فلسطين المحتلة - خاص شبكة قُدس: تسارعت وتيرة الإجراءات الإسرائيلية في القدس المحتلة مع صعود إيتمار بن غبير في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة التي جرت في نوفمبر/ تشرين أول 2022، وتوليه منصب وزير الأمن القومي.
وخلال الأسابيع الأخيرة أقر بن غبير سلسلة من الإجراءات بحق سكان القدس أبرزها زيادة وتيرة الهدم والاعتقالات ومصادرة المباني والأراضي، وتكثيف العمل الاستيطاني، فضلاً عن زيادة الاستهداف لسكان القدس المحتلة.
والجمعة الماضية، أقر وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت فرض عقوبات مالية على 87 فلسطينيًّا من سكان مدينة القدس، في حين أصدر بن غبير تعليماته لبدء ما سمّاها عملية "السور الواقي 2"، بالرغم من الانتقادات الداخلية التي وجهت له.
وتعكس سلسلة القرارات والإجراءات الأخيرة الرغبة الإسرائيلية في تغيير الواقع القائم في القدس المحتلة تنفيذًا لما أعلنه بن غبير وسموترتيش خلال الدعاية الانتخابية والتوجه نحو حسم الصراع من خلال إلغاء الواقع القائم حالياً وضم مساحة واسعة من الضفة والقدس.
اللافت أن سكان القدس المحتلة قد حققوا خلال السنوات الماضية سلسلة من الانتصارات على الاحتلال لعل أبرزها البوابات الإلكترونية عام 2017، وهبة باب العمود 2021، وهبة القدس عام 2021 وما تبعها من معركة سيف القدس مع المقاومة الفلسطينية.
ومع كل قرار يستهدف القدس والمسجد الأقصى يهب الفلسطينيون في المدينة للتصدي لهذه القرارات ومواجهتها وإجبار الاحتلال على التراجع عنها، وهو ما تحقق في أكثر من مناسبة خلال السنوات الـ 6 الأخيرة على مستوى القدس والأقصى.
ومع تصاعد التهديدات الإسرائيلية الأخيرة والقرارات التي يلوح بها بن غبير تبدو المدينة مقبلة على سلسلة من التصعيد والمواجهة الشعبية مع الاحتلال، لا سيما مع اتخاذ قرارات بالتضييق على سكان أحياء المدينة في أعقاب العمليات الأخيرة.
ومع اتخاذ قرارات بإغلاق أحياء مثل شعفاط في أعقاب عملية الطعن الأخيرة قرر الاحتلال إغلاق طرق وفرض طوق على المخيم، وهو سلوك إسرائيلي معتاد تكرر عدة مرات في الفترة الأخيرة لا سيما كما حصل بعد عملية المقاوم عدي التميمي.
في السياق، قال مدير مركز القدس للحقوق القانونية والاجتماعية، زياد الحموري، إن ما يجري في المدينة من إجراءات في الوقت الراهن من شأنه أن يكرر ما حدث عام 2021 وبشكل أوسع وأعمق يصل صداها لمرحلة يتجاوز صداها المستوى المحلي.
وأضاف الحموري لـ "شبكة قدس" أن سلسلة القرارات المتخذة في الفترة الأخيرة سبق وأن اتخذ الاحتلال خطوات مشابهة لما يجري حاليًا وتراجع عنها في سياق المواجهة الشعبية والهبات التي كانت المدينة وأحياؤها تشهدها في الفترة من 2014 وحتى الآن.
وبحسب مدير مركز القدس للحقوق القانونية والاجتماعية فإن بذور الانتفاضة حاضرة في القدس منذ واقعة إحراق الفتى محمد أبو خضير في القدس المحتلة عام 2014، وتتصاعد بين فترة وأخرى على شكل هبات يحقق فيها الفلسطينيون انتصارات على الاحتلال.
ولا يستبعد الحموري أن يتكرر سيناريو ما جرى في القدس المحتلة عام 2021 من جديد من خلال التصدي لكل الإجراءات والقرارات التي اتخذها الاحتلال وقد يتخذها، مع إمكانية دخول المقاومة الفلسطينية في غزة على الخط كما حصل في سيف القدس أو تحول الأمر لمواجهة على مستوى الإقليم.
ويعتقد أن أهالي القدس سيواجهون جميع الإجراءات التي يتخذها الاحتلال سواء سياسات الإغلاق والهدم ومصادرة البيوت والأراضي، على شكل هبات أو من خلال العمليات الفردية التي تشهدها المدينة في الفترة الأخيرة كتعبير عما يجري.
ويؤكد الحموري أن كل الإجراءات التنكيلية بحق سكان القدس لن تفلح في كسر إرادتهم إذ أن ردة الفعل الحالية تعكس إدراكاً فلسطينياً ومقدسياً بأن ما يجري يندرج في إطار "معركة وجودية" مع الاحتلال لا يمكن التعامل معها إلا بالمقاومة والمواجهة.
في السياق، قال الباحث والمختص في شؤون القدس زياد ابحيص إن هناك فارقاً واضحاً بين أداء الحكومة الحالية للاحتلال وصوتها المرتفع، فهي كلما ذهبت نحو فرض الأجندات مرتفعة السقف في القدس والمسجد الأقصى ستفتح المجال لإمكانية إلحاق الهزيمة بها.
وأضاف ابحيص لـ "شبكة قدس" أن هذه الحكومة غير قادرة على "عقلنة القوة" وأصبحت تتعامل بردات الفعل، وخلال عام 2022 كان جزءا من نجاح الحكومة السابقة في عدم الوصول إلى الانفجار المباشر أنها كانت تحاول التهدئة في جبهة والتفجير في جبهة أخرى.
وتابع بالقول: "الحكومة السابقة على سبيل المثال أعلنت وقف هدم البيوت قبل شهر رمضان للتفرغ للمسجد الأقصى، وتفرغت للسيطرة على باب العامود وكان هدفها ألا تنفجر أكثر من جبهة في وقت واحد، وكان بن غبير حينها يحاول جر الحكومة السابقة للتصعيد غير أن المحكمة أجلت القرار في الشيخ جراح 6 أشهر".
وأوضح ابحيص أن ما يجري في هذه الحكومة هو تفجير لكل الملفات قبيل عدوان مرتقب على الأقصى وبالتالي هي تقوم بتسريع وتيرة الهدم وتفجير ملف الشيخ جراح وسلوان كذلك، بالإضافة إلى ملف إخلاء الخان الأحمر رغم أنها أجبرت على التأجيل.
وبحسب الكاتب والباحث في شؤون القدس فإن الحكومة الحالية تميل لتفجير جميع جبهات الصراع وبالتالي هم يفقدون أدوات الضبط.
ويرى أنه بوجود هذه الحكومة عالية الخطاب، فإن هناك محطة مهمة في يوم 7 مارس/ آذار وهو ما يتزامن مع عيد المساخر الذي يتصادف مع ليلة الخامس عشر من شعبان وهو بمثابة منصة لإطلاق العدوان على المسجد الأقصى المبارك.
ووفقاً لابحيص فإن المحطة الأبرز ستتصادف مع الأسبوع الثالث من رمضان وسيكون خلال عيد الفصح اليهودي كما حصل في شهر رمضان الماضي، أما المحطة الثالثة فستكون مسيرة الأعلام في 19 مايو الذي يكون يوم جمعة وسيتم الاستعاضة عنه بمسيرة يوم الخميس كون الاحتلال فشل في فرض الاقتحامات يوم الجمعة حتى اللحظة.
وأكد أن مسيرة الأعلام التي ينوي الاحتلال تنفيذها في باب العمود ستفتح باب المعركة والاشتباك مع الجماهير الفلسطينية مع إمكانية حضور المقاومة الفلسطينية كما حصل في عام 2021، في ظل رغبة الاحتلال تأكيد سيادته على القدس.
بدوره قال الكاتب والمحلل السياسي عامر المصري إن سلسلة الإجراءات والاعتداءات الحاصلة حالياً في القدس المحتلة جاءت كردة فعل من قبل بن غبير والمعسكر الديني المتطرف بعدما فقدوا سيطهم على صعيد الشارع الإسرائيلي.
وأوضح المصري لـ "شبكة قدس" أن ما يجري حاليًا من بطش واعتداءات على أهالي القدس في حال استمرارها سيجلب مزيدا من ردات الفعل الفلسطينية والمزيد من عمليات المقاومة وهو إشارة للإفلاس السياسي لبن غبير.
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي أن سلوك بن غبير في القدس المحتلة وسلسلة القرارات الأمنية غير المنطقية ستؤدي إلى إشعال المنطقة خلال الأسابيع المقبلة لا سيما مع الأعمال الانتقامية التي تجري ضد سكان القدس في الفترة الأخيرة.
ولفت إلى أن السكان الفلسطينيين في القدس لن يصمتوا على ما يجري باعتبار أن ما يحصل هو بمثابة حرب وجودية ستدفع بالفلسطينيين للقيام بردات فعل قوية وستكون مكلفة للجمهور الإسرائيلي برمته باعتبار أن ما يحصل حرب بقاء.