ترجمات عبرية - قدس الإخبارية: قبل حوالي أسبوعين من الانتخابات الأخيرة في "إسرائيل"، أوضح بنيامين نتنياهو تصوره لمستقبل "إسرائيل" في مقال نشر في صحيفة هآرتس، وكتب: "على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، قيل لنا مرارًا وتكرارًا أن السلام مع الدول العربية الأخرى لن يتحقق إلا بعد حل الصراع مع الفلسطينيين، لكن الحقيقة أن الطريق إلى السلام لا يمر عبر رام الله بل يمر فوقها".
وزعم في "هآرتس" أن استراتيجيته كانت صحيحة. لقد وقع اتفاقيات تطبيع مع أربع دول عربية، وهناك صفقات مع دول أخرى وشيكة. بعبارة أخرى، لا يمكن لإسرائيل أن تزدهر فقط دون حل صراعها مع الفلسطينيين. وبحسبه، إن السبيل إلى الازدهار هو في الواقع تجاهل الفلسطينيين وقضيتهم لأنها ليست مهمة.
مرت ثلاثة أسابيع أخرى منذ انتخابات 1 تشرين الثاني/نوفمبر، حيث فازت كتلة الأحزاب اليمينية بقيادة نتنياهو بأغلبية مريحة بـ 64 مقعدًا في الكنيست الإسرائيلي. ومع ذلك، لا يزال من غير المؤكد ما هو التكوين الدقيق لحكومته المقبلة ومن سيتولى الحقائب الوزارية الرئيسية مثل الجيش والمالية والشؤون الخارجية.
ومع ذلك، هناك شيء واحد واضح بالفعل: بالنسبة لشركاء نتنياهو المتوقعين، وعلى وجه التحديد مع كتلة بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غبير، التي فازت بـ 14 مقعدًا في الانتخابات، فإن صراع "إسرائيل" مع الفلسطينيين ليس مجرد عامل مهم، وإنما هو العامل الوحيد المهم.
أظهر نتنياهو بشكل لا لبس فيه أن إزالة القضية الفلسطينية من الأجندة العامة في "إسرائيل"، وكذلك على الصعيد العالمي، أحد أهدافه البارزة، خاصة منذ عودته إلى السلطة في عام 2009.
لقد سعى وراء هذا الهدف باستخدام ثلاثة مقاربات رئيسية: أولاً، محو حدود عام 1948 (المعروفة باسم الخط الأخضر) من وعي غالبية اليهود في "إسرائيل" من خلال توسيع المستوطنات ومن الناحية العملية ضم مساحات كبيرة من المنطقة (ج).
ثانياً، تعزيز الادعاء بأنه "لا يوجد شريك للسلام" من الجانب الفلسطيني من خلال التجاهل الكامل تقريباً للقيادة الفلسطينية ومطالبها بإنهاء الاحتلال. وأخيراً، التخفيف إلى حد ما من استخدام القوة العسكرية الإسرائيلية على أساس النظرية القائلة بأنه كلما كان النزاع أقل عنفاً، قل الاهتمام الذي سيحظى به في "إسرائيل" والشرق الأوسط وحول العالم.
لقد كان هذا النهج ناجحًا إلى حد كبير. معظم الإسرائيليين اليوم لا يعرفون أين حدود 1948. أصبح مصطلح "احتلال" كلمة لا تذكر أبداً في وسائل الإعلام الإسرائيلية. التأكيد على أنه "لا يوجد من نتحدث معه" في الجانب الفلسطيني قد ترسخ ليصبح إجماعًا ليس فقط لدى اليمين والوسط، ولكن أيضًا لدى اليسار.
أدى تجنب العمليات العسكرية الواسعة، باستثناء الحرب على غزة في عام 2014، إلى خفض عدد القتلى الإسرائيليين إلى 10 في العام، لذا فإن مناقشة ما كان يُطلق عليه فيما مضى "ثمن الاحتلال" "اختفى تقريبا.
ينبع جزء من نجاح نتنياهو من عوامل لا تتعلق مباشرة بنتنياهو نفسه. عندما تولى رئاسة الوزراء للمرة الثانية عام 2009، كانت الانتفاضة الثانية قد انتهت. الانقسام بين حماس في غزة وفتح في الضفة أضعف الموقف الفلسطيني بشكل كبير، وتمكن نتنياهو من استغلال هذا الضعف.
مع حلول الربيع العربي في عام 2011، كانت الدول العربية المجاورة تميل إلى تكريس مزيد من الاهتمام بشؤونها وبدرجة أقل بالقضية الفلسطينية. كما أن المد المتزايد للشعبوية اليمينية في جميع أنحاء العالم، والذي بلغ ذروته مع انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة في عام 2016، خلق جوًا ملائمًا لنتنياهو وسياسته.
لكن شيئًا في هذا الميزان روج له نتنياهو قد انحرف في السنوات الأخيرة. أدى اختفاء الصراع مع الفلسطينيين من الأجندة الإسرائيلية في الواقع إلى دفع حركة الاستيطان إلى الضغط من أجل الضم أو في قاموسهم "تطبيق السيادة". يرى منطق المستوطنين أنه إذا لم يعد الفلسطينيون يشكلون تهديدًا، فلا داعي للتخلي عن ضم الضفة الغربية، كليًا أو جزئيًا. على الرغم من تراجع نتنياهو عن الضم في اللحظة الأخيرة، فإن هذا الضغط من اليمين لتعطيل الوضع الراهن لم يتبخر.
في مايو 2021 اتضح أن الواقع الذي حاول نتنياهو تكريسه قد اختفى. الفلسطينيون، الذين حاول نتنياهو استبعادهم من الخطاب العام في "إسرائيل"، ثاروا ليس فقط في شرق القدس وغزة والضفة، ولكن أيضا في الداخل: اللد، الرملة، عكا، وبلدات أخرى. وبدلاً من الانحسار وراء جبال الظلام في الضفة الغربية، أصبح الصراع مع الفلسطينيين فجأة على أعتاب المستوطنين في وسط فلسطين.
بعد ذلك بوقت قصير، اختار نفتالي بينيت التعاون مع يائير لبيد لتشكيل حكومة بديلة وترك نتنياهو، لأول مرة منذ 12 عامًا. كانت هناك أسباب عديدة لهذه الخطوة، لكن حقيقة أن نتنياهو لم يعد يُنظر إليه على أنه قادر على تقديم إجابة لـ "القضية الفلسطينية" ربما ساهم أيضًا في سقوطه.
في الفراغ الذي تركه نتنياهو صعد اليمين بقيادة المستوطن البارز إيتمار بن غبير، زعيم حزب عوتسما يهوديت "القوة اليهودية"، من سكان مستوطنة كريات أربع، ومعجب بباروخ غولدشتاين، الذي قتل 29 من المصلين المسلمين في المسجد الإبراهيمي في الخليل عام 1994. استغل بن غبير أحداث مايو 2021 كدليل على أن المستوطنين في الداخل المحتل يعيشون تحت تهديد "العنف الفلسطيني"، والذي لا يمكن مواجهته إلا بتذكير الفلسطينيين بأن الإسرائيليين هم "الملاك الوحيدون". لدعم هذه الحجة، أثار بن غبير أيضًا مخاوف الناس من زيادة الجريمة في مدن الجنوب، حيث تُعزى الجريمة بشكل أساسي إلى السكان البدو الفلسطينيين في المنطقة، الذين يعيشون في ظروف من الفقر المدقع والتمييز طويل الأمد.
لم يخترع بن غبير، بالطبع، فكرة السيادة اليهودية، التي كانت أحد مرتكزات فكر الصهيونية منذ البداية. ولكن مع نجاحه الفعلي في تحويل طموح التفوق اليهودي إلى برنامج سياسي واسع، تحدى بن غبير، بوعي أو بغير وعي فرضية نتنياهو حول تجاهل القضية الفلسطينية.
بينما كان نتنياهو يجادل بأن القضية الفلسطينية لم تعد موجودة، أو على الأقل لا تؤثر على حياة الإسرائيليين، جاء بن غبير وجادل بأن الصراع مع الفلسطينيين يؤثر على حياة المستوطنين، في كل وقت وفي كل مكان. حل بن غبير عنيف، ويتمثل في قتل وترحيل أي شخص، فلسطيني أو حتى يهودي، يعارض نظام السيادة اليهودية، لكنه في الوقت نفسه، وضع مسألة العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية كأولوية.
هذه الظروف، كما هو متوقع، تتعلق أولا وقبل كل شيء بالمسائل المتعلقة بالصراع مع الفلسطينيين. حتى قبل اكتمال المفاوضات حول تشكيل الحكومة، كان نتنياهو قد وعد بن غبير بما يلي: سيتم توفير الكهرباء والمياه لـ 60 بؤرة استيطانية في الضفة الغربية، معظمها مبني على أراض فلسطينية خاصة. يمكن إقامة مدرسة دينية في موقع يسميه المستوطنون افيتار، على أرض لبلدة بيتا؛ وقانون عام 2005 الذي تم تبنيه للسماح بالإخلاء الرسمي لثلاث مستوطنات في شمال الضفة الغربية سيتم الآن إلغاءه للسماح بإعادة إنشاء مستوطنة هناك، مرة أخرى على أراض فلسطينية خاصة، إلى جانب استثمارات ضخمة في الطرق بين المدن لخدمة مستوطنات الضفة الغربية.
كما وعد نتنياهو، بن غبير، بوزارة الأمن الداخلي (حصل عليها بالفعل)، التي تشرف على الشرطة، حيث يسعى بن غبير لفتح النار خلال قمع البدو الفلسطينيين في جنوب فلسطين ويريد تغييرات في تعليمات إطلاق النار حتى يتمكن الضباط، دون خوف من الملاحقة، من إطلاق النارحتى الموت لأي شخص يظنون أنه يشكل خطرا.
يطمح سموتريتش إلى أكثر من ذلك. يريد أن يكون وزيرا للجيش. وبهذه الصفة، سيكون سموتريش فعليًا صاحب السيادة الوحيد في الضفة الغربية ويمكنه أن يفعل ما يشاء هناك إلى حد ما. ناهيك عن تعهده بإرسال الجيش إلى مدن الداخل المحتل.
رفض نتنياهو هذا الأمر حتى الآن، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن إدارة بايدن كانت واضحة على ما يبدو أنها لن تكون على استعداد للتعاون مع وزارة الجيش برئاسة سموتريتش. وأيضًا لأن نتنياهو ربما يدرك أنه إذا سيطر دعاة الحرب من الصهيونية الدينية على كل من وزارة الأمن الداخلي ووزارة الجيش، فلن يكون قادرا على إدارة الصراع مع الفلسطينيين.
ربما أراد نتنياهو الاستغناء عن سموتريتش وبن غبير، واختار بدلاً من ذلك ضم وزير الجيش الحالي بيني غانتس إلى حكومته ، وبالتالي إدامة نهج "إدارة الصراع" الذي جربه بنجاح كبير خلال الـ 15 سنة الماضية. من الواضح أن الأمريكيين يضغطون عليه وعلى غانتس للتوصل إلى مثل هذا الاتفاق. لكن قد لا يعود الأمر إلى نتنياهو. اليمين، أقوى منه.
لا يزال من السابق لأوانه التنبؤ بنتائج هذا الوضع الجديد. هل ينجح نتنياهو رغم كل شيء في فرض سياسته المفضلة وتهميش القضية الفلسطينية؟ لن يكون الأمر سهلاً، ليس فقط لأنه سيعود إلى مكتب رئيس الوزراء خلال فترة شديدة التصعيد، حيث بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين والقتلى الإسرائيليين منذ بداية عام 2022 مستويات قياسية لم نشهدها منذ نهاية الثانية.
حتى لو نجح اليمين في تولي مسؤولية الشرطة والجيش، فإن قدرته على إدراك أوهامه العنيفة ليست نتيجة مفروغ منها. الفلسطينيون في مكان مختلف عما كانوا عليه عام 1948 أو 1967 ولن يستقلوا حافلات الترحيل دون مقاومة.
يواجه المجتمع الدولي صعوبة بالفعل في قبول الفصل العنصري (كما يتضح من القرار الأخير بنقل مناقشة شرعية الاحتلال الإسرائيلي إلى محكمة العدل الدولية). علاوة على ذلك، يعتمد اقتصاد "إسرائيل" بشكل كامل على الاقتصاد العالمي. والإسرائيليون أكثر انقسامًا من أي وقت مضى الآن. بعد الانتخابات الأخيرة، ينظر جزء كبير من يسار الوسط إلى الأحزاب "الدينية" لبن غبير وسموتريتش على أنها تهديد لأسلوب حياتهم العلماني.
في مقالته التي جرى الاقتباس منها في بداية هذا التقرير، تبنى نتنياهو مفهوم "الجدار الحديدي"، عنوان نص مشهور لأب اليمين الصهيوني، زئيف جابوتينسكي، لكن في الجدار الحديدي الذي حاول نتنياهو بناؤه لاستبعاد القضية الفلسطينية، ظهرت تصدعات خطيرة.
بتسلئيل سموتريتش، شريك بن غبير في تحالف "الصهيونية الدينية"، هو الآخر جعل قضية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هي الأولوية السياسية الأولى له. ويقترح سموتريش حلاً عنيفًا. في مقاله بعنوان "خطة إسرائيل الحاسمة" الذي نُشر في عام 2017، عرض سموتريتش ثلاثة خيارات للفلسطينيين في الضفة الغربية: الموافقة على العيش بدون حقوق سياسية تحت الحكم الإسرائيلي، أو الهجرة إلى دولة أخرى، أو مواجهة نتيجة تقررها الحرب.
يعتقد سموتريش، مثل بن غبير، أنه لا ينبغي بأي حال من الأحوال التخلي عن السيادة داخل المدن المحتلة عام 1948. في عام 2021، امتنع عن دعم نتنياهو بتشكيل حكومة لأن نتنياهو اعتمد على حزب عربي، القائمة العربية الموحدة بقيادة منصور عباس. كتب سموتريتش في ذلك الوقت لتبرير قراره: "العدو ليس شريكًا شرعيًا".
نجح بن غبير في إقناع الناخبين بالمستوطنات بأن نتنياهو لم يقدم لهم إجابات لا فيما يتعلق بمخاوفهم بشأن القوة الاقتصادية والأكاديمية والسياسية المتنامية لجيرانهم الفلسطينيين.
حظي سموتريتش بشعبية كبيرة لدى الجمهور الديني، والذي هو اليوم جزء من النخبة الاقتصادية والحكومية في "إسرائيل". لكن الواضح أن هذين الرجلين هما الرابحان الأكبر في الانتخابات الأخيرة، بعد زيادة حصتهما الجماعية من ستة مقاعد في الجولة السابقة إلى 14 في الكنيست الحالي، مما يتيح لهما إملاء شروط على نتنياهو، الذي يعرف أنه بدونهما لن يكون لديه حكومة.