أن ميلشيات المستوطنين تعمل ضمن تكتيك قتالي واضح ومدروس في هجماتها على القرى والبلدات الفلسطينية، وإن كانت في بعض الاعتداءات يحكمها "العشوائية"، ويشير إلى ما تحدثت عنه وسائل إعلام إسرائيلية حول ترجيحات لدى الأجهزة الأمنية والعسكرية في دولة الاحتلال، حول أنه "قد يكون منفذ عملية حوارة نجح في الانسحاب من المكان خلال الهجوم الذي نفذه المستوطنون"، وإن كان ما تقوله هذه الأجهزة قد يكون لأهداف أخرى، حسب وصفه.

حمايل يذكر في لقاء مع "شبكة قدس"، أن هجوم ميلشيات المستوطنين على حوارة يأتي من فكرة أنها في "موقع قوة"، بعد التغييرات السياسية والأمنية الأخيرة في دولة الاحتلال.

"معركة وجودية" يؤكد حمايل على طبيعة الصراع الذي يخوضه المجتمع الفلسطيني في مواجهة ميلشيات المستوطنين ودولة الاحتلال، ويشير إلى تغير في هذه المرحلة وهو أن الفلسطيني يقاتل للدفاع على ما بين يديه، بعد أن كان في كل المواجهات والانتفاضات السابقة يطمح إلى تحقيق ما هو أبعد مما يقف عليه "حل الدولتين، دولة واحدة، وقف الاستيطان، تحرير فلسطين، وغيرها من المشاريع".

السؤال الأساسي أمام المجتمع الفلسطيني الآن، يقول حمايل، هو كيف نبني أدوات واستراتيجية "الدفاع الذاتي" أمام هذا التهديد الوجودي، وهو تساؤل مطروح على كل مكونات المجتمع سواء السياسية أو الاجتماعية وغيرها.

عند كل جريمة ترتكبها ميلشيات المستوطنين وجيش الاحتلال يتصاعد "اللوم" و"الانتقادات" لأجهزة السلطة الفلسطينية، والاتهامات لها بــ"التقاعس" عن توفير الحماية للشعب الفلسطيني، حمايل يرى أن التعامل مع هذه القضية صعب في ظل عدم وجود مشروع سياسي واضح وبديل وإحجام الأطراف السياسية الكبيرة عن ذلك، ويشير إلى أن المطروح عملياً هو بناء قوة مقاومة شعبية تفرز قيادتها الميدانية التي قد تصلح لأن تكون بديلاً قابلاً لطرح فاعلية أكبر وجدية في التعامل مع الصراع.

ويعتبر أن هذه المواجهة في الريف تعني دخوله في المعركة الأكبر التي تجري في المدينة ومخيماتها بعد صعود مجموعات المقاومة.

تجربة بيتا وكيف نبني وحدة ميدانية

منذ بدايات الاحتلال كان لبلدة بيتا في ريف نابلس تجربة مميزة في التصدي للمشروع الاستيطاني، في الانتفاضة الأولى تعرضت البلدة لهجوم وحشي من قبل جيش الاحتلال بعد أن تصدى الأهالي لمستوطنين اقتحموا البلدة، وفي السنوات الماضية قدمت عدداً من الشهداء ومئات الجرحى لحماية جبالها من الاستيطان، وآخر المواجهات كان يوم أمس على جبل صبيح بعد عودة المستوطنين للتجمع في البؤرة التي أطلقوا عليها اسم "أفيتار"، بدعم من إيتمار بن غبير الذي اقتحم المنطقة.

رئيس بلدية بيتا السابق، موسى حمايل، يؤكد أن تجربة بيتا في التصدي للاحتلال والاستيطان تقول إن "الهجوم خير وسيلة للدفاع".

ويروي أن أهالي البلدة كانوا دائماً في موقع "المبادرة" لمواجهة ميلشيات المستوطنين وقوات الاحتلال، ويضيف في لقاء مع "شبكة قدس": في كل المرات التي استشعرنا فيها خطر هجمات المستوطنين كان أهالي بيتا يتجمعون على مدخل البلدة لصد اقتحام المستوطنين ولا ينتظرون وصولهم إلى أبواب بيوتهم.

ويشير إلى المواجهات التي اندلعت خلال الهجمات التي نفذتها ميلشيات المستوطنين، قبل يومين، وقد ساهم جزء منها في صدهم عن المنازل كما حدث في قرية زعترة التي استشهد فيها الشيخ أقطش.

حمايل يشدد على ضرورة بناء شبكة تنسيق وتعاون بين كل القرى في الريف الفلسطيني وخاصة في جنوب نابلس، الذي يشكل الاستيطان تهديداً له، ومن خلال هذا التعاون يجري بناء عمليات إنذار، ورصد، وتعاون، وتصدي جماعي.

وعن تجربة لجان الحراسة، اعتبر أن هذه التجربة يمكن تطويرها من خلال بث روح التعاون واستشعار الخطر على الجميع، وليس فقط شكل تنظيمي رسمي يقوم على تفريغ بعض الكوادر، بل يجب أن يكون العمل منطلقاً من الواجب الجماعي، حسب وصفه.

170 لجنة 

منسق القوى الوطنية والإسلامية في رام الله، عصام بكر، أكد أن ميلشيات المستوطنين هي "الذراع الضارب" لدولة الاحتلال وتعمل وفق نظام "تبادل الأدوار" مع الجيش، وتنفذ جرائمها تحت مسمع ومرأى من العالم الذي لا يحرك ساكناً، حسب تعبيره.

بكر يشير إلى تجربة الشعب الفلسطيني مع النكبة التي بدأت بهجمات شنتها العصابات الصهيونية ثم اتسعت إلى مجازر وعمليات طرد وتهجير، ويذكر أن "المدارس الدينية" التي يتخرج منها هؤلاء المستوطنون تشحذهم بالكراهية والإرهاب تجاه الشعب الفلسطيني، وإحراق عائلة دوابشة مثال على التفكير الإجرامي الذي تحمله.

بكر يقول في لقاء مع "شبكة قدس"، إن القوى الوطنية والإسلامية قررت في عام 2018 بعد اتساع جرائم المستوطنين تشكيل وتفعيل لجان الحراسة في مختلف المناطق المهددة، وكشف عن تشكيل 170 لجنة بعضها انخرط في عمل جاد وأخرى بحاجة إلى تفعيل، حسب وصفه.

ويشدد على أن كل الهيئات الفلسطينية سواء الرسمية أو المجتمعية وغيرها مطالبة بالمبادرة في العمل، وليس فقط انتظار المستوطنين، ويرى أن الوزارات وهيئات الحكم المحلي والمجالس البلدية والأندية وغيرها يجب أن يكون لها دور في بناء استراتيجية التصدي للمستوطنين.

ويشير إلى تجارب بعض المناطق في شمال رام الله مثل المغير، وترمسعيا، وسنجل من خلال إغلاق الطرقات الالتفافية التي يسلكها المستوطنين، وفي غرب المدينة في بلدات عابود ودير أبو مشعل وغيرها، ويؤكد على ضرورة تفعيل كل الأدوات في المواجهة.

 

#السلطة #فلسطين #رام الله #الاحتلال #الاستيطان #الضفة #المقاومة #نابلس #بيتا #ميلشيات المستوطنين #الريف #لجان الحراسة