فلسطين المحتلة - متابعة شبكة قدس: في دعايته الانتخابية، قبل الانتخابات الإسرائيلية التي أجريت في نوفمبر 2022، صرح رئيس وزراء الاحتلال المنتهية ولايته يائير لبيد أن أحد أهم التحديات في السنوات القادمة سيكون إعادة الاعتبار للجيش داخل جمهور الاحتلال، وهو الأمر ذاته الذي شدد عليه رئيس وزراء الاحتلال المكلف بنيامين نتنياهو.
تركيز المستويين العسكري والسياسي لدى الاحتلال على أزمة الجيش تأتي في ظل نقاش موسع ومعمق تشارك فيه النخب و"مؤسسات المجتمع المدني" والجامعات ومراكز الأبحاث الإسرائيلية والهيئات الرسمية وغير الرسمية، في ما عاد يُعرف لدى الاحتلال بأزمة "العقد الأخير".
جيش بلا تأييد.. الأسطورة تحطمت
يكشف استطلاع للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية وهو أحد أهم المراكز البحثية الإسرائيلية، نشر في نوفمبر 2021 أن 10% فقط من الشباب في جمهور الاحتلال يؤيدون الخدمة الإجبارية في الجيش، وهو استطلاع دق ناقوس الخطر ودفع خبراء عسكريين إسرائيليين للتأكيد على أن هذا يتطلب إجراء تغييرات جوهرية في العلاقة بين الجمهور والجيش وإشراك كل القطاعات في هذا النقاش.
تهدد هذه المعطيات النظرة لجيش الاحتلال، ووفقا لذلك يحذر معهد دراسات الأمن القومي، بأن الأمور لا يمكن أن تبقى عند هذا الحد، بل إن هذا قد يمتد إلى فتح نقاش مجتمعي حول ميزانيات الجيش، والتدخل في هذا السياق يعني كسر هيبة وشرعية الجيش وما يتلقاه من أموال من خزينة دولة الاحتلال.
لكن ذلك ليس ببعيد عن المعارك التي خاضتها المقاومة ضد جيش الاحتلال، فقد أظهر استطلاع للرأي نشره معهد دراسات الأمن القومي أن معظم الإسرائيليين يعتبرون أن الجيش لم ينتصر في مايو 2021 خلال معركة سيف القدس، ونفس النتائج تقريبا تنطبق على المعارك السابقة مع تفاوت طفيف.
الضفة الغربية، هي الأخرى أصبحت ثغرة في سجل الجيش، الذي يبدو عاجزا أمام تصاعد المقاومة فيها، وهو ما يفسر ما نلحظه من اشتباك مفاهيمي بين الشاباك والجيش حول ما يجري، إذ يميل الأول لاعتبار ما يجري مقدمة انتفاضة من نوع جديد، بينما يحاول الآخر نفي هذه الفرضية والتأكيد على أن ما يجري هو تصعيد ونشاطات الجيش فاعلة ومؤثرة في محاصرة تطور هذا التصعيد، فيما لا تبدو الصورة على الأرض كذلك.
وإلى جانب دور المقاومة، هناك أسباب ذاتية تفتك بجيش الاحتلال وشرعيته، أحدها ما كشفت عنه تقارير رسمية بأن معظم الضباط والمجندين، في الوحدات التكنولوجية والتجسسية، من الطبقات العليا في مجتمع المستوطنين الذين يطمعون للحصول على وظائف مرموقة بعد تسريحهم من الجيش، في مقابل تدني الوضع الاجتماعي والاقتصادي للجنود في الوحدات القتالية العادية رغم أنهم الأكثر تعرضا للمشقة والخطر.
في فبراير 2022، نقلت يديعوت أحرونوت العبرية عن ضابط كبار في الجيش عن وجود أزمة الدافعية التي تهدد مستقبل الجيش وكيف يحاولون التعامل معها، وهو التحدي الأكبر وفق تعبيرهم، والذي يأتي من الداخل، حيث يواجه الجيش أزمة في الدافعية القتالية والتحفيز والقوى البشرية الدراماتيكية، والتي يمكن أن تؤثر أيضًا على ساحة المعركة، وحذر الضباط من أن مأزق قسم القوى البشرية كبير جداً، وأزمة الدافعية تجاوزت كل الخطوط التي عرفها الجيش هذه المرة منذ تأسيسه.
الوحدات في مأزق.. جميعها دون استثناء
تؤكد دراسة أجراها مراقب الجيش ومدقق وزارة الجيش على وجود تدهور خطير للغاية في جاهزية الجيش للحرب في جميع المجالات. وفي كلمة نشرت لرئيس شعبة الأفراد المنتهية ولايته إيتمار رايشيل حذر من أنه "بحلول عام 2026 ستخسر القوة الجوية 55٪ من الخبرة المهنية".
وفي نفس الكلمة قال إن "الضرر طويل الأمد سوف يتجلى في أهم ذراع استراتيجي للاحتلال وهو القوة البشرية". وبحسب المعطيات، فإن "القوة الجوية لديها نحو 700 عامل يُعرفون بـ"مراكز المعرفة"، بما في ذلك ميكانيكي الطائرات المخضرمين، والمراقبين في وحدات التحكم، والفنيين ذوي الخبرة للأنظمة الخاصة، ومخططي المهام، وبحلول عام 2025، سيغادر نصفهم تقريبًا، وستبقى القوات مع الضباط الشباب عديمي الخبرة.
الأزمة الأكثر عمقا في ذراع البرية في جيش الاحتلال، والجدل الدائر حول استعداد الجيش للحرب ليس جديدا. ومنذ حرب لبنان الثانية، باستثناء عدد قليل من العمليات المحدودة في غزة لم يتم استخدام القوات البرية، وكان هناك تدهور مستمر في وضعها، وهناك شكوك في قدرتهم على الانتصار في أي حرب قادمة.
وقبل أشهر قليلة من انتهاء ولاية رئيس أركان جيش الاحتلال الحالي أفيف كوخافي، حذر ضباط كبار الوحدات العملياتية في الذراع البرية لجيش الاحتلال من وجود إحباط كبير، وشعور بأن المستويات العسكرية والسياسية العليا لا تثق بهم وبوحداتهم، وتعمل كل ما في وسعها لعدم استخدامهم في المعارك.
وفي جيش الاحتلال، هناك أيضًا تحذيرات من مشاكل أكثر خطورة، والتي تتعلق أساسًا بسلاح المدرعات، الذي عانى لسنوات من الحافز السيئ للغاية، ومن الاستنزاف والتخفيضات الكبيرة. بالكاد يتم تسليط الضوء على مركزية سلاح المدرعات في وسائل الإعلام، رغم أنه من غير الممكن اليوم تنفيذ أي عملية برية واسعة النطاق دون وسائل النقل، أو على الأقل دعم الدبابات، التي توفر التنقل والقدرة على البقاء وقوة نيران كبيرة للمعركة.
الصحة النفسية للجنود.. استمرار الأزمة
سينتهي عام 2022 في غضون أسبوع تقريبًا بأخبار سيئة بالنسبة للإسرائيليين في مجال الصحة النفسية لجنود جيش الاحتلال، حيث تُظهر بيانات الجيش أن عدد حالات الانتحار هذا العام وصل إلى 14، وقد ارتفع مقارنة بالعام الماضي حيث كان 11، وهذا هو أعلى رقم منذ خمس سنوات.
وبالنظر إلى العقدين الماضيين، يمكن ملاحظة أنه كان هناك انخفاض كبير في حالات الانتحار. في عام 2005، كان عدد حالات الانتحار 36، وفي عام 2010 انخفض إلى 28، وفي عام 2013 كان هناك انخفاض حاد إلى 6 وهو أقل عدد منذ ذلك الحين. في عام 2017 قفز العدد إلى 16، ومنذ ذلك الحين هناك من 9 إلى 14 حالة كل عام.
الغالبية العظمى من حالات الانتحار من الذكور، ومعظمهم لا يتركون رسالة يفسرون فيها الأسباب، ونظرًا للحساسية العالية، يتم اتخاذ خطوات للحفاظ على الخصوصية. لكن إحدى القضايا البارزة التي تصدرت عناوين الصحف هي قضية الجندي نيف لوفتون، الذي انتحر بسبب الضغط الذي مارسه عليه أفراد من جيش الاحتلال الإسرائيلي للإدلاء بشهادته حول تعاطي رفاقه في الجيش المخدرات.
هذه الأزمة المزمنة دفعت جيش الاحتلال لصياغة خطة لمنع انتحار الجنود. وهي تشمل الحد من توافر أدوات الانتحار، وتوسيع دائرة التحقيق والفحص بعد كل حادث واستخلاص الدروس، بما في ذلك التغييرات في الأوامر والإجراءات، ولا يزال المسؤولون عن قسم الأبحاث النفسية في جيش الاحتلال يحققون في سبب زيادة معدلات الانتحار لهذا العام. لكن يمكن الإشارة إلى أن ثلث المنتحرين في العام الماضي كانوا من الإثيوبيين وهو ما يؤكد وجود عوامل كبيرة مثل العنصرية.
مجندات.. لكن للمتعة
وفقًا لدراسة أجراها جيش الاحتلال الإسرائيلي، ذكرت 33٪ من المجندات أنه منذ تجنيدهن تعرضن للتحرش الجنسي مرة أو أكثر، و32٪ منهن فقط تم معالجة قضاياهن. وكشفت الدراسة أن جيش الاحتلال الإسرائيلي لا ينشر الاستطلاعات التي يجريها بين المجندات لجمهور الاحتلال ولا يقدمها للجان الخاصة بحقوق المرأة في كنيست الاحتلال في ظل الزيادة في معدلات التحرش الجنسي.
ويتضح أن ثلث المجندات في جيش الاحتلال الإسرائيلي تعرضن للتحرش أثناء الخدمة، استنادا إلى "تقرير مراقب الدولة حول موضوع حماية المجندات اللواتي يخدمن في الخدمة الإلزامية خارج الجيش، وحوالي ثلث المجندات في الخدمة النظامية في جيش الاحتلال الإسرائيلي تعرضن للتحرش الجنسي، على الأقل مرة واحدة في السنة الأخيرة.
استنتاجات التقرير الرسمي الذي أعده مراقب دولة الاحتلال جاءت مناقضة لاستنتاجات تقرير جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي فحص ظروف خدمة المجندات في الخدمة الإلزامية خارج الجيش، ولفت إلى "وضع بائس" في موضوع الإبلاغ ومعالجة التحرش الجنسي، إذ بيّن التقرير أن حوالي نصف من أجبن على الاستبيان أبلغن جهة معينة عن الاعتداء الجنسي الذي تعرضن له. ومن بين اللواتي اخترن الإبلاغ، 44 بالمئة، أبلغن بأن الشكوى لم يتم علاجها بشكل مرض، و26 بالمئة أبلغن بأن الشكوى لم تعالج أبدا.