فلسطين المحتلة - قُدس الإخبارية: يدخل الجنرال هرتسي هليفي اليوم إلى الطابق الرابع عشر في مقر وزارة جيش الاحتلال، في "تل أبيب" وسط فلسطين المحتلة، ليكون رئيس أركان جيش الاحتلال رقم 23 خلفاً لأفيف كوخافي الذي تنتهي ولايته في المنصب تاركاً خلفه إرثاً ثقيلاً من المعضلات الأمنية والسياسية والداخلية.
هرتسي هليفي الذي ترقى في المناصب العسكرية وصولاً إلى منصب قائد جيش الاحتلال خدم في عدة مجالات (القوات الخاصة، قيادة قوات المظليين، قيادة المنطقتين الشمالية والجنوبية، قائد الاستخبارات العسكرية، ونائب رئيس الأركان)، يستعد لمواجهة تحديات داخلية وخارجية بعضها استجد في الأسابيع القليلة الماضية.
التحدي الثابت: في الضفة مقاومة متجددة وفي غزة والإقليم أعداء متربصون
التحدي الثابت أمام أي رئيس أركان في جيش الاحتلال هو المقاومة في الضفة وغزة والإقليم. يصل هرتسي هليفي إلى المنصب في ظل إعادة بعث المقاومة المسلحة في الضفة المحتلة، التي عادت إلى قائمة التحديات الأبرز أمام دولة الاحتلال.
وفي ساحة غزة، تواصل المقاومة بناء قوتها استعداداً للمواجهة المقبلة التي لا يعلم أحد على وجه الدقة شكلها ولا اللحظة التي ستنفجر فيها، بعد شهور من محاولات الاحتلال لفك الارتباط بين قضايا غزة والضفة والداخل، الذي رسم في معركة "سيف القدس"، وتجدد في معركة "وحدة الساحات".
وفي الإقليم، ما زال خطر انتشار الصواريخ الدقيقة في الساحات المحيطة بدولة الاحتلال يشكل هاجساً للدوائر الأمنية والسياسية الإسرائيلية، خاصة في ساحتي لبنان وسوريا التي يسعى الاحتلال لمنع أي تمركز لمجموعات المقاومة أو إيران فيها.
وعلى صعيد الملف النووي الإيراني، سعى رئيس أركان جيش الاحتلال المنتهية ولايته أفيف كوخافي لتقديم "إنجاز" للمجتمع الصهيوني على أن الجيش "جاهز لتوجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني"، لكن جنرالات وقادة سابقين في المستويات الأمنية والعسكرية يؤكدون أن هذا الملف الشائك لا يواجه بتدريبات، ويؤكدون أن الجيش غير جاهز لسيناريو حرب مع إيران رغم الميزانيات الكبيرة التي خصصتها الحكومة لهذا البند منذ سنوات.
التحديات الداخلية: جيش بثلاثة رؤوس
التحدي الذي استجد في الأسابيع الأخيرة أمام رئيس الأركان الجديد، هو الوقائع الحكومية التي خلقها الاتفاق بين بنيامين نتنياهو وقادة الصهيونية الدينية.
منح الاتفاق الحكومي وزير المالية سموتريتش من حزب "الصهيونية الدينية" صلاحيات للسيطرة على ما تسمى "الإدارة المدنية"، وهي الجهاز المسؤول عن تطبيق سياسات الاحتلال خاصة في المناطق المصنفة "c"، بالإضافة لتعيين منسق حكومة الاحتلال في المناطق الفلسطينية، وهي المسؤوليات التي تقع على عاتق قائد جيش الاحتلال عادة.
هذه التوليفة الهجينة التي خلقها نتنياهو لإرضاء "الصهيونية الدينية"، دفعت قادة سابقين في جيش الاحتلال ورئيس الأركان كوخافي إلى التحذير من ازدواجية المناصب التي قد تؤثر على عمليات الجيش، وهو ما أثار نقاشات واتهامات بين قائد الجيش ورموز "الصهيونية الدينية"، الذين اتهموه بتسييس الجيش.
على صعيد متصل، أثار قرار وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال إيتمار بن غفير نقل قوات حرس الحدود من الضفة إلى الداخل والنقب انتقادات في صفوف ضباط الجيش وعلى رأسهم كوخافي الذي اعتبر أن إفراغ الضفة من حرس الحدود يعني زيادة العبء على الجيش وقوات الاحتياط، وهو ما يشكل إنهاكاً لها يذكر بنتائج لجنة التحقيق التي شكلها الاحتلال بعد حرب 2006 في لبنان، وكان من جملة النتائج التي خرجت بها أن تورط وحدات الجيش "المدفعية، المشاة" وغيرها في الضفة وغزة، خلال انتفاضة الأقصى، حولها إلى "قوات شرطية" نسيت أداء مهمات عسكرية في ميدان عسكري واسع.
وفي تحدي آخر لصلاحيات قائد الجيش، منح نتنياهو قادة "الصهيونية الدينية" صلاحيات تعيين حاخام عسكري للجيش من خارجه.
هذه التحديات تدور حول معارك عميقة تتوسع داخل مجتمع الاحتلال، وهي رؤية كل طرف للقواعد الأمنية والسياسية التي يجب أن تسير الدولة عليها خاصة في الضفة المحتلة، والانتشار المكثف لأبناء التيارات "الصهيونية الدينية" في الوحدات القتالية، وهو ما عبرت عنه شكاوى الضباط من تمرد جزء من هؤلاء الجنود على أوامرهم، في ظل تجمع أبناء الطبقات العليا في الوحدات الأكثر ضماناً للمستقبل الاقتصادي بعد انتهاء الخدمة العسكرية "وحدات السايبر وغيرها".
تعليقاً على برنامج إعلامي إسرائيلي، قبل سنوات، سخر من فكرة "الاختلافات" في المجتمع الصهيوني، قال هليفي إن الجيش هو وعاء "صهر" لهذه الفسيفساء، لكن في الواقع أصبح الجيش في السنوات الماضية في بؤرة الاتهامات من المجموعات المختلفة، وكان أبرز تجليات هذه المرحلة الهجوم على رئيس أركان جيش الاحتلال غادي آيزنكوت بعد معاقبته جندياً أعدم الشهيد الشريف، في الخليل، بسبب "مخالفته قواعد الجيش"، ثم الاتهامات والانتقادات من جانب قادة "الصهيونية الدينية" لكوخافي بعد معاقبة جندي اعتدى على نشطاء من اليسار في الخليل.
تحديات تطوير الجيش
ما زال تحدي "تطوير جيش الاحتلال" ماثلاً أمام كل رؤساء الأركان الذين تعاقبوا على المناصب، في السنوات الماضية، خاصة بعد فشل جيش الاحتلال في تحقيق "النصر" أو "صورة النصر" على الأقل، أمام مجموعات المقاومة التي تختلف في بنيتها التنظيمية والقتالية عن الجيوش التي قاتلت دولة الاحتلال، حتى عام 1973.
يرحل كوخافي عن المنصب بعد وعودات كبيرة بأن يحقق "الجنرال الفيلسوف" نقلة نوعية في الجيش، لكن الكلام الكبير الذي أطلقه حول بناء جيش "فتاك وقاتل" كان "باهتاً" في الواقع في ظل فشله أيضاً في تحقيق نصر على مجموعات المقاومة، خاصة في غزة، في معركتي "سيف القدس" و"وحدة الساحات".
يتولى هرتسي هليفي المنصب بعد سنوات من خطتين وضعهما غادي آيزنكوت وأفيف كوخافي، لكن الانتقادات والشكوك من ضباط وقادة عسكريين سابقين ما زالت تلاحقهما، في ظل "الأزمة" التي لم تعالج في الذراع البرية في الجيش، خاصة في ظل الاستخلاصات من الحرب الأوكرانية التي أكدت أن التفوق التكنولوجي لا يحسم الحرب.