في 11-8-2019 تقاطعت ذكرى "خراب الهيكل" العبرية مع عيد الأضحى، وجرى الحشد والتحذير على مدى شهر سابق، وتعمد الاحتلال التعمية على قراره إن كان سيسمح بالاقتحام أم لا. كان المسجد عامراً بأكثر من مئة ألف مصلٍّ. أصدر مكتب نتنياهو خبراً مفاده أنه سيمنع الاقتحام، انفض المائة ألف وبقي منهم ألف واحد رغم أن مئات المتطرفين الصهاينة كانوا ما يزالون ينتظرون الاقتحام عند باب المغاربة. انطلت الخديعة وتركت جرحاً غائراً.
طوال العام الماضي 2022، ومنذ ما قبل عدوان "الفصح العبري" والحديث عن القربان الحيواني؛ امتلأت المواقع والشاشات بالتهديدات من القادة السياسيين لحركات المـ.قـاومة، اطمئننا إلى أن التهديد سيفعل فعله؛ فاقتحم جنود الاحتلال المسجد الأقصى فجر الجمعة 15-4-2022 واعتقلوا أكثر من 480 وأصابوا المئات، أكثر من 30 كانت إصابات في الرأس والعين وكان أسوأ اقتحام شهده الأقصى في تاريخه منذ الاحتلال.
عاد القادة للتهديد من جديد، "هذه الصورة يجب أن لا تتكرر"، وكأن المسجد القبلي وسجاده أقدس من بقية المسجد الأقصى.
في اقتحام الفصح الثاني الذي هو مناسبة هامشية، ثم في اقتحام النكاية في ذكرى النكبة 15-5 تكرر المشهد، لم نفعل شيئاً، اختصرنا المعادلة بالصواريخ وأهملنا قيمة الرباط والفعل الشعبي، والاحتلال سعيد بما نفعل.
لم نكتفي بذلك، قبل مسيرة الأعلام في 29-5-2022، تكررت قصة التهديد والوعيد، واختزال معادلة من 4 عناصر قوة مجربة في عنصر واحد هو المقـاومة المســلحة في غزة.
شهد المسجد أول طقوس علنية جماعية شارك فيها عشرات المستوطنين، ولم تتدخل المـقـاومة بطبيعة الحال لأنها لم تكن تملك عنصر المفاجأة وكان الاحتلال مستعداً ويجري مناورة واسعة لجيشه، ولم يكن الظرف مواتياً لمعركة.
اليوم مع تهديد بن جفير يتكرر الدرس للمرة الخامسة، عملية تضليل واضحة؛ انتشر بالأمس تقييم واضح بأن اليوم يشكل ذكرى دينية لن يغامر بن جفير بتفويتها، وبأن ما ينشره الإعلام العبري تضليل؛ لكننا من جديد آثرنا الانتصارات السهلة على التعبئة والرباط، وساهم إعلامنا في تخدير الحالة الشعبية في تحليل مسهب عن معادلات الردع وعودتها للعمل.
في كل الأحوال أعلاه منحنا الاحتلال مكاسب مجانية؛ إذ كان يسعنا الاحتياط وأن نقوم بالواجب لحماية مقدسنا بغض النظر عن قرار الاحتلال، وكان يسعنا في معظم الأحيان مجرد الصمت، وأن لا ننساق إلى فخ التصعيد الكلامي والاحتفال المبكر؛ لكننا لم نحسن حتى الصمت.
وقوعنا في الفخ ذاته أكثر من خمس مرات يستدعي التوقف والمراجعة وتعديل السلوك؛ فالأصل أن لا نلدغ من جحرٍ مرتين؛ فكيف بها إن زادت عن خمس!
معركة المسجد الأقصى معركة وجودية بالنسبة لليمين الصهيوني؛ فالإحلال الديني في الأقصى هو لب الصهيونية وجوهرها الذي ينتظر التحقيق وفق تنظيره، والمعركة عليه لن تكون سهلة، وإن كانت مرشحة لأن تكون نصراً إذا ما خضناها بالكامل وحتى نهايتها.
نحن لدينا معادلة ردع من خمس عناصر: أولها وأهمها الرباط والفعل الشعبي، وثانيها عـ.ـمليات المبادرة الفردية، وثالثها التفاعل الشعبي الخارجي، ورابعها فعل المـقـاومة المنظمة من قطاع غزة، ويدخل اليوم عنصر خامس هو المقاومة المنظمة في حواضن محدودة في الضفة أفلتت من قبضة التنسيق الأمني كما في كتـيبة جنين وعـ.ـريـ.ـن الأسود. علينا خوض المعركة بعناصر قوتنا الخمس، بكل ما في كل منها من محدوديات، لأن الخمسة معاً بالكاد تكفي لخوض هذه المعركة؛ ومحاولة اختزالها وتسطيحها في عنصر أو عنصرين يهدي الاحتلال مكاسب مجانية ويجعلنا أضعف.
يتجه الاحتلال نحو عدوان واسع ما بين 6 وحتى 13 من شهر 4-2023، الموافق للأسبوع الثالث من رمضان القادم، وإن كنا نريد أن نبني على ما تحقق في 5 هبات ناجحة مضت، وعلى معركة سـ.ـيـ.ـف القدس فلا بد من أن نتمسك بمكونات المعادلة الخمس، وأن نستثمر في الحالة الشعبية لأنها الهواء الذي تتنفسه بقية عناصر المعادلة؛ وأن نقوم بواجبنا تجاه مقدسنا بغض النظر عن قرارات الاحتلال وألاعيب إعلامه؛ وأن لا نستسهل الانتصارات السريعة والإعلامية وأن نلتزم الصمت وأن لا نهدد إلا عندما يكون الفعل حاضراً، بل لعل الواجب أن يسبق الفعلُ التهديد.
تناقضات المحتل قائمة، والأقصى هو العنوان الأمثل لتفجيرها شرط أن نخوض المعركة بحق، كما فعلنا مراراً من قبل.