شبكة قدس الإخبارية

الخطة الأمريكية لمواجهة المقاومة في الضفة الغربية: الأفق والمآلات

CBnwG
أحمد الطناني

مع اختتام زيارة "أنتوني بلينكن" إلى رام الله، نشر موقع "أكسيوس" الأمريكي تفاصيل خطة أمنية أمريكية تمّ تقديمها لكل من حكومة الاحتلال والسلطة الفلسطينية بهدف إعادة سيطرة الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية على مدن شمال الضفة، والقضاء على خلايا المقاومة المُسلحة الناشطة في كل من جنين ونابلس، الخطة كانت جزءاً أساسياً من أجندة زيارة وزير الخارجية الأمريكي التي شملت محطات زيارته القاهرة ثم "تل أبيب" تلتها رام الله، حاملاً رسائل التهدئة على الساحة الفلسطينية.
الحراك الأمريكي ودعوات التهدئة
سبق وصول وزير الخارجية الأمريكي، تحركات أمريكية ماراثونية في المنطقة شملت زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي "جيك سوليفان" الذي بحث مع حكومة "نتنياهو" أرضية العمل المشتركة مع الإدارة الأمريكية والمطلب الأمريكي بالهدوء وتخفيف التوتر، إضافة للملف النووي الإيراني الحاضر دائماً على طاولة البحث "الإسرائيلية" – الأمريكية، تلاه وصول مدير المخابرات المركزية الأمريكية CIA "وليام بيرنز" إلى المنطقة.
في واقع الأمر، مارس وزير الخارجية الأمريكي في زيارته ضغوطاً كبيرة على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، طالباً منه استئناف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وضرورة التحرك لوضع حد لتمدد النشاط المقاوم المسلح في محافظات شمال الضفة، واعداً بتسهيلات اقتصادية ودعم أمريكي، إضافة لنظام الاتصالات 4G!
شدد وزير الخارجية الأمريكي على الرئيس أبو مازن في اجتماعهما في رام الله على أنّ الخطوة الأكثر إلحاحاً والتي ينبغي على السلطة القيام بها لكبح جماح التصعيد هي تبنّي الخطة الأمنية التي وضعها الجنرال الأمريكي "مايكل فينزل".
"خطة فينزل": قوة أمنية خاصة لمواجهة المقاومين
وفقاً للموقع الأمريكي "أكسيوس" تهدف خطة الجنرال الأمريكي "مايكل فينزل" لإعادة سيطرة السلطة الفلسطينية من جديد على جنين ونابلس. وتستند بدرجة أساسية على فكرة إنشاء قوة فلسطينية خاصة يتمّ تدريبها وإرسالها إلى المدينتين للمواجهة مع المجموعات المسلحة بهدف هزيمتها والقضاء عليها.
الخطة التي أعدّها الجنرال الأمريكي، لم تشمل وضع أي التزام على الاحتلال، ولا تعهدات بوضع حد للاعتداءات المتواصل أو لجم الاقتحامات التي ينفّذها جيش الاحتلال، بل مثّلت استجابة كاملة للحاجة الأمنية الإسرائيلية، بمعزل عن أي استجابة لأي مطلب فلسطيني، حتى أبسط مطالب السلطة التي تدعو إلى وقف اقتحامات الجيش لمناطق "A" التابعة للسيطرة الأمنية للسلطة.
مقدّم الخطة الجنرال الأمريكي "فينزل" يشغل موقع المنسق الأمني الأمريكي بين السلطة الفلسطينية وكيان الاحتلال، وهو ذات الموقع الذي كان يشغله الجنرال الأمريكي "كيث دايتون" الذي أشرف بشكل مباشر على تطبيق خطة تدعيم الأجهزة الأمنية وتفكيك تشكيلات فصائل المقاومة وإنهاء تجليات ومظاهر انتفاضة الأقصى.
ترحيب "إسرائيلي" وتحفّظ فلسطيني رسمي
وفق الموقع الأمريكي، حازت الخطة على الفور بالقبول والدعم الإسرائيلييْن حيث حاكت تفاصيلها الحاجة الإسرائيلية المُلحة لإيجاد حلول جذرية للمناطق التي باتت معاقل للمقاومين الفلسطينيين، ونقطة انطلاق وتحفيز للمزيد من التوسع في النشاط المُسلح. حيث عجز جيش الاحتلال خلال عام ونصف عن القضاء على هذه الخلايا.
بالمقابل، أوضحت المصادر للموقع الأمريكي أنّ السلطة الفلسطينية قدّمت مجموعة من التحفظات على الخطة، ولم تعطِ إجابة إيجابية تجاه قبول تنفيذها، معللة ذلك بأنّ الخطة لا تتلاءم مع شكل عمليات الأجهزة الأمنية التابعة لها والتي تعتمد على الحوار وليس على استخدام القوة. كذلك فإنّ الجدول الزمني الذي وضعه الأمريكيون كجزء من تنفيذ الخطة كان قصيراً جداً حيث قدّر الفلسطينيون أنّهم يحتاجون إلى وقت أطول لتنفيذ هذه الخطوة بهدف إعداد الرأي العام لذلك.
من جانب آخر، نقلت وسائل إعلام عربية عن مصدر فلسطيني كبير أنّ ما ورد في الإعلام الإسرائيلي حول الرد الفلسطيني على الخطة هو غير دقيق، كما شدّد المصدر على أنّ "الحديث عن خطة أمنية أمريكية غير وارد أصلا"، مشيراً إلى أنّ "الأوضاع تجاوزت الحديث التكتيكي، والجانب الفلسطيني متمسك بموقفه"، مضيفاً أنّ "إسرائيل" تريد أن تحوّل الأزمة إلى المربع الأمني، وهذا مرفوض فلسطينيا.
ما بين "دايتون" و"فينزل" واقع مختلف وهامش أضيق
صحيح أنّ "خطة دايتون" الأمنية الأمريكية قد نجحت في إنهاء انتفاضة الأقصى، وتفكيك البنى التحتية لفصائل المقاومة في الضفة الغربية، وأنتجت جيلاً جديداً من عناصر الأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية وفق عقيدة أمنية ترتكز على الحفاظ على مكتسبات السلطة ومواجهة وإجهاض محاولات إحياء البنى التحتية لفصائل المقاومة.
ومكّن التوقيت وظروف المشهد الفلسطيني الداخلي الجنرال "كيث دايتون" من أوراق قوة سهّلت تنفيذ مشروع دعمه وتبنّاه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي جاء إلى رئاسة السلطة حاملاً مشروعاً يعارض المقاومة المسلحة، وكان في حينه ما زال يحظى بشرعية انتخابية.
شكّل الانقسام الفلسطيني الفرصة الذهبية لـ"دايتون" والمنخرطين في خطته لاستثمار بيئة الاقتتال والاستقطاب السلبي الناتجة عن الانقسام، وهو ما عزز حاجة السلطة لتثبيت بسط سيطرتها على مقاليد الحكم والأمن في الضفة الغربية، وهيّأ الوضع المثالي لإعادة هيكلة وبناء الأجهزة الأمنية وفق المعايير المنصوصة في الخطة التي حملت اسم الجنرال الأمريكي.
مثّل وجود رئيس الوزراء الأسبق "أيهود أولمرت" على رأس حكومة الاحتلال واستعداده للتفاوض، فرصة ذهبية لرئيس السلطة الفلسطينية الذي احتاج إلى الهدوء للمضي في مسار تفاوضي كان يعوّل على أن يصل به إلى حل ينسجم مع برنامجه السياسي المرتكز على "الحل السلمي" والوصول لنتائج عبر مسار المفاوضات مع حكومة الاحتلال.
الظرف اليوم بات مختلفا، حيث لم يعد من الممكن استعمال الانقسام كشماعة لتبرير عمليات الاعتقال السياسي، كما أنّ الجيل الجديد بات غير متأثر بخطاب التناقض السياسي، ولا يرى في السلطة كيانات شرعية تعبّر عنه، ولا يرى لمشروعها أي أفق حقيقي.
لن يسهّل الواقع الحالي وتآكل شرعية القيادة الفلسطينية الرسمية من إمكانية إعادة تكرار تجربة "دايتون" ولن يكون من السهل على السلطة الفلسطينية تبنّي خطة تستند في جوهرها على فكرة الانقضاض الفج على مجموعات المقاومة في كل من جنين ونابلس، وفق الرؤية المقدمة من الجنرال الأمريكي "فينزل".
خلاصة
بالرغم من الضغوط الأمريكية والإقليمية الكبيرة الممارسة على السلطة لقبول الخطة الأمريكية الأمنية للقضاء على مجموعات المقاومة، إلا أنّ السلطة لن تحبّذ استخدام تكتيكات ستُسهم في المزيد من التجييش السلبي ضدها، وسط حالة الاستياء الشعبي الواسع من أدائها وانسداد أفقها.
بالرغم من أنّ رئيس السلطة يتبنّى موقفاً معارضاً من المقاومة المُسلحة، إلا أنّه سيفضل اللجوء لأساليب الاحتواء والتفكيك من الداخل إضافة لتنفيذ اعتقالات سياسية محددة في إطار مواجهة التمدد والتوسع في خلايا المقاومة المسلحة، دون اللجوء لخطوات كبرى قد تُسهم في تأجيج الوضع الداخلي ضد السلطة متآكلة الشرعية أصلا، لأنّ الذهاب إلى التصادم الواسع مع مجموعات المقاومة سيكون بمثابة عملية انتحار سياسي وشعبي يقضي على ما تبقى من الشرعية المتهالكة للسلطة.
كما أنّ طبيعة حكومة الاحتلال الفاشية المتطرفة وانعدام أفق أي عملية سياسية مع السلطة، وتمسّكها ببرنامجها الاستيطاني التوسعي، وخطواتها التهويدية المتسارعة الساعية لفرض وقائع جديدة على أرض الواقع لن تشكّل أي عامل محفّز للسلطة للمخاطرة باللجوء لخيارات على غرار الخطة الأمنية المطروحة.

#نتنياهو #عباس #الاحتلال #إسرائيل #الأقصى #الضفة #جنين #المقاومة #نابلس #الرئيس #الولايات المتحدة #الانتفاضة #بلينكن #دايتون #فينزل