شبكة قدس الإخبارية

كرة اللهب تتدحرج

الاعتقال-السياسي
يحيى اليعقوبي

لم يعد يتحمل المواطنون في الضفة استمرار الضغط والقبضة الأمنية المتواصلة من قبل أجهزة أمن السلطة التي تشن حملات اعتقالات سياسية على طلبة الجامعات والأسرى المحررين من سجون الاحتلال، والمعارضين من الأحزاب السياسية الأخرى، والمقاومين وكل من يريد مواجهة الاحتلال.

عبر المواطنون عن حالة الغضب في نابلس حاليًا بخروج مسيرات رافضة للاعتقال أمس وأول أمس، في المقابل واجهت أجهزة أمن السلطة كعادتها المسيرات بمزيد من القمع والقبضة الأمنية الشديدة، إطلاق وابل كثيف من قنابل الغاز لتفريق المتظاهرين، الاعتداء، واعتقال العشرات.

تعتقد أجهزة أمن السلطة أن هذه أفضل طريقة لإنهاء حالة الرفض الشعبي ووقف المسيرات، لكن في الحقيقة الواقع مختلف تمامًا فهناك كرة لهب غاضبة تتدحرج وإن كان تدحرجها حاليًا بطيئًا فقد يتسارع دورانها بالمرحلة المقبلة وبأماكن مختلفة.

ليست هذه المرة الأولى التي تصطدم الأجهزة الأمنية بالضفة بالشعب، فبعد اغتيال الناشط والمعارض السياسي نزار بنات في 24 حزيران/ تموز 2021 في الخليل، خرجت مظاهرات احتجاجية في رام الله، واستخدمت السلطة هراوات القمع لفض الاحتجاجات السلمية، واعتقلت المشاركين.

وبرز خلال الاحتجاجات أن المشاركين لم يكونوا من أبناء خصوم السلطة، بل من الحقوقيين والناشطين بمجال حقوق الإنسان ومنظمات تعنى بشؤون المرأة، مع ذلك قمعتهم بكل قسوة، لتكميم الأفواه وقمع حرية التعبير عن الرأي.

الصدام الثاني حدث، لحظة اعتقال المطارد مصعب "اشتية" وما تبع ذلك من تظاهرات واحتجاجات كبيرة على دوار الشهداء في نابلس، استخدمت أجهزة أمن السلطة الرصاص الحي، أدى لمقتل المواطن فراس يعيش في 20 سبتمبر/ أيلول 2022.

واليوم يتكرر الصدام الثالث بين الشعب والسلطة، بعد تسريب رسالة من المعتقل "اشتية" وصورة له يشتكي ظروف اعتقاله، لكن اللافت في الأمر أن الدعوات مستمرة بحيث ستنظم مسيرة مساء اليوم الخميس، وغدا بعد صلاة الجمعة التي ستوجه إليها الأنظار، وستحدد مسار الوضع في نابلس إن كانت ستتواصل المسيرات أم لا، فحجم المشاركة ستكون عاملاً مهمًا في الضغط على السلطة ودفعها للاستجابة.

واضح أن هناك حالة غليان واحتقان جماهيري وشعبي ضد سلوك الأجهزة الأمنية واستمرار قبضتها الأمنية المتواصلة على أبناء الشعب الفلسطيني، وهذا يخلق بطبيعة الحال روح التحدي لدى الجماهير، بحيث تسير باتجاه معاكس لما تريده السلطة، ربما قد تتوقف المسيرات أو تستمر.

في المقابل تريد السلطة إعادة ما يسمى بـ "الهدوء" لنابلس، عبر مساومة بعض المطاردين بإغراءات مالية مقابل تسليم السلاح، أو الضغط الأمني، وفي إطار ذلك تستمر في الاعتقال السياسي بحيث تصعد حملاتها الأمنية، فقد سجلت لجنة أهالي المعتقلين السياسيين قرابة ألف حالة اعتقال خلال عام 2022، بينهم عشرات الطلاب والمحررين وهذا تطور غير مسبوق.

كل ما تفعله أجهزة أمن السلطة، لن يعيد حالة "الهدوء" التي تريدها هي وجيش الاحتلال، فالأوضاع بالضفة خرجت عن سيطرة الطرفين، وهناك جيل "الشبان والفتيان" في مطلع العشرينات وأقل من ذلك قادم ويأخذ زمام المبادرة في القرى والبلدات ويتصدى بالحجارة والزجاجات الحارقة لقوات الاحتلال المتوغلة ومستوطنيه، بالتزامن مع تصاعد واتساع رقعة المقاومة ومحاولة المقاومين تعزيز حالة الدفاع بتطوير العبوات الناسفة، وهي ماضية في تطوير قدراتها.

تحاول أجهزة أمن السلطة إرسال رسائل لحكومة الاحتلال المتطرفة الجديدة والتي تضم وزير ما يسمى "الأمن القومي" إيتمار بن غفير أنها تمارس دورها في التنسيق الأمني، لتجنب أي عقوبات، ولكن رغم ما تفعله السلطة إلا أن حكومة الاحتلال اقتطعت مؤخرا 190 مليون شيكل من ضريبة المقاصة بذريعة دفعها لذوي جنود ومستوطنين قُتلوا في عمليات بطولية فلسطينية، و50 مليون شيقل تضاف إلى الاقتطاعات السابقة من مخصصات أُسر الأسرى والشهداء.

القبضة الأمنية للسلطة ألغيت في جنين واستطاع المقاومون تجاوزها مما ساهم في تصعيد حالة المقاومة، وهذا النموذج الآن يحصل في نابلس وأعتقد أن تجربة جنين ستتكرر، وستفقد الأجهزة إمكانية السيطرة، لأن الشعب لم يعد يستطيع القبول بالواقع المعيشي والاقتصادي والسياسي، في ظل ارتكاب المستوطنين وجيش الاحتلال لجرائم إعدام ميدانية متواصلة، بحق الأطفال والنساء وكبار سنين وحرق المنازل وتجريف وهدم الأراضي والاعتداء على المسجد الأقصى.

فأي حر لن يصمت على جرائم المستوطنين والاحتلال حتى لو خرج من داخل بيت السلطة نفسها التي خرج منها الشهيد أحمد عابد الذي قتل ضابطا إسرائيليا خلال اشتباك مسلح، والضابط أحمد علاونة الذي استشهد في اشتباك في جنين.

بالتالي على تلك الأجهزة قراءة رسائل الغضب الجماهيري بالكف عن اعتقال المواطنين وملاحقة المقاومين، قبل أن ينتفض الشعب في وجهها.

#السلطة #التنسيق_الأمني #الاعتقالات