فلسطين المحتلة - قُدس الإخبارية: في تاريخ مشاركة الإسلاميين في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، تمثل مرحلة الإبعاد إلى "مرج الزهور" أبرز المحطات التي كانت لها ترتيبات معنوية وسياسية وتنظيمية بالغة الأثر على مسيرتهم.
في مثل هذه الساعات من عام 1993، أبعدت قوات الاحتلال 415 من قيادات حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى جنوب لبنان، بهدف اجتثاث البنية التنظيمية الرئيسية للحركتين بعد سلسلة عمليات عسكرية موجعة، كان آخرها خطف الضابط نيسيم طوليدانو التي نفذتها خلية من كتائب القسام.
المبعدون الذين أقاموا مخيمهم في منطقة تسمى "مرج الزهور"، قرب المنطقة المحتلة حينها من جنوب لبنان، كانت هذه فرصتهم التاريخية للاجتماع وبناء علاقات بين قيادات المناطق في الضفة وغزة، وخوض تجربة تنظيمية جديدة لكسر قرار الإبعاد.
تحول مخيم المبعدين إلى مهرجان إعلامي توافدت عليه مختلف وسائل الإعلام العالمية التي سمعت صوت المقاومة الفلسطينية ورسالتها، ومنحت قيادات شابة حينها مثل الشهيد عبد العزيز الرنتيسي فرصة التواصل مع المؤسسات والفعاليات العربية والعالمية لاطلاعها على قضية الأسرى والمبعدين ومعاناة شعب فلسطين تحت الاحتلال.
فرصة أخرى قدمتها مرحلة الإبعاد أمام المقاومة، تمثلت في بناء علاقات مع دول وأحزاب في المنطقة بقيت حتى اللحظة صاحبة الدعم الأكبر على المستويات السياسية والعسكرية واللوجستية، مثل إيران وحزب الله وغيرها.
أسس المبعدون لجاناً مختصة في مختلف المجالات، بينها صناعة الحدث، والضبط والحراسة، واللجنة الإعلامية، والطبية، والأرشيف، والفنية، والهندسية والخدمات وأقاموا دورات في مختلف العلوم الشرعية والأدبية والإنسانية تحت مسمى "جامعة ابن تيمية"، وبذلك قدموا تجربة تنظيمية فلسطينية جديدة أمام رغم الظروف القاسية التي كابدوها في منطقة الإبعاد.
تمسك المبعدين بمطلب العودة إلى فلسطين كان له أبعاد استراتيجية وسياسية كبيرة في تلك المرحلة التي تكاثرت فيها قرارات الاحتلال إبعاد قيادات فلسطينية إلى خارج الوطن، وجاء قبل مرحلة "أوسلو" التي كان للإسلاميين فيها صدارة التصدي لمسار التسوية ومواجهة الاحتلال.
هذه الفرصة التاريخية التي حققتها مرحلة الإبعاد وصفها رئيس المكتب السياسي السابق لحماس موسى أبو مرزوق: "حركة حماس ستبقى تستفيد من حدث الإبعاد إلى ما بعد عشرين سنة قادمة".
لسنوات بعد "مرج الزهور" سيبقى المبعدون إلى هناك علامة بارزة في تاريخ الحركة الإسلامية في فلسطين، وصار يشار إلى سجل تضحية كل أحد فيهم على أنه مبعد إلى هناك على أنها إشارة لدوره التاريخي في الحركة، وبعد العودة بقيت مجموعة كبيرة من المبعدين العائدين في صدارة العمل السياسي والعسكري، وارتقى عدد منهم شهداء: عبد العزيز الرنتيسي، ومحمود أبو هنود، وعبد الله القواسمي، وعبد الرحمن العاروري، وعز الدين الشيخ خليل، وجمال منصور، وجمال سليم، ويوسف ومحمود وأيمن أبو هين، ومالك ناصر الدين، وصلاح الدين دروزة، ويوسف السركجي، وغيرهم.