فلسطين المحتلة - قُدس الإخبارية: "لا تصدقوني إلا إذا رأيتموني شهيداً"، هكذا وضع الشهيد فتحي الشقاقي نفسه أمام اختبار الصدق الأعلى في مسيرة أي مناضل ومقاوم في سبيل الحرية، وهو أن يختبر مبادئه على أرض الواقع، ويدفع من روحه وحريته الثمن.
ولد الشقاقي لعائلة فلسطينية هجرت من قرية زرنوقة قضاء الرملة، عام النكبة، وكابد معاني أن تكون لاجئاً وتعيش في قطاع غزة الذي لاقى فيه اللاجئون الفقر والضنك، بهدف دفعهم للقبول بعروض توطينهم خارج فلسطين.
بدأت رحلة الشقاقي من التساؤلات التي طرقت رأس الفتى الفلسطيني: "ما العمل؟" و"كيف نحرر فلسطين؟".
حرم الشقاقي من والدته التي رحلت عنه وهو طفل، وبقي يرثيها حتى شهادته، ومن هذا القلب المعلق بالأرض والوطن الأم شق طريقه نحو البحث عن الطريق المستقيم المؤدي إلى فلسطين.
في البداية اعتنق الفكر الناصري، وكحال جميع جيله أصابته النكسة التي أصابت الأمة العربية في حزيران/ يونيو 1967 بهزة فكرية عميقة، وبدأ بالتعرف على أفكار إسلامية مختلفة.
بعد حصوله على شهادة الثانوية، التحق الشقاقي بجامعة بيرزيت وتخرج منها حاصلاً على بكالوريوس في الرياضيات، وبعد فترة من عمله في التدريس سافر إلى مصر للحصول على شهادة في الطب.
كانت مرحلة مصر ربما الأغنى فكرياً وسياسياً في حياته، وهناك تعرف على رفاق رحلته الجهادية الدكتور رمضان عبد الله شلح وغيرهم، وكانت له مقالات دورية بأسماء مستعارة مختلفة في المجلات الإسلامية "الطليعة" وغيرها.
وبعد عودته إلى غزة، اعتقل الاحتلال الشقاقي مرتين وفي هذه الأجواء بدأت الأفكار التي يحملها تجذب مزيداً من النشطاء، الذين شكلوا النواة لما سيعرف لاحقاً باسم حركة الجهاد الإسلامي.
بعد الانتفاضة الأولى، أبعد الاحتلال الشقاقي إلى خارج فلسطين وبقي في المهجر القسري حتى شهادته.
من اليوم الأول بعد اتفاقية أوسلو أعلن الشقاقي معارضته لنهج التسوية، وشكل مع بقية فصائل المقاومة تحالفاً واسعاً لإبقاء شعلة المواجهة في الوعي الفلسطيني، ومنع نهج المفاوضات من التمدد.
امتلك الشقاقي علاقات واسعة من القوى الإسلامية وخاصة الثورية منها، وتأثر بتجربة الثورة الإسلامية في إيران، التي شكلت أحد المنعطفات المصيرية في تاريخ المنطقة، خلال القرن العشرين.
نفذ الجناح العسكري للجهاد الإسلامي، خلال فترة تولي الشقاقي قيادة الحركة، عدة عمليات نوعية أبرزها العملية الاستشهادية في بيت ليد.
في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 1995 كان الشقاقي على موعد مع الشهادة، بعد أن فتح عناصر من الموساد النار عليه في قبرص، خلال سفره من قبرص.
شكل الشقاقي مرحلة فارقة في تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة، بعد أن وضع فلسطين في مركزية فكرته عن حاضر الأمة ومستقبلها، في وسط عاصفة من السؤال في تلك المرحلة عن دور الإسلاميين في مسيرة الكفاح.
تأثر الشقاقي بمختلف المفكرين الإسلاميين في العصر الحالي (قطب، توفيق الطيب، الخميني) وغيرهم، إلا أنه استطاع من هذا الوسط النظري الخروج بنظريته الخاصة عن الصراع وموقع الإسلام في هذا العصر، ونزل بها إلى أرض الواقع.