القدس المحتلة - خاص قدس الإخبارية: لم تغب مدينة القدس والمسجد الأقصى خلال عام 2022 عن جوهر الأحداث الفلسطينية بعد عام 2021 الذي كانت القدس مركزًا للأحداث بداية من هبة باب العمود مرورًا بمعركة سيف القدس.
وبحسب تقرير محلي فقد سجلت العاصمة قرابة 20 شهيدًا ومئات المعتقلين والمبعدين عن المسجد الأقصى، فيما بلغ عدد مقتحمي الأقصى خلال المناسبات والأعياد الدينية أكثر من 54201 مقتحم، رافق اقتحامهم انتهاكات كثيرة أبرزها الاقتحام من باب الأسباط لأول مرة منذ عام 1967، إضافة لطقوس تلمودية ورفع العلم الصهيوني جماعيًّا ونفخ البوق.
وشهد الربع الأخير من العام أحداثا استثنائية تمثلت بعودة عمليات التفجير التي غابت عن المدينة منذ سنوات الانتفاضة الثانية، وفيها حضر الشهيد عدي التميمي الذي طارد وطورد على مدار 12 يوما قبل أن يرتقي بعد تنفيذه عمليتي إطلاق نار.
وفي سابقة خطيرة أعلنت وزارة القضاء الاحتلالية بدء عملية تسجيل ملكية الأراضي الملاصقة لسور الأقصى، وبالتحديد في منطقة القصور الأموية جنوبا في السجل العقاري (الطابو) الإسرائيلي، كما طالت الاعتداءات مقبرة باب الرحمة الإسلامية الملاصقة لسور المسجد الأقصى من الناحية الشرقية.
مشاريع استيطانية ومجزرة هدم مستمرة
ولم يتوقف طيلة العام الإعلان عن التصديق أو عن طرح مشاريع استيطانية جديدة بما فيها بناء آلاف الوحدات الاستيطانية في عدة أحياء بالقدس أبرزها شعفاط والعيساوية وبيت صفافا وبيت حنينا ورأس العامود.
وأحد المشاريع التي أعلن عنها تستهدف 4 قرى مقدسية مهجرة هي لفتا وصطاف ووادي صرار وعين كارم ببناء 6 آلاف وحدة استيطانية جديدة على أراضيها.
ومقابل الإعلان عن بناء مزيد من الوحدات السكنية لمصلحة المستوطنين استهدفت أنياب جرافات الاحتلال ممتلكات المقدسيين بالهدم طيلة العام حيث سجلت 176 حالة هدم منها 69 حالة هدم ذاتي قسري.
أما عن الاعتقالات فقد اعتقلت قوات الاحتلال خلال هذا العام 2996 مواطنا من القدس، وسجل هذا الرقم ارتفاعا بنسبة 20% عن عام 2021 الذي وثقت فيه 2488 حالة اعتقال، وهو رقم أعلى بنسبة 26% عن عام 2020 الذي سُجلت فيه 1979 حالة اعتقال، وفقا لبيانات مركز معلومات وادي حلوة.
في هذا السياق، يقول الباحث والمختص في شؤون القدس زياد ابحيص إن أحداث عام 2022 تقرأ إجمالاُ بوصفها ذروة معركة التصفية في القدس، والتي افتتحها قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني في 6-12-2017 متزامناً مع مئوية احتلالها، ليمنح بذلك الغطاء العلني من الراعي الاستعماري للكيان الصهيوني لتصفية هوية مدينة القدس، والتصفية هنا لا تطال القدس وحدها بالطبع فهي عنوان لتصفية القضية الفلسطينية بالعموم.
ويضيف ابحيص لـ "شبكة قدس": "دارت هذه المعركة على مدى خمس سنواتٍ مضت في مسار متعرج، تقدم فيه الاحتلال أحياناً بفرض الطقوس التوراتية في الأقصى وفي المقبرة اليوسفية وفي بالسيطرة على مواضع مهمة في حي الشيخ جراح ومن خلال مجازر الهدم الكبرى وإجراءات الإبعاد والطرد، وفرضت عليه التراجعات في أماكن أخرى كما في هبة باب الرحمة وفي الشيخ جراح وفي اقتحام 28 رمضان في عام 2021 وفي الخان الأحمر".
ويتابع: "يمكن القول إن العنوان العام للسلوك الصهيوني في القدس خلال عام 2022 كان محاولة تقويض معادلة سيف القدس، لم يكن مريحاً ولا مقبولاً للاحتلال الذي يحارب ليستعرض سيادته المزعومة على القدس أن تصبح المقاومة الفلسطينية جزءاً من معادلة الردع فيها، وأن يكون ردها مفروضاً على تفكير صناع القرار فيه وهم يقبلون على تهجير الشيخ جراح أو سلوان، أو وهم يخططون لاقتحام الفصح العبري في رمضان أول لمسيرة الأعلام في يوم 19-5-2022، وهذا ما أنتج عملياً سياسة حافة هاوية مستمرة، كانت تتطلب وضع الجيش الصهيوني وكل الأذرع الأمنية في حالة تأهب إبان كل عدوان واسع في القدس، سواء في رمضان في عيد القصح العبري أو في معركة العلم في 29-5 أو في اقتحام ذكرى "خراب الهيكل" في 7-8-2022 الذي جاء تحت النار فعلياً، وكان جزءاً مركزياً من اختيار توقيت العدوان على قطاع غزة".
ويشير إلى أن قراءة المعركة في القدس بمساراتها الأساسية خلال عام 2022 فيمكن رسمها في إطار أربعة مسارات أساسية، المسار الأول: العدوان على المسجد الأقصى حيث كان فرض الطقوس التوراتية العلنية في الأقصى الهدف المركزي المحمول من السنوات السابقة، فانتقلت محاكم الاحتلال في شهر 4-2022 لمحاولة شرعنة الصلوات اليهودية العلنية في الأقصى، بعد محاولة شرعنة الصلاة الصامتة في 10-2021، وشهد المسجد الأقصى أكبر "سجود ملحمي" جماعي في تاريخ الأقصى منذ اقتحامه حيث شارك فيه عشرات المتطرفين الصهاينة في الساحة الشرقية للأقصى صباح يوم 29-5، وقد استمر هذا مع نفخ البوق في الأقصى وإدخال القرابين النباتية إليه في شهر 9 و 10 خلال موسم الأعياد التوراتية الطويل.
ويردف: "كان ضرب ما تبقى من دور حراس المسجد الأقصى المبارك ضرورياً في هذا السياق، فاستمرت عمليات اعتقالهم وإبعادهم منذ شهر 12-2021 و 1-2022، وجرى استهدافهم بإصاباتٍ في الرأس في الهجوم الوحشي يوم 15-4-2022 في التمهيد لاقتحامات الفصح العبري، واستمر استهدافهم وإبعادهم حتى عدوان الأنوار العبري قبل أيام".
ويلفت ابحيص إلى أن المسجد الأقصى شهد خلال عام 2022 ظاهرة مقلقة لم تعالج حتى الآن تمثلت بتساقط الحجارة في مصلى الأقصى القديم الواقع تحت المصلى القبلي، في إشارة تبنئ عن وضع مقلق للتسوية الجنوبية الغربية للمسجد الأقصى بالإجمال، وهي التسوية المغلقة المقابلة للمصلى المرواني من جهة الغرب، وآخر ترميم لأجزاء منها كان قبل 86 عاماً على الأقل في 1936.
ووفقاً للمختص في شؤون القدس فإن المسار الثاني يتمثل في معركة العلم وكانت معركة سيف القدس قد انطلقت من مسيرة الأعلام تحديداً، ما جعلها تتفرق وتعاد الدعوة إلى تنظيمها مرتين قبل أن تنفذ فعلياً في الدعوة الثالثة، وقد كانت تلك رسالة واضحة بغياب السيادة المزعومة على المدينة ما دامت كل القوة لا تسمح بتمرير مسيرة للمستوطنين إلى بلدتها القديمة، وشكل ذلك التمهيد لتحول العلم إلى معركة رمزية على هوية المدينة.
ويستكمل: "جاء التمهيد الثاني مع ارتقاء الصحفية شيرين أبو عاقلة في 11-5 وما شهدته جنازتها الحاشدة من معركة على الهوية كان عنوانها العلم الفلسطيني، فجاء يوم 29-5 موعد مسيرة الأعلام لتجري خلاله مسيرة أعلام فلسطينية في شارع صلاح الدين، وتعليق الأعلام في كل أنحاء المدينة وكانت فلسطين خلالها على حافة المواجهة من جديد، وهو مشهد يتوقع له أن يتكرر في يوم الجمعة 19-5-2023".
أما المسار الثالث بالنسبة لبحيص فيتمثل في تهجير الأحياء المقدسية، حيث استأنفت سلطات الاحتلال محاولة تهجير حي الشيخ جراح الغربي المعروف بـ "أرض النقاع"، وسيطرت على عدد من قطع الأراضي المحيطة بحي كرم الجاعوني من مختلف الجهات، كما عززت محاولاتها لتهجير أحياء سلوان الستة مع وضع معظم التركيز على وادي الربابة الذي قامت فيه بأعمال تجريف وزراعة قبور وهمية في مختلف أطرافه، وهذه معركة ستوقع لها أن تستمر وتتصاعد في الشيخ جراح وفي سلوان وفي الخان الأحمر كذلك.
وجاء المسار الرابع ليتمثل في صهينة التعليم المقدسي من خلال محاولة إخضاع مدرستي الإيمان والإبراهيمية لتطبيق المنهاج الإسرائيلي المبيض، ومحاولة الهيمنة على مدرسة الأيتام الصناعية في بيت حنينا، وقد كان لأولياء الأمور في الحالتين دور حيوي في التصدي لمحاولات الصهينة والسيطرة، لكن الخيارات التي كانت إدارات المدارس الخاصة قد اتخذتها بتلقي "الدعم" المشروط من بلدية الاحتلال، أو بتغيير النظرة إلى مدرسة الأيتام باعتبار أرضها محفة عقارية كما جرى في حالة لجنة اليتيم العربي، وهو ما يتطلب الاستعداد بموقف موحد وبأدوات أكثر تأثيراً لمواصلة هذه المعركة.
عام قاسٍ وصعب
في السياق، يقول مسؤول ملف القدس وعضو المكتب السياسي لحركة حماس هارون ناصر الدين إن عام 2022 كان قاسياً على أهالي القدس المحتلة حيث ودعت المدينة مجموعة من الشهداء إلى جانب الانتهاكات الإسرائيلية اليومية.
ويضيف ناصر الدين لـ "شبكة قدس" أن عام 2022 شهد 17 شهيدًا من بينهم صحفية وطفل إلى جانب 2853 جريح فيما اعتقل أكثر من 2800 فلسطيني من القدس المحتلة عدا عن 200 أمر حبس منزلي وأكثر من 160 حبس فعلي وأكثر من 90 حبس إداري.
ويشير مسؤول ملف القدس في حركة حماس إلى إصدار سلطات الاحتلال في المدينة أكثر من 900 قرار إبعاد بحق المرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى إلى جانب غرامات مالية بملايين الشواقل بهدف قمع الدفاع عن الأقصى والبلدة القديمة.
ويتابع ناصر الدين: "ندعو أهلنا وشعبنا في القدس المحتلة ألا يتركوا القدس والأقصى وأن يكون شعار المرحلة المقبلة تحرير الأقصى والقدس خاصة في ظل الحكومة المتطرفة الجديدة التي ستحاول تغيير الواقع القائم في القدس والأقصى".
الخنق والتضييق
من جانبه، يؤكد المختص بشؤون القدس المحامي خالد زبارقة على أن عام 2022 شهد ممارسة الاحتلال الإسرائيلية لسياسات الخنق والتضييق الناعمة على الفلسطينيين في القدس المحتلة عبر العقوبات والإجراءات التي اتخذت بما في ذلك الإبعاد عن المدينة.
ويقول زبارقة لـ "شبكة قدس" إن العام المنقضي كان الأصعب على المسجد الأقصى كون السياسات الإسرائيلية بحقه أخذت منحنى أكثر علنية في مسألة تغيير هوية المسجد، ففي السابق كان يتم التذرع بالسياحة فيما يتعلق بالاقتحامات لتصبح حالياً تأخذ طابع تغيير هوية الأقصى لليهودية.
ويضيف: "هناك سعي لزيادة الطقوس التلمودية التي يتم ممارستها داخل المسجد الأقصى وحماية اليهود المقتحمين، في المقابل يتم التضييق على دخول المسلمين للأقصى عبر الإبعاد والمنع والاعتقال والملاحقة مع إجراءات أخرى تستهدف المسلمين".
ويشير المختص في شؤون القدس إلى إصدار الاحتلال سلسلة من القوانين التي تستهدف المدينة كان من أبرزها قانون القومية الدولة وبموجب هذا القانون يتم الاعتراف بالهوية اليهودية على مجمل فلسطين التاريخية وكان للقدس النصيب الأكبر.
ويردف: "بقية القوانين الأخرى هي إجرائية تستهدف تعزيز الهوية اليهودية على المدينة مثل هدم البيوت أو التخطيط والبناء أو حارس أملاك الغائبين أو قانون الأراضي إلى جانب العبث في سجل الأراضي لتمييع ملكيتها ليسهل على الاحتلال السيطرة عليها".