الإضراب الجديد.. بين الأمنيات برؤية الاهل وردّ الجَميل
بعد 10 سنوات من العزل الإنفرادي، حملت إرادة الأسير عبد الله البرغوثي على خوض الاضراب الجماعي مع الأسرى في الـ 17 من نيسان 2012، بمشاركة غالبية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، والذي كان أبرز مطالبه إخراج الأسرى من العزل الانفرادي، وفي 16 / 5 / 2012 بدأ الإحتلال بإخراج الأسرى من العزل إلى الأقسام الجماعية بعد أن وقّع الأسرى اتفاقاً بذلك برعاية مصرية.
تقول زوجته: "أشعرنا خروجه من العزل وأشعره بانتهاء الغربة، وكأنه تم اعتقاله حديثاً ليس إلا، حتى هو شعوره بمشاركة الأسرى بصلواتهم وطعامهم أشعره بنفسية أفضل خاصة أن خروجه من العزل مكّن أبناءه وأخيراً من زيارته بعد 10 سنوات من المنع"، وكأنه أخيراً خرج من الأسر -وفق قولها-.
عاش عبد الله نحو 10 أشهر خارج العزل، ومن ثمّ قرر خوض الإضراب عن الطعام للمرة الثانية مشاركاً الأسرى الأردنيين -وهو من حملة الجنسية الأردنية- اضرابهم عن الطعام الذي بدأ في الثاني من أيار عام 2013. يهدف الإضراب بالدرجة الأولى للضغط باتجاه السماح لذوي الأسرى بزيارتهم خاصة أن بينهم من لم يرَ ذويه منذ ما يزيد عن 15 عاماً.
إضافة إلى ذلك يخوض عبد الله الإضراب رفضاً لاحتمالية العودة إلى العزل الإنفرادي ودعماً لرفيقه الأسير الأردني منير مرعي (36 عاماً) والمحكوم بالسجن 5 مؤبدات والمعتقل منذ 10 سنوات منع خلالها من زيارة ذويه، وحين أتوا رفض مقابلتهم تضامنا مع أخيه عبد الله.
السبب الثاني لإضراب الأسرى هو المطالبة بتطبيق إحدى بنود اتفاقية وادي عربة (1994) بين الحكومتين الأردنية والإسرائيلية، والتي نصت بشكلٍ مباشر على نقل الأسرى الأردنيين إلى سجون الحكومة الأردنية وهو الأمر الذي لم يطبق حتى اليوم رغم النصوص الواضحة لذبك، حسب تعبير أم أسامة.
التفاعل الميت مع القضية
أم أسامة، زوجة الأسير عبد الله، أبدت أسفها على عدم وجود تفاعل كافٍ في الشارع الفلسطينيّ مع إضراب عبد الله واخوانه الذين "أفنوا زهرة شبابهم في سجون الإحتلال فداءً لفلسطين". فيما أبدت أملها أن تستمر التحركات في الشارع الأردنيّ وان ترى على إثرها تفاعلاً من الجانب الأردنيّ الرسميّ.
[caption id="attachment_19813" align="aligncenter" width="403"] أطفال الأسير عبد الله مع جدهم في الأردن قبل أيام[/caption]وترى أم أسامة أن للتضامن الشعبيّ أثراً كبيراً في دعم الأسرى واستمرارهم في الاضراب، إلا أن الأسير عبد الله قالها بجدية: "كل كيلو غرام أفقده من وزني يحثني أكثر على خسارة المزيد لأنال الفرج وأرى أهلي قريباً".
الرسالة الواضحة للشارعين الأردني والفلسطيني، الرسمي والشعبي بحسب أم أسامة تقول: "اسعوا لإنهاء الإضراب وتحقيق مطالبهم فهي ليست معقدة، ولا مستحيلة.. بل هي مطالب انسانية، وعلى المسؤولين فهمها دون حديث أهالي الأسرى والأسرى بها".
هذا هو ما أكدته شقيقته ريم في حديثها مع "شبكة قدس"، حيث قالت: "الحكومة الأردنية وحتى الإعلام بدأوا حديثاً فقط بالتعرف على الأسرى الأردنيين، فالتفاعل الاعلامي قليل مقارنة بما هو واجب رغم أن ثمة تحركات على صعيد الاعلام المجتمعي وصفحات الفيس بوك". وتضيف: "مثلا تدّعي الحكومة الأردنية ان هناك فقط 16 أسيراً من حملة الجنسية الأردنية، وذلك بحسب ما أبلغهم به الاحتلال، وكلما سألهم أهالي الأسرى عن المستجدات قالوا إنهم يعملون بصمت وسرية".
أما الأسير عبد الله ففي سؤال أوصلناه إليه عن طريق محاميه حول تفاعل الدبلوماسيين الأردنيين في "إسرائيل" مع قضية الأسرى الأردنين، قال ساخراً إنه يطالبهم بضرورة تناول الزنجبيل بالعسل كونه يحافظ على حناجرهم من البح لكثرة تفاعلهم مع القضية، على حد وصفه.
بالنسبة لآخر أخباره قالت ريم إنه بصحة سيئة، وقد خسر الكثير من وزنه فقد كان وزنه نحو 105 وهو اليوم نحو 88 كيلو فقط، فيما يستمر سجانوه بإساءة معاملته. وكان محاميه قد أبلغهم يوم الأحد 23 حزيران بأنه تعرض للضرب المبرح على يد سجانيه، وآثار الكدمات تبدو واضحة في منطقة البطن والوجه.
وأكملت:" هو في مستشفى العفولة الإسرائيلي حيث يتلقى العلاج، برفقة 3 من السجانين، وقيد حديدي في قدميه يتسبب في إدمائهما كلما تحرك، مما دفعه لارتداء أكثر من جورب".
"ورغم كل ذلك فإنه والحمد لله يخبرنا أنه سوف يستمر أانه تعاهد مع زملائه الأسرى المضربين بانه لن يفك إضرابه إلا في السجون الأردنية".
والده الممنوع من زيارته منذ ما يزيد عن العشرين عاماً، يتمنى أن تمر هذه الأزمة "الYضراب" على خير، وهو لن يقنط من رحمة الله، ومتفائل بأن يفرج الاحتلال عن ابنه عقب هذا الاضراب وينال حريته وتقر به عينيه.. متمنياً ان تهتم الحكومة الأردنية في الأسرى، hهتماماً فعلياً.
ويضيف والده: "رغم أني لم أتخيل في يومٍ من الأيام أن يشارك أي من أبنائي في النضال ضد الإحتلال الإسرائيلي إلا أني موقنٌ أن ولدي لن يوقف الاضراب، ونحن نقف معه ومع أقرانه المضربين ونقول لهم "اصبروا وصابروا".
وطالب البرغوثي في ردّه على رسالة منا وصلت عبر المحامي السياسيين أن ينفقوا أموال التنظيمات والأحزاب على أمور أهم من موائد الإفطار الجماعي التي سيزدحم بها شهر رمضان وأن يكتفوا باللبن والتمر فنحن اكتفينا بالماء والملح".
[caption id="attachment_19812" align="aligncenter" width="259"] صورة في منزل الأسير عبد الله[/caption]"أمير الظل، والماجدة، والمقصلة" الرسالة والعبرة
أصدر عبد الله أول كتاب مطبوع له تحت عنوان "أمير الظل" روى فيه جوانب من عمله النضاليّ وأرخ فيه حياته بشكلٍ عام. كانت فرحة العائلة بهذه الكتيبات لا توصف وشرع أهله وأصدقاؤه بنشر هذه الكتب والتعليق عليها وطباعتها.. كانت الشغل الشاغل لهم، ورأت فيه زوجته بوابة النور التي حافظت على رزانة زوجها رغم سنوات العزل الانفرادي الطويلة التي استغلها بالكتابة والمعرفة.
قال لها في إحدى رسائله : "إن شخصية الماجدة تصغر أمامك وأمام ما عانيته وأنت وحدكِ مع أطفالنا، والماجدة لم تروِ قصتك لكنها حاكتكِ أنت وحاكت ما تحملته".
وأضاف عبد الله في مقدمة روايته الفتاة "بطلة الرواية" التي أسميتها ماجدة قد أبكته المرة تلو الأخرى من فداحة ما عانته من شدائد وما لقيته من مآسٍ ومصائب ويتابع: "من هناك من قبر العزل الانفرادي في غرفةٍ مظلمةٍ وجدرانٍ سوداء أخرجت لكم رواية الماجدة، ذكرياتٌ بلا حبرٍ ولا ورق أخرجتها من قلب الحزن والألم لتكون صرخةً مدويةً ليعلم القاصي والداني أن فلسطين ما تزال في الأسر، وأن تحريرها واجبٌ علينا جميعاً وأن الماجدة هي أمكم وزوجتكم وأختكم وابنتكم، إنها فلسطين".
أما عما إن كانت كتبه هذه قد ساهمت في نقل معاناته وتصوره ورسالته فقال الأسير البرغوثي بأن رسالته لم تصل بعد وأن الكتابين اللذين يعتبرهما رأس حربة عمله النضالي وفكره الجهادي النظري وفكره الجهادي الدعوي هما كتاب "بوصلة المقاومة" وكتاب "الميزان جهاد الدعوة ودعوة المجاهدين" وبذلك يكون قد بدأ بشكل فعلي بنشر الأفكار التي يؤمن بها على حد تعبيره.
*ساهم في إعداد مادة هذا التقرير كلّ من: إسراء السخل، شهاب شهاب، وفادي حلاحلة.
عبد الله البرغوثي: مهندس القسّام الخفيّ الذي لا "يخف" إصراره (1)