فلسطين المحتلة - قُدس الإخبارية: تحليل وقائع الاغتيالات والاعتقالات التي نفذتها مخابرات وجيش الاحتلال في مواجهة مجموعات المقاومة الفلسطينية، في شمال الضفة المحتلة خاصة، يظهر بوضوح نمطاً من "العمليات الخاصة" يتكرر في كل استهداف، يستند إلى تكتيك استنزاف المجموعات المقاومة اعتمادا على عنصرين: الزمن، والخطأ.
تتبع مسار عمليات الاحتلال لتصفية المقاومين، خلال الشهور الماضية من عمر تجربة المقاومة الحالية في نابلس وجنين، يظهر في غالب الحالات أن العملية تبدأ من حصار قوات خاصة للمقاوم أو مجموعة المطاردين داخل حيز جغرافي صغير نسبياً، قبل أن تقتحم الحيز الجغرافي الأوسع قوات كبيرة تكون على أهبة الاستعداد في المواقع العسكرية أو الحواجز الكبيرة، وفي خلفية الحدث ضباط مخابرات ووحدات تكنولوجية تؤمن للقوات المعلومات اللازمة للعمل في الميدان.
يعتمد الاحتلال في الواقع على الوسائل التكنولوجية والمصادر المعلوماتية البشرية، أي العملاء، في تتبع حركة المقاومين والمطاردين منهم خاصة لتحديد المكان والزمان المناسبين لفتح اشتباك معهم بهدف قتلهم أو اعتقالهم، وهذا كله رهن حركة المقاوم في الميدان التي تحكم في النتيجة النهائية من جملة عوامل أخرى، نجاح أو فشل مخابرات الاحتلال في تصفية المقاوم.
يعتقد الاحتلال من خلال استراتيجية العمليات "الخاطفة" أو الخاصة، أنها وسيلة تكتيكة توفر له في هذه المرحلة تجنب الدخول في عمليات عسكرية واسعة في قلب المدن الفلسطينية، قد تجر المجتمع الفلسطيني كاملاً إلى المواجهة، لذلك يراوح على حافة الاستنفار والحفاظ على "استقرار" نسبي، يعزل من خلاله مجموعات المقاومة عن الامتداد إلى بقية التجمعات الفلسطينية في الضفة المحتلة، من خلال عدم تفجير الوضع بعمليات عسكرية واسعة، وهو ما عاينه بعد الاغتيالات الكبيرة التي نفذها في نابلس وجنين، إذ تصاعدت المقاومة في مناطق أخرى.
يعتمد نجاح العمليات "الجراحية" الإسرائيلية لتفتيت جسد التنظيم المقاوم، في الدرجة الأولى على "تساهل" المطاردين في التعامل مع المحيط الجغرافي وحركتهم غير المحاطة بأسباب الأمن، التي تحتاط لدرجة التعقيد الأمني الذي وصل له الواقع في الضفة المحتلة خاصة، بفعل عوامل مختلفة بينها تفوق دولة الاحتلال في الوسائل التكنولوجية والتغييرات التي أصابت المجتمع بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي.
تاريخ العمل المقاوم الفلسطيني يقدم كثير من الإجابات الشافية، ليس من باب نسخ التاريخ على تجارب مختلفة، لكن للعبرة والنظر إلى جوانب الاستثناء والتقاطع. يحكي تاريخ المواجهة بين المجتمع الفلسطيني ودولة الاحتلال عن قيادات من مختلف التيارات، استطاعت المزاوجة بين العمل النضالي والتخفي لسنوات، جعلت مخابرات الاحتلال تبذل مجهودات كبيرة في محاولة الوصول لهم، وكانت كلمة السر في نجاح هذه التجارب في إبقاء مخابرات الاحتلال، في حالة من الإشغال الدائم والمستمر، هو التخلي عن أية وسيلة تجعل المطارد يقع بسهولة.
من المعلوم أن تجارب المقاومة الحالية في جنين ونابلس مشابهة للمجموعات الكبيرة التي شكلتها المقاومة خلال انتفاضة الأقصى، لكن ما يجب أن ندركه جميعاً أن تجربة الانتفاضة جعلت هذه المجموعات أقدر على البقاء، بينها واقع الاحتلال حينها ووجود عمل ثوري يمتد في الوقت ذاته من رفح حتى أقصى شمال الضفة، ويمتد أثره إلى قلب المدن المحتلة عام 1948، وهو ما جعل جيش الاحتلال يستنزف قواته وجهوده في مناطق واسعة خلف مئات المطاردين.
لا يعني أن استشهاد المقاوم أو اعتقاله هو نهاية للمقاومة ذاتها، لأن التاريخ يؤكد على أن الشعب الفلسطيني حافظ على ديمومة المقاومة رغم كل النكبات والمجازر التي وقعت بها، بل لأن المقاوم عزيز في ذاته على شعبه وعلى البنى التنظيمية التي يمثلها، وهو يمثل كادراً تثويرياً لمجتمعه الذي تشكل النخب المقاومة أبعاداً رمزية عالية التأثير فيه، كما أن إدامة الوجود المقاوم في الميدان يمنع الاحتلال من الاستقرار ويحفز بقية المجتمع على الانضمام للمجهود الثوري.