تتبنى الحاخامية الرسمية الصهيونية بفرعيها الأشكنازي والسفاردي الرأي الديني التقليدي القائل إن اليهود يجب أن لا يدخلوا إلى المنطقة التي يزعمون أنها "جبل الهيكل" لسببين أساسيين:
الأول: أن عودة "الهيكل" أمر إلهي، فالهيكل إذا ما عاد سينزل من السماء بقدرة إلهية متجلية، وحينها فقط يمكن لليهود دخوله، ومحاولة دخوله قبل هذا الأمر الإلهي الصريح تشكل بوابة لكارثة محققة تلحق بكل اليهود.
الثاني: أن دخول اليهود إلى "جبل الهيكل" يتطلب تحقيق شرطة الطهارة من "نجاسة الموتى"، وهي مصدر النجاسة الكبرى في التشريع اليهودي، وكل من لمس جسداً بشرياُ ميتاً أو تواجد معه تحت سقفٍ واحد تصيبه هذه النجاسة، وهي تنتقل من شخص لآخر باللمس، والتطهر منها يكون بإحراق رماد البقرة الحمراء الخاصة، وخلطه بالماء والتطهر به على يد كاهن من نسل "الكاهن الأول هارون" وفق الزعم التوراتي، الذي هو نبي الله هارون عليه السلام وفق الرواية القرآنية.
وبما أن كلا الشرطين لم يتحققا فإن الحاخامية الرسمية -ومعها معظم مرجعيات اليهود التقليدية عبر العالم- تُحرّم أي محاولة لليهود لدخول "جبل الهيكل" المزعوم.
بالمقابل، نشأ تيار ديني صهيوني ابتدأ بالحاخام أبراهام كوك ثم ابنه زفي كوك، وهذا التيار هو الصهيونية الدينية التي ينضوي تحت منطقها تيار اليمين الصهيوني بمختلف أحزابه من الليكود إلى يمينا والبيت اليهودي وحتى حزب الصهيونية الدينية والقوة اليهودية والهوية رغم تفاوتها في التدين، وهو الطيف الذي حكم الكيان الصهيوني بين 96-1999 ثم من 2001 وحتى اليوم مع فترات محدودة لخصومهم.
التيار الديني الصهيوني، الذي تشكل منظمات الهيكل طليعته المستهدِفة للأقصى، يتبنى رأياً دينياً مخالفاً تماماً: فهو يرى ضرورة المبادرة إلى دخول اليهود إلى "جبل الهيكل" المزعوم، لتأسيس "الهيكل" بأنفسهم، ويرد على النقطتين أعلاه:
أولاً: بأن الإرادة الإلهية تتم بأيدٍ بشرية، فإما أن الصهيونية هي التجلي لهذه الإرادة لإقامة "الهيكل"، أو أنها تنفذ كل المقدمات لتدفع الرب إلى "إنزال هيكله"، فيما يعرف بنظرية "أعمال الرب"، وهي نظرية تشاركهم إياها الكنيسة الإنجيلية في الولايات المتحدة وأوروبا ولذلك تشكل الجمعيات المسيحية اليمينية مصدراً مهماً لتمويل جماعات الهيكل.
الثانية: أن شرط الطهارة مطلوب فقط في مركز القداسة المزعومة، "في قدس الأقداس" حيث "تحل روح الرب"، وبالتالي يمكن دخول أطراف "جبل الهيكل" قبل تحقيق شرط الطهارة، ولذلك يتعمد المقتحمون الدوران حول قبة الصخرة ويحرّمون ارتقاء الدرجات إليها بأي حال لزعمهم بأنها موقع "قدس الأقداس".
وهم في نفس الوقت يحاولون التغلب على شرط الطهارة بإيجاد بقرة حمراء، وبإحياء طبقة الكهنة، لتحقيق شرط الطهارة وفتح الباب واسعاً أمام كل اليهود للمساهمة الفعلية في العدوان على الأقصى، متغلبين على "المعيقات" التي يشكلها الرأي الديني الرسمي.
الخلاف على يافطة المنع المعلقة على باب المغاربة هو أحد عناوين الصراع الطويل بين هذين الرأيين منذ 36 عاماً على الأرض، ولعقودٍ سابقة في الكتب والمواعظ... وإزالة اليافطة الرسمية كما حصل في مرتين حتى الآن في 6-2017 ثم في 5-2021، أو تغيير شرطة الاحتلال لمكانها بعد إعادتها كما جرى يوم الإثنين 19-12-2022؛ فهذه كلها مؤشرات على تحول دفة الغلبة إلى التيار الثاني، وفتح باب العدوان على الأقصى أكثر فأكثر في الفترة المقبلة.
ولا بد من الإشارة بأن هناك خلافاً آخر قائم ومستمر حول موقع "الهيكل" المزعوم، فهناك من يرونه في جبل صهيون جنوب غرب البلدة القديمة وهذه كانت النظرية الأكثر شيوعاً من قبل، وهناك من يرونه في مكان المسجد الأقصى بالضبط وعلى كامل مساحته وهي النظرية الشائعة اليوم، وهناك من يرونه على جبل جرزيم في نابلس، والأدلة التاريخية لا تثبت وجود هذا الهيكل الموصوف في التوراة من الأساس على أي من هذه المواقع.