للإجابة على هذا السؤال يجب أن نعيد التذكير ببعض الحقائق المهمة التي يجب أن تظل حاضرة في أذهاننا لأهميتها في فهم الصراع الدائر بيننا وبين الاحتلال "الإسرائيلي "
أولاً.. فلسطين التاريخية تمثل مساحة جغرافية صغيرة نسبيا قياسا لحجم الدول ولا تمتلك عمق كبير، لذلك بمثال بسيط يجد المتابع أن طولكرم تبعد عن يافا المحتلة " تل أبيب " ثمانية كيلو مترات فقط..
ثانيا.... السكان المستوطنون في الكيان يتركز وجودهم في وسط فلسطين المحتلة حيث أن أعلى معدل كثافة سكانية موجود في هذه المدن ومحصور في مساحة جغرافية صغيرة تقع بين الضفة في الشرق والبحر في الغرب.
ثالثا... الوجود الفلسطيني في الداخل والضفة هو تهديد استراتيجي حقيقي للاحتلال لم يستطع التغلب عليه، حيث أن هذه التكتلات البشرية يصل عددها لأربعة ملايين فلسطيني موزعين على الداخل والضفة تقريبا مناصفة، وقد فشل الاحتلال بدمجهم عبر مشاريع السلام الاقتصادي والأسرلة وما زالوا يرون في الكيان عدو محتل لوطنهم.
هذه الثلاث حقائق تشكل العقيدة الأمنية والعسكرية للاحتلال في التعامل مع الوجود الفلسطيني وخاصة في الضفة، وهو يرى في الضفة الجغرافيا الملاصقة له، والتي تطل على مدن المركز وهي في حالة تماس مباشر معها، ويعلم أنه في حال اشتعال الضفة لن يقف تأثير هذا الاشتعال عند حدود مستوطنات الضفة التي باتت تستقطب مليون مستوطن، بل ستشكل الضفة معضلة أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية... الخ
هذه المعضلة ستواجه كل مدن المركز والتي تعتبر الأضخم من حيث السكان وفيها كل مراكز الثقل المختلفة، وبذلك ستظهر دولة الاحتلال ككيان يصارع للبقاء بعد سبعين عام على احتلال فلسطين، وهذه الفرضية مؤذية للاحتلال لأنها تطعن في شرعية وجوده وإمكانية استمراريته، خاصة عندما يظهر بمظهر الفاشل في إخضاع شعب يرى فيه محتل لأرضه ويقاوم وجوده.
هذه المشروعية تمثل عقدة نقص عند هذا الكيان، رغم امتلاكه لأعتى الأسلحة والوسائل، وبماذا تفيد الأسلحة والوسائل عندما يواجه شعب ثائر يراه لص وضيع ولا يعترف بوجوده!
لذلك هو في سباق محموم لإخماد هذه الحالة المتصاعدة في الضفة التي تشكل انكشاف لسوأته أولا، ثم ضاغط حقيقي على المستوطنين ومراكز الثقل لديه، وهي عملياً ترجع الصراع لحقيقته الأولى لما قبل أوسلو، كونه صراع بين شعب يتوق للحرية واسترداد حقوقه مقابل احتلال مدجج بالسلاح يسرق أرضه وحقه ويقتله لمطالبته بحقوقه التي كفلتها له كل الشرائع والمواثيق بما فيها الحق بمقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة حتى زواله.
لذا فإن الاحتلال يعرف جيدا أن النصر في المعركة ليس للأقوى بل لصاحب الحق الذي يتسلح بالإيمان والعقيدة في مقابل المستوطن الذي جاء مهاجر ليحصل على امتيازات حياتية، ولم يكن في رؤيته أو نيته أن يدفع ثمن وجوده من أمنه أو دمه، وخاصة ونحن نتحدث عن فئة كبيرة تحتفظ بجنسيات أخرى ولا ترى في كيان الاحتلال المشروع من الامتيازات المعيشية.
على العكس من رؤية الفلسطيني الذي يستعذب التضحية والفداء دفاعا عن دينه ووطنه، ولا يمل من تقديم التضحيات لإيمانه الراسخ بأحقية معركته ومشروعيتها وطهارة هدفه...
حالة الوعي هذه هي ما يخشاه الاحتلال ويحاول طمسها وتغيبها بكل الطرق، لأنه يدرك أنها لو اشتعلت في النفوس، ثم ترجمت لفعل مقاوم على الأرض، فهو غير قادر على محاصرتها واخمادها، وستأثر تأثير كبير على كل مناحي الحياة لديه، وستدفع الآلاف بل الملايين للتفكير الجدي في استمرارهم بالبقاء في أرض يدفع أبناءها من دمائهم ليستردوها من الغزاة المستوطنين.