فلسطين المحتلة - قُدس الإخبارية: شكلت مجموعة عرين الأسود منذ الإعلان عن انطلاقتها في أيلول الماضي، معضلة مهمة لأذرع الاحتلال الاستخباراتية والعسكرية لأسباب عدة، من أهمها: الجغرافيا التي تعمل فيها وهي منطقة نابلس، إذ تشكل المنطقة ساحة مهمة لانتهاكات المستوطنين وحركتهم وعمليات الاستيطان التي تتوسع هناك بشكل ملحوظ أكثر من مدن الضفة الغربية الأخرى، وهو ما يعني أن العمل المقاوم في منطقة نابلس يهدد قدرة الاحتلال على إقناع المستوطنين بالانتقال إلى تلك المنطقة أو حتى البقاء فيها.
أسباب أخرى تتعلق ببنية المجموعة وتأثيرها أثارت اهتمام الاحتلال، تحديدا في ما ما هو مرتبط بقدرتها على استقطاب الشباب من خلفيات سياسية متعددة تحت هدف واحد هو تنفيذ العمليات ضد أهداف الاحتلال، بالإضافة إلى إمكانية انتقال نموذجها إلى مناطق أخرى بالضفة الغربية في ضوء ازدياد شعبيتها وقدرتها على التأثير في الشارع الفلسطيني وقيادة حراك شعبي واسع، والتعامل معها فلسطينيا على أنها تعبير ونموذج متطور من العمل المقاوم استطاع تجاوز كافة العقبات الأمنية والسياسية والاجتماعية في محيط محكوم بعلاقات معقدة ومركبة وعوامل ضاغطة.
لذلك وفي ضوء ما سبق، لم يكن مستغربا اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية بظاهرة عرين الأسود سواء في ذروة نشاطها أم في الوقت الحالي الذي تتخذ فيه المجموعة تكتيكات جديدة تتناسب والمتغيرات التي حدثت حولها وفيها، ومن أهمها الحصار الذي فرض على مدينة نابلس وتركيز قوات كبيرة في المنطقة ومحاولات الاستدراج الميداني التي تعرضت لها المجموعة وكانت واعية لها، بالإضافة إلى تسليم عدد من عناصرها لأنفسهم للأجهزة الأمنية الفلسطينية، ولعدم وجود معلومات دقيقة حول هذه القضية زادت الشائعات والتقارير الموجهة التي تحاول تفكيك قيمية الظاهرة، على اعتبار أن المجموعة تجاوزت حدود كونها حالة عسكرية فقط.
في 9 نوفمبر عادت المجموعة لتؤكد من جديد أنها عامل مؤثر ومستمر في معادلة الاشتباك ليس فقط في نابلس بل في شمال الضفة الغربية، عبر تأكيدها أنها شاركت بالإضافة لمجموعات المقاومة الأخرى، كتيبتي جنين ونابلس، في التصدي لاقتحام ما يسمى قبر يوسف، وتضمن الإعلان رسائل عدة، بينها؛ أن عرين الأسود لديها قنوات تنسيق واتصال مع مجموعات المقاومة وهو ما يؤكد وجود بنية صلبة تدير الحالة، والرسالة الثانية هي كانت بمثابة رد على الاقتحام الاستعراضي الذي قام به أعضاء كنيست من الاحتلال، والذين خرجوا تحت زخات الرصاص باعتراف المواقع العبرية.
لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل في الساعات الأولى التي تلت الاشتباك خرج مقاتلو عرين الأسود في جنازة الشهيد مهدي حشاش في مخيم بلاطة، ليؤكدوا ليس فقط على وجودهم، فلو كان الأمر كذلك لاكتفوا ببيانهم الذي أشار إلى مشاركتهم في اشتباك تلك الليلة، لكن أرادوا إيصال رسالة مفادها أنهم حاضرون بين الناس وقادرون على التحرك والتنقل، أي أنهم تجاوزا الضربات التي تلقوها سواء كانت من الاحتلال أو السلطة الفلسطينية.
نفت هذه الأحداث سردية الاحتلال حول انتهاء المجموعة، وبدأت التقارير العبرية تحاول معالجة هذه الثغرة في الخطابين العسكري والسياسي الإسرائيليين، لتنشر القناة العبرية 12 تقريرا تقول فيه إن 60 من مقاتلي عرين الأسود سلموا أنفسهم للأجهزة الأمنية الفلسطينية خلال الأسابيع الأخيرة، وهو عدد لا ينسجم مع تقارير سابقة نشرتها القناة خلال الشهر الماضي. فمثلا نشرت وسائل إعلام عبرية في بداية أكتوبر أن العدد الكلي لعرين الأسود هو 27 مقاتلا، وقد نسبت معلوماتها لمصادر أمنية إسرائيلية، فيما صرح وزير حرب الاحتلال بني غانتس أن العدد الكلي للمجموعة يتراوح بين 20 - 30 مقاتلا.
لا أحد يملك معلومة دقيقة عن عدد أفراد عرين الأسود، لكن الأكيد أن 10 أشخاص سلموا أنفسهم على اعتبار أنهم أفراد في المجموعة، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن بعضهم ليس لديه أي نشاط في العرين وقد يكون انضمامه في مرحلة ما بهدف أن يقوم بتسليم نفسه في مرحلة قادمة، وجزء منهم مصاب ونقل للمستشفى وهناك وصلت الأجهزة الأمنية وأصبح تلقائيا تحت سيطرتها، وجزء بالفعل سلم نفسه لكنه لا يشكل فارقا ميدانيا مهما بالمجموعة حتى لو كان له حضور جماهيري، فالأسماء المهمة والتي لها دور مباشر في العمليات، ترفض أذرع الاحتلال الأمنية فكرة معالجة ملفاتها من خلال التسليم.
من المهم الإشارة إلى أن ظاهرة عرين الأسود، ككل الظواهر الجديدة والنماذج القوية، تتوسع بشكل كبير جدا مستفيدة من زخمها الشعبي، لكن في مرحلة ما يصبح كل فرد فيها تحت اختبار حقيقي، وهذا الاختبار قد حدث بالفعل ولم يكن سهلا: اغتيالات عن بعد لأول مرة منذ سنوات كما في حالة الشهيد تامر الكيلاني، استخدام طائرات مسيرة لأول مرة في عمليات قتالية بالضفة منذ سنوات كما في حالة الشهيد وديع الحوح، مغريات لا حصر لها من السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية. ولا يمكن لأي شخص على اطلاع بصيرورة المواجهة أن يتوقع أن تبقى المجموعة بنفس العدد، لأن ذلك يعني أن كل الناس سواسية في الاستعداد للتضحية والمواجهة وهذا أمر يخالف الطبيعة البشرية.
كان الاختبار الذي تعرضت له مجموعة عرين الأسود، والذي كان مكثفا متزامنا لكنه أعاد ترتيب المجموعة بشكل أكثر صلابة يضمن لها الاستمرار، فمن تبقى وهم أكثر ممن انسحب، هؤلاء أصبحت بالنسبة لهم المواجهة خيار موت أو حياة، وبالتالي فإن المعضلة الإسرائيلية في هذه الحالة تعمقت، لأن التكوين النفسي والثوري لأفراد المجموعة الذين اختاروا خيار المواجهة بعد اختبار قاس، يعني أن المواجهة سواء في البلدة القديمة أو على الشوارع المحيطة بنابلس هي مسألة وقت فقط، وأن المجموعة استطاعت أن تتخلص من عوامل الضعف بفعل الضغط، وهذا سينعكس على معايير المجموعة في التنظيم والاستقطاب.
تجاوزت مجموعة العرين الاختبار الصعب رغم عمرها القصير، وكما سبق وأشرنا فإن الاختبار حولها لمجموعة أكثر صلابة وتماسكا واستقرار، ومما لا شك فيه أنها استخلصت العبر من كل الأحداث السابقة، وتكيفت مع كل الملاحقات التي تعرض لها مساعدون ومقربون وأعضاء محتملون، وهي اليوم تثبّت معادلة الاشتباك في نابلس كمشروع مهم انطلق ولا رجعة عنه مدعوما بكل ما تستطيع المقاومة أن تقدمه، وباهتمام وتفاعل شعبي كبير.