فلسطين المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: في قلب المؤسسة العسكرية بدولة الاحتلال مسار تنافسي - اجتماعي يتطور بصورة مستمرة، عززته التغييرات الاجتماعية والاقتصادية في مجتمع المستوطنين، خلال السنوات الماضية، خاصة مع دخوله في مرحلة "مجتمع السوق"، منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي.
تقارير جديدة صادرة عن جيش الاحتلال تظهر أن معظم الضباط والمجندين، في الوحدات التكنولوجية والتجسسية، من الطبقات العليا في مجتمع المستوطنين الذين يطمعون للحصول على وظائف مرموقة بعد تسريحهم من الجيش.
تدني الوضع الاجتماعي والاقتصادي يعني تقليل فرص الجندي في الدخول إلى هذه الوحدات التي تشكل نسبة 4% من البنية الإدارية فيه، تقول تقارير الاحتلال، وتكشف "يديعوت أحرونوت" أنه لا توجد امرأة من الطبقات الدنيا في مجتمع المستوطنين داخل هذه الوحدات.
كيف بدأ التمايز؟
بدايات جهاز الاستخبارات في دولة الاحتلال اعتمدت على تشغيل متعاملين عرب لامتلاكهم القدرة على تفكيك اللغة ومتابعة الشيفرات، في المحيط العربي المعادي، ولسنوات لم تكن للخدمة في هذه الأجهزة مميزات أعلى من العمل في وحدات عسكرية أخرى.
حرب 1973 حملت معها نقلة في التفكير الاستخباراتي الإسرائيلي، يوضح الباحث في الشؤون الإسرائيلية محمد بدر، ويشير إلى أن من جملة الاستخلاصات من الفشل الإسرائيلي في الحرب كان هو أن الخسارة كانت في الأساس بسبب جهاز الاستخبارات العسكرية لذلك جرى التركيز لاحقاً على عمليات جمع المعلومات التفصيلية الدقيقة من مختلف نشاطات بيئة العدو، وليس فقط في الأجهزة الرئيسية أو السيادية.
انتهاء "الحرب الباردة" يضيف بدر كانت عاملاً استراتيجياً في زيادة الاهتمام بالأجهزة الاستخباراتية والتكنولوجية، بعد توجه معظم جيوش العالم خاصة الغربية نحو بناء جيش "ذكي" يقوم على الأسلحة الفتاكة والاستخبارات والوحدات الصغيرة المتخصصة، وهذا الحال انسحب على دولة الاحتلال أيضاً.
مرحلة التسعينات حملت معها إلى دولة الاحتلال أفواجاً كبيرة من المهاجرين من دول أوروبا الشرقية، خاصة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، ويشير بدر إلى أن الاحتلال استفاد من خبرات هؤلاء المهاجرين في تدعيم أجهزته الاستخباراتية والتكنولوجية.
طبقات داخل الجيش
التغييرات نحو مجتمع "السوق" و"الليبرالية" التي عاشها مجتمع المستوطنين، بعد منتصف الثمانينات، انعكست على الجيش أيضاً الذي صارت الوحدات القتالية ليست الوجهة المفضلة للطبقات التي تطمح بمستقبل آمن اقتصادياً لأبنائها.
في المقابل، خلال سنوات صارت وجهة الطبقات غير القادرة على تدريس أبنائها في أفضل المواقع التعليمية والتكنولوجية نحو الوحدات العسكرية القتالية، التي تزهد فيها الطبقات الأعلى.
الباحث محمد بدر يشير إلى عامل هام في تشكيل هذه الطبقات داخل الجيش، هو التداخل بين الخدمة العسكرية والعمل في شركات التكنولوجيا الخاصة الإسرائيلية، وأصبحت الخدمة في الوحدات الاستخباراتية والتكنولوجية ميزة في السيرة الذاتية لأي ضابط تؤهله للعمل في 9800 شركة إسرائيلية في هذا المجال.
هذه التغييرات الاجتماعية - الاقتصادية خلقت داخل جيش الاحتلال رأس مال "عسكري" وآخر "اقتصادي"، يضيف بدر، الأول لا يمنح الشخص سوى راتب التقاعد أو الانضمام لحزب سياسي بينما يمنح العمل في الوحدات التكنولوجية أهمية اقتصادية للمسرح من الجيش، الذي تفتح الشركات أمامه أبوابها.
مقابل فكرة "القتال من أجل الشعب أو الأرض" تعززت لدى طبقات مختلفة في مجتمع المستوطنين السعي من أجل الانخراط في العسكرية لتحقيق "مستقبل اقتصادي راقي"، هذه أحد أبرز تجليات التغييرات الاجتماعية والنفسية في جيش الاحتلال، يضيف بدر.
أزمة الثقة بالجيش
خلال سنوات تنامت داخل مجتمع المستوطنين "أزمة ثقة" بالجيش، ويوضح الباحث بدر: كان الحلم الأكبر لدى المستوطنين هو جيش يفكك الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، داخل المجتمع، لكن في الواقع تعززت هذه الفوارق خلال سنوات، وانعدمت المساواة وهذا أثر على الرغبة في الانضمام للجيش.
ويذكر أن الطبقات اليهودية الشرقية ترى أن الوحدات القتالية التي تخدم في مواقع التماس من نصيبها بينما تحظى الطبقات الأعلى بالوحدات الأكثر رفاهية وامتيازات.
عامل آخر يعزز اهتزاز الثقة بجيش الاحتلال هو عمليات المقاومة، يقول بدر، التي أدخلت المستوطنين في مرحلة "انعدام الأمان" وثم اتهام الجيش بالتقصير في حمايتهم.
من يسيطر على شركات التكنولوجيا الإسرائيلية؟
تكشف إحصائيات إسرائيلية أن 51% من العاملين في شركات القطاع الخاص الإسرائيلي، في مجالات التكنولوجيا، توظفوا بناء على الخدمة العسكرية.
ويقول الباحث محمد بدر: هذه الإحصائيات تؤكد على مميزات العاملين في الوحدات الاستخباراتية والتكنولوجية وتأثيرها على مستقبلهم، بينما لا توفر الخدمة في الوحدات القتالية شيئاً من هذه المميزات.
ويذكر أن مشاريع بناء مدارس تكنولوجية للطبقات الفقيرة لم تحقق النجاح الذي أرادته دولة الاحتلال، في ظل أن الطبقات العليا قادرة على إرسال أبنائها إلى أفضل المعاهد التكنولوجية، بينما تبقى الوحدات القتالية للطبقات السفلى، وهذا يخلق إشكالية على المدى البعيد وهو أن الجيش أصبح ملجأ للفقراء وغير القادرين على الانتساب للمدارس والمهمشين اقتصادياً.
