رام الله - خاص قدس الإخبارية: تعيش المدن الفلسطينية هذه الأيام حالة شبيهة إلى حدٍ ما بالحالات التي كانت قائمة خلال انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000، فمنذ مجزرة جنين التي أوقعت 9 شهداء بالإضافة إلى شهيد في القدس المحتلة والأحداث تأخذ منحنى تصاعديًا.
وجاءت عملية القدس التي نفذها المقاوم المشتبك خيري علقم كرد على جرائم الاحتلال الإسرائيلي، وأدت عمليته لمقتل 7 مستوطنين وإصابة عدد آخر بجراح من بينها حالات خطيرة، إلى جانب عملية إطلاق النار الأخيرة التي أدت لإصابة إسرائيليين من بينهم جندي في جيش الاحتلال لتعكس حالة التصعيد.
ويتزامن التصعيد الإسرائيلي في مدن الضفة المحتلة لا سيما في جنين ونابلس مع تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية في القدس المحتلة وارتفاع وتيرة الاقتحامات للمسجد الأقصى وأداء طقوس تلمودية كالسجود الملحمي إلى جانب رفع العلم الإسرائيلي والتبول على أحد جدرانه كما جرى قبل أيام.
وبحسب تقرير للقناة السابعة العبرية فإن الأسابيع الأخيرة شهدت تصاعدًا في أعداد المستوطنين من مقتحمي المسجد الأقصى، ووفقا للتقرير فإن الأسبوع الأخير شهد زيادة بأكثر من ثمانية في المئة، مقارنة بالأسبوع المقابل، من العام الماضي، وإلى جانب ذلك فإن اقتحام وزير الأمني القومي في حكومة الاحتلال الإسرائيلي إيتمار بن غبير للأقصى أدى إلى زيادة عدد المقتحمين؛ وقال التقرير إن الفترة الأخيرة شهد تسجيل زيادة تصل إلى 7% في عدد المقتحمين للأقصى، مقارنة بالعام الماضي.
في المقابل لم تغب المقاومة الفلسطينية عن المشهد إذ أطلقت قادتها تهديدات واضحة بأن غزة غير بعيدة عما يجري في الضفة والقدس المحتلة، إلى جانب إطلاق الصواريخ الذي طال مدينة عسقلان المحتلة واستهداف طائرات الاحتلال بمنظومة صواريخ أرض - جو.
وفي مشهد موازٍ، كانت السلطة هي الأخرى حاضرة أمام التطورات الميدانية الحاصلة في المشهد الفلسطيني عبر إعلانها وقف التنسيق الأمني والتوجه لمجلس الأمن ومحكمة الجنايات الدولية بعد مجزرة جنين الأخيرة والعدوان الإسرائيلي عليها.
أما شعبيًا فيبدو الفلسطينيون في أشد أيامهم غضبًا ورغبة في تحقيق الانتقام والردع ضد الاحتلال وحكومته الحالية التي يتزعمها بنيامين نتنياهو وعضوية كل من سموتريتش وإيتمار بن غبير، لا سيما وأنها تنفذ أجندة تصفية وحسم للصراع.
حالة طبيعية.. وسيناريوهات متوقعة
من جانبه، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل بلال الشوبكي إن المشهد القائم على الساحة الميدانية الفلسطينية هو صورة طبيعية في ظل وجود حكومة مثل هذه الحكومة اليمينية الأكثر استعدادًا في تنفيذ المزيد من البطش تجاه الفلسطينيين.
ويضيف الشوبكي لـ "شبكة قدس" أن ما يساعد الحكومة الحالية عن سابقاتها من الحكومات هو عدم وجود ردع فلسطيني أو إقليمي أو دولي لها، بالرغم من وجود بعض المجموعات المقاومة القائمة في الضفة المحتلة عبر خلايا في بعض المناطق.
ويرى أن أي تغيير حقيقي في المشهد بالضفة المحتلة مرتبط بأن يكون إعلان السلطة وقف التنسيق الأمني ليس مجرد قرار فقط وأن يكون هناك غطاء للشارع الفلسطيني للانتفاض في وجه الاحتلال والتصدي لسياساته وعدوانه المستمر.
وبحسب أستاذ العلوم السياسية فإن تجاوز التصعيد للضفة المحتلة مرتبط بما تقدم عليه الحكومة الإسرائيلية من عمل لا سيما وأن هناك جزء غير مرتبط بالفلسطينيين؛ وإنما مرتبط بمحاولة هروب الحكومة من الضغط الداخلي الإسرائيلي.
ويشير إلى التحركات التي تتم على المستوى الدولي لا سيما الولايات المتحدة التي سترسل مندوبها إلى المنطقة من أجل ضبط المشهد على المستوى الميداني الفلسطيني والإسرائيلي حرصاً على عدم تدهور الأمور في الضفة المحتلة وانزلاقها لسيناريوهات جديدة.
أما عن المقاومة في غزة، فيقول الشوبكي: "إذا ما زادات السياسات العدوانية الإسرائيلية فلا أظن أن الفصائل الفلسطينية قادرة على المحافظة على حالة الهدوء بالرغم من الثمن الذي قد يدفعه الفلسطينيون في غزة، ورغم أن حركة حماس غير معنية بالتصعيد كونها تدير شؤون القطاع وتسعى لتجنيب السكان جولة جديدة بعد أقل من عامين على الجولة الماضية".
ووفقاً للشوبكي فإن السياسات الإسرائيلية قد تجعل الفصائل الفلسطينية تدخل على خط المواجهة القائم بشكل اضطراري في ظل الانتهاكات المتزايدة إلى جانب أن مصداقيته ستكون على المحك لا سيما وأن الخطاب الإعلامي الذي تلى معركة سيف القدس ما يزال صداه قائمًا حتى الآن.
وبشأن نجاح التحرك الأمريكي لاحتواء الحالة، يستبعد أستاذ العلوم السياسية أن تنجح الجهود بشكل كامل حيث سيكون هناك محاولات للتهدئة غير أن الحكومة الإسرائيلية الحالية غير معنية باستراضاء واشنطن بالرغم من العلاقات الإستراتيجية التي تجمعهم.
ويردف قائلاً: "حتى اللحظة نتنياهو يخضع لضغط حلفائه في الحكومة فهو يعلم أن الحكومة هشة وضعفها في مثل هذه الحالة يجعل من يتحكم بالمشهد الأقلية التي تحافظ على استقرار الحكومة مثل بن غبير وسموتريتش وبالتالي سيبقى رهينة لتصرفاتهم حاليًا".
ويعتقد الشوبكي أن السلطة الفلسطينية وإن أعلنت وقف التنسيق الأمني أو تجميه فإنه لن يكون بمقدورها الاستمرار في عملها في ظل وقفه، وكان يجب أن يكون هناك خطوات تتوافق مع هذا الإعلان لكيفية التعامل مع الاحتلال بعيدًا عن خيار حل الدولتين الذي أجهضه الإسرائيليون.
حالة حرب.. حكومة فاشية
في المقابل، يرى الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل أن الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تمارس سياسات تكتيكية، بل تمارس حرب وهي حكومة فاشية تشن العدوان على الفلسطينيين وتعلن ذلك بشكل واضح ومباشر دون مواربة أو موارة لذلك.
ويقول عوكل لـ "شبكة قدس" إن من يقود الحكومة علنياً سموتريتش وبن غبير وهم الأكثر التصاقاً بالقضايا الخاصة بالشأن الفلسطيني، وهو ما يجعل الأحداث الأخيرة التي تشهدها المدن الفلسطينية أقرب لحالة حرب منها لمفهوم "التصعيد".
ويرى أن المشهد ماضٍ في سيناريوهات أسوأ خلال الفترة المقبلة إذا ما أقدم الاحتلال على هدم الخان الأحمر أو عمل على إخلاء مسافر يطا إلى جانب سلوكه في القدس المحتلة والاقتحامات المتتالية للمسجد الأقصى المبارك خلال الفترة الأخيرة.
ويستكمل عوكل قائلاً: "السلطة تعيش تحت حالة ضغط إسرائيلي من جانب، ومن جانب آخر تحت ضغط شعبي فلسطيني إذ أن ما يقوم به الاحتلال هو سلوك مخجل بالنسبة للسلطة ويدفع بها نحو الزاوية وسط تزايد الدعم والتعاطف الجماهيري مع الظواهر المسلحة كعرين الأسود وكتيبة جنين وكتائب القسام".
أما عن سيناريو دخول غزة على خط المواجهة، يعتقد الكاتب والمحلل السياسي أن غزة ليست بعيدة عما يجري فالمجموعات القائمة بالضفة حاليًا هي محسوبة على الأذرع العسكرية وفصائل المقاومة في غزة لا سيما الجهاد الإسلامي وحماس.
ويستدرك قائلاً: "ربما يكون من الحكمة السياسية ألا تدخل غزة على الخط خلال الفترة الحالية، إذ أن هناك تناقضات داخل المشهد السياسي الإسرائيلي بدأت تتفجر وهي صعبة والمراهنة على تعميق هذه التناقضات يكمن في عدم إعطاء الحكومة فرصة الذهاب لحرب تؤدي إلى وحدة بين الإسرائيليين وهي ما يجعل فصائل المقاومة في هذه الفترة على درجة عالية من الحذر".
ولا يستبعد عوكل فرصة اندلاع هبة شعبية واسعة النطاق تتخطى ما جرى عام 2021، وحتى ما جرى عام 2000 حينما اندلعت انتفاضة الأقصى، كون الحماقة الإسرائيلية لا خطوط حمراء لها ولا تتوقف عند حدود معينة في ظل الحكومة الحالية، وفقاً لتعبيره.
مشهد إسرائيلي معقد
من جانبه، يرى المختص في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور أن المشهد معقد نوع ما بالنسبة للاحتلال فمن الواضح أن هذه الحكومة وأجهزتها لا تحمل سقف برنامج أو مشروع وهي لديها أجندة وضعت لها ميزانيات ووزعت صلاحياتها وجهزت الأدوات لتنفيذ مخططاتها.
ويلفت منصور في حديثه لـ "شبكة قدس" إلى أن هذه الأجندة والمخططات متعلقة بالقدس المحتلة والمسجد الأقصى المبارك إلى جانب مناطق "ج" في الضفة الغربية المحتلة عدا عن ملف الأسرى الفلسطينيين وهو ما سيخلق صدام بشكل حتمي.
ويؤكد على أن مشروع الحكومة التي يتزعمها نتنياهو يدفع نحو الصدام ويضعف السلطة ويخلق واقع أمني وميداني ويحسم الصراع بشكل كبير حاله تنفيذه بشكل كبير في الضفة الغربية المحتلة، وهو ما يجعل المواجهة مع هذه الحكومة قريبة.
وخلافًا لكل الآراء بشأن دخول مقاومة غزة، يرى منصور أن الاحتلال يعتقد أن من مصلحته إبقاء غزة بعيدة عن الساحة والمواجهة من أجل تعزيز الفصل بين الساحات واحتواء الفصائل من أجل السيطرة على المشهد في الضفة والقدس المحتلتين.
أما عن ردة الفعل الإسرائيلية تجاه إعلان السلطة وقف التنسيق الأمني، فذكر أن الإسرائيليين نظروا له على أنه إعلان إعلامي لفظي في ظل ضغط شعبي وحالة إحباط تمر به السلطة، وهذه المسألة ليست تغير في سياسة السلطة بل هي وهي واحدة من أدوات الضغط واستجلاب تدخل أمريكي وأوروبي للضغط على الاحتلال.