الخليل - خاص قُدس الإخبارية: الرصاصات التي أطلقها الشهيد محمد الجعبري نحو أجساد المستوطنين، في الخليل، الليلة الماضية أعطت دفعة معنوية كبيرة للفلسطينيين في ظل الظروف التي مرت بها المقاومة، خاصة في الشمال، خلال الأيام الماضية والتساؤلات التي تثار منذ شهور عن دور المدينة الأكبر في الضفة، في حركة المقاومة.
عن دلالات العملية
يرى الباحث السياسي، محمد أبو حديد، أن العملية تحمل دلالات "زمنية" و"جغرافية"، وأوضح: تأتي العملية في ظل الظروف النفسية والأمنية التمر بها "حالة" المقاومة، في الضفة المحتلة، بعد الاغتيالات التي نفذها جيش الاحتلال في نابلس، والأحاديث عن "ضربة" أو "تقويض" مجموعات "عرين الأسود".
ويعتقد أبو حديد أن ما يجري في الضفة المحتلة حالياً يصح أن يطلق عليه اسم "حالة"، وقال: الحالة تأتي في المنتصف بين "الموجة" و"الانتفاضة"، الحالة إذا توفرت لها عوامل دفع ذاتية وموضوعية قد تصبح انتفاضة، العملية في الخليل تدعم الحالة في نابلس وجنين.
وعن الدلالات الجغرافية، يقول: حاول البعض الحديث عن تقسيم الضفة إلى مناطق والحديث تأخر المقاومة في مناطق معينة، بينها الخليل، في الحقيقة فلسطين وطن واحد ولكن للخصوصيات الشعبية والأوضاع الأمنية تجعل منطقة تتأخر عن الأخرى، طبيعة الثورات تقول إن الناس عندما يقتنعون أن الحالة الثورية ليست "سحابة صيف مارة" فإن هذا يشجعها على الدخول.
وأكد أبو حديد في لقاء مع "شبكة قدس" على الأبعاد المعنوية في حركة المقاومة الحالية بالضفة، وأوضح: العمل الثوري لا يقوم على الإيذاء والخسائر فقط، بل من خلال صناعة الوعي والمعنويات، ما نجح فيه شمال الضفة هو أنه وفر بيئة وحالة لصعود المقاومة.
هل يمكن استنساخ تجربة الشمال في الخليل؟
يرى أبو حديد أنه ليس المهم هو "استنساخ نفس التجارب في كل المناطق" بل التشابه في "الأهداف والغايات الكبرى".
ويشير إلى الأوضاع الأمنية في الخليل تجعلها مختلفة عن باقي المناطق، وقال: طبيعة الجغرافيا في الخليل معقدة، البلدة القديمة رغم أنها مناسبة للاختباء والاحتماء، لكنها تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية.
وعن الطبيعة الاجتماعية في الخليل، يوضح: في الشمال توجد علاقات اجتماعية العابرة للانتماءات الحزبية، خلقت حالة تمازج في مجموعات المقاومة، وهذا صعب حالياً في الخليل.
وأضاف: هذه الظروف الأمنية والجغرافية في الخليل تجعل من الصعب بناء مجموعات كبيرة للمقاومة، وليس شرطاً في الثورات استنساخ نفس التجارب.
واعتبر أن في الخليل "نقطة ضعف وقوة في نفس الوقت"، وهي الشعبية التنظيمية الواسعة لحركة حماس، مما يوفر لمخابرات الاحتلال فرصة معرفة معظم النشطاء المرشحين لممارسة المقاومة.
وتابع: أمن الاحتلال يجري تحقيقات الآن لمعرفة ارتباطات المنفذ، وهل كانت العملية فردية أم ضمن تشكيل تنظيمي، وبناء على النتائج ستتخذ إجراءات أخرى.
وأشار إلى إجراءات الاحتلال بعد العملية في الخليل وعمليات الاغتيال التي نفذها في شمال الضفة، يعكس تقديراً لدى الاحتلال أن هذه العمليات "مختلفة" عن مراحل سابقة، وقال: الاحتلال يخطئ التقدير في كل مرة، زيادة القمع و"العقاب الاجتماعي" يعطي فرصة لتمدد حالة المقاومة، مشاهد العملية لم نراها منذ نهاية الانتفاضة الثانية، هذا يعطي مؤشرات أن الاحتلال أمام حالة مختلفة.
واعتبر أن مخابرات الاحتلال "انساقت خلف مطالب المستوطنين، في فرض إجراءات أشد قسوة على الفلسطينيين، وهذا سينعكس على الأوضاع الميدانية".
عن تركيبة الخليل وعلاقتها بالعمل العسكري
يشير أبو حديد إلى نقطة ضرورية في سياق فهم دخول مدينة الخليل، في العمل العسكري المباشر خلال الهبات والانتفاضات الفلسطينية، وهي أن معظم أهالي المدينة من الطبقة الوسطى أو فوق الوسطى، وهذه الطبقة "حذرة" دائماً أمام الأحداث السياسية والعسكرية.
وأضاف: في الأحداث الماضية كانت تأتي على شكل "موجة" وتنقضي، لكن الحالة الحالية مستمرة منذ شهور، وهذا يعطي دافعية للناس.
وعن تأثيرات انخراط الخليل في الحالة الحالية، يقول: نحن نتحدث عن مساحة جغرافية واسعة وعدد سكان كبير، في انتفاضة الأقصى دخلت الخليل متأخرة نسبياً كحال عدة فصائل، لكن دخول الخليل سيربك أجهزة أمن الاحتلال، بعد فترة اعتبر فيها أن الخليل "مدينة هادئة" بعد حزمة "تسهيلات"، هي عبارة عن فتات لا تلبي حقوق الشعب الفلسطيني الذي يطمح للحرية.
وأكد أن العمل العسكري في الخليل لم ينقطع بعد نهاية انتفاضة الأقصى، وأوضح: الخليل هي المدينة الوحيدة بحكم زخمها البشري والتنظيمي، التي استمرت في محاولات إحياء العمل العسكري، وهنا نذكر تجربة الشهيد شهاب النتشة ولاحقاً عمليات "سيل النار" التي نفذها الشهيدان نشأت الكرمي ومأمون النتشة ثم خطف المستوطنين عام 2014، لذلك تعرضت المدينة لاستنزاف كبير طوال هذه السنوات، في 2010 اعتقل الاحتلال 500 من نشطاء المدينة خلال أيام.
واعتبر أن الاحتلال يملك خيارات أسهل في ملاحقة "العمل التنظيمي" مقابل "العمل الفردي".
الخليل: تجربة فريدة في العمل المسلح
من جانبها، تقول الكتابة السياسية لمى خاطر إن "الخليل قد تدخل متأخرة قليلاً في المواجهة المسلحة في الانتفاضات والهبات الشعبية"، وأردفت: لكن دخول الخليل يحمل دائماً نقلة نوعية في العمل المسلح.
وتتفق خاطر، في لقاء مع "شبكة قدس"، على أن "طبيعة الحيز الجغرافي وما يترتب عليه من ظروف أمنية" يجعلان من الصعب بناء مجموعات كبيرة للمقاومة، كحال شمال الضفة المحتلة.
وتضيف: في الخليل توجد بلدة قديمة كما في نابلس وغيرها، لكنها واقعة تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية، وهذا نراه في الحي الاستيطاني والمسجد الإبراهيمي وبقية أزقة البلدة التي ينتشر فيها جنود الاحتلال والمستوطنين بكثافة.
وأشارت خاطر إلى ظاهرة عدم وجود مخيمات ملتصقة بمدينة الخليل كما هو في مدن أخرى في الضفة، وأوضحت: العروب ومخيم الفوار بعيدان نسبياً عن المدينة، ومن المعروف أن المخيمات لها تاريخ في انطلاق العمل الثوري.
وذكرت أن الخليل كان لها تجربة خاصة في العمل العسكري، وقالت: في الانتفاضة الأولى يمكن الإشارة إلى مجموعات القسام التي انطلقت من المدينة وريفها، وفي انتفاضة الأقصى اشتغلت مجموعات مختلفة للمقاومة في مواجهة الاحتلال، وفي أكثر الفترات حرجاً في انتفاضة الأقصى عام 2005 انطلقت خلية للمقاومة بقيادة شكيب العويوي واستمرت لعدة شهور وتسببت بمقتل أكثر من 14 مستوطناً وجندياً.
وتابعت: في انتفاضة القدس عام 2015، كان للخليل دور هام في العمليات الفردية النوعية، مثل عمليات شادي مطاوع والحروب وقناص الخليل وغيرها.
وترى خاطر أن العمليات في الخليل تميل إلى نمط "فردي/مركز"، وهذا يمكن التأكيد عليه في عملية خطف الجنود الثلاثة وغيرها، التي تؤكد على طبيعة الخليل.
وتابعت: في الفترة الأخيرة سمعنا أصوات ومطالبات شعبية للخليل بتخفيف الضغط عن الشمال، وهذا كان تخوفاً كبيراً لدى الاحتلال، في ظل تركز الاستخبارات وقوات الاحتلال في منطقة جغرافية معينة.
وقالت: هدف المقاومة وجمهورها هو إدامة حالة المقاومة عبر إشغال الاحتلال وعدم السماح له بالاستفراد بمنطقة واحدة.
دور العملية في إسناد المقاومة بالشمال
تؤكد خاطر على دور العملية في الخليل على "رفع الحالة المعنوية للمقاومة في الشمال وإسنادها على مستويات مختلفة"، وتشير إلى عملية الشهيد عدي التميمي التي شكلت هي الأخرى دافعاً هاماً لمجموعات المقاومة في نابلس وجنين.
وأضافت: عملية الشهيد عدي التميمي لها انعاكسات هامة على الحاضنة الشعبية، وحتى على الخليل، ورأينا الالتزام الحديدي بالإضراب من قبل الناس دون أن يطلب منها أحداً ذلك، وهذا يمثل انعكاسات العملية على وعي الناس ومعنوياتهم.
عن دور العمليات في تحفيز المقاومة
وأشارت خاطر إلى ارتباط الشهيد فكرياً بحركة حماس وهذا الأمر "يقلق مخابرات الاحتلال"، لأن هذه العمليات تشكل "دافعاً معنوياً لآخرين لتنفيذ عمليات مشابهة".
وأوضحت: هنا يمكن الإشارة إلى عملية الشهيد رعد خازم، التي جاءت بتشجيع من حالة المقاومة في جنين ومخيمها، وهذا شجع الشهيد ضياء حمارشة ومنفذي عملية "إلعاد" والبقيعة في الأغوار، الذين خرجوا من جنين وريفها.
وتابعت: هذا يشكل مصدر خشية للاحتلال، لأن الشهيد يشجع محيطه الجغرافي والاجتماعي، وهذا أحد أبرز وجوه استمرارية المقاومة.
عن مركزية الخليل في منظومة "الاستيطان الاستعماري"
تمثل محافظة الخليل مركزاً استراتيجياً للاستعمار الاستيطاني، الذي يخترق قلب المدينة، لذلك تمثل المقاومة تهديداً أمنياً خطيراً على مخططاته في التمدد والتوسع وابتلاع مزيد من الأراضي.
وتقول خاطر: مؤخراً كانت الدعايات التي تطلقها الجماعات الاستيطانية، تركز على المسجد الإبراهيمي والبلدة القديمة بناء على "روايات خرافية" يستخدمها الاحتلال في سبيل دعم مشروعه الصهيوني الاستعماري، وهذه الدعايات كانت تقول بوضوح إن الهدف السيطرة على كل البلدة القديمة والمسجد الإبراهيمي.
وأشارت إلى أن الاحتلال يقيم كتلاً استيطانية كبيرة حول مدينة الخليل يعيش فيها أشد المستوطنين "عدوانية"، وذكرت المستوطن "عوفر" الذي أصيب بجروح خطيرة في عملية الشهيد الجعبري، وكان له دور في قتل عدد من الشبان الفلسطينيين بينهم الشهيدة وفاء البرادعي، قبل عام ونصف.
وتؤكد خاطر على أن العملية تشكل هزة كبيرة لـــ"حالة الأمن الموهومة التي اعتقد الاحتلال وميلشيات المستوطنين أنها تحققت لهم في الخليل"، وهذا ظهر جليَاً في الحشودات الكبيرة للمستوطنين في المسجد الإبراهيمي والبلدة القديمة، خلال "الأعياد اليهودية"، قبل أسابيع.
وقالت: المساس بأمن المستوطن يعني اهتزاز الدوافع المعنوية والنفسية التي تجعله يلتف حول المشروع الصهيوني، فلسطين بالنسبة لهم هي فرصة للحصول على مسكن وظروف مادية ورفاه على حساب أصحاب الأرض، لذلك فإنه لن يعيش في منطقة يعتبرها "ساقطة أمنيا"، وهذا رأيناه في منطقة قبر يوسف التي تعرضت لاقتحامات كبيرة من قبل المستوطنين، وبعد عمليات المقاومة هناك أصبح الاحتلال يخشى الاقتحامات، وهذا جوهر وجود المقاومة وهو تدفيع الاحتلال والمشروع الاستيطاني أثمان كبيرة على وجوده.