فلسطين المحتلة - قُدس الإخبارية: علقت حبال الزينة، وخطت عبارات الفرح على الجدران، تستعد عائلة "براهمة" لقرع طبول فرحتها الأولى، كان محمد براهمة "ألونة" (29 عامًا) الذي أشرف على تلك التجهيزات سينزل للسوق لشراء بدلة رسمية لحضور حفل زفاف شقيقته المقرر أمس الخميس (29 سبتمبر/ أيلول)، وكأنَّه دون أن يدري كان يجهز بيته لـ "عرس الشهادة" استبدل فيه البدلة بكفن أبيض، وعلت أصوات الزغاريد وهو يحمل على أكتاف الرجال، زف بالورود التي ألقتها النسوة على جثمانه، بعد استشهاده برفقة رفيق دربه عبد الرحمن خازم في اشتباكات مع جيش الاحتلال التي اقتحمت مخيم جنين يوم الأربعاء.
قبل استشهاده بيوم، تردد محمد على بيت عائلته في قرية "عنزة" جنوب جنين ثلاث مراتٍ، استغرب منه شقيقه أحمد (28 عامًا)، وكأنه كان يشعر أن أمرًا ما سيحصل له، علمًا أن محمد يسكن في مخيم جنين.
الفرح لم يتحول لمأتم
"فرحنا أصبح فرحتين" .. يرفض أحمد فكرة أن الفرح تحول لمأتم وهو يتحدث عبر الهاتف لشبكة "قدس الإخبارية" يزف شقيقه الشهيد كان صوته مشدودًا بأحبال الصبر والتماسك: "طلب الشهادة، وأكرمه الله بها، فرحتنا أصبحت كبيرة، ونحن صابرون، فقط الحزن على ألم الفراق".
رافق أحمد شقيقه في التحضير لفرحة العائلة الأولى "بالأمس كان عرس أختي، كان مقررا أن يشتري بدلة زفاف في نفس يوم استشهاده، لكنه ارتدى الكفن الأبيض (..) أحضر أخي كروت الدعوات وقام بتوزيع كروت الدعوات على الأقارب والجيران، وكأنه كان يدعوهم لحضور عرس الشهادة الذي لم يتأخروا في الحضور إليه وتلبية الدعوة، رتب للمنطقة التي أراد أن نقيم فيها الفرحة، والآن أصبحت فرحتنا فرحتين وأقمنا عرس استشهاده فيها".
كان محمد وعبد الرحمن خازم صديقين، يحرك صوته مشاهد من هذه الصداقة: "لم يفترقا، حكمت عليهما المطاردة أن يتنقلا في بيت واحد، امتدت صداقتهما عبر سنين طويلة جمعتهم البندقية والمقاومة، حتى أصبح الاثنان حديث الإعلام العبري".
لم يكن خبر استشهاد محمد مفاجئًا لعائلته، فكانت تتوقع أن يصل الخبر في أي لحظة وخلال أي اقتحام، بعد حياة مقاومة بدأت من الحجر إلى البارودة، ومن الطفولة حتى الشباب "روت لنا أمي، أنها اختلفت مع أبي على اسمه لحظة ولادته، فرأت النبي في المنام يطلب منها أن تسميه "محمدًا"، كبر محمد على أحداث الانتفاضة الأولى، عام 2004 وكان قد بلغ العاشرة من عمره، وكان يشارك في رجم الحجارة على الدبابات والآليات العسكرية، وأصيب برصاصة إسرائيلية في قدمه اليمنى".
بعد الإصابة، وبعد عشر سنوات اعتقل الاحتلال محمد وشقيقه أحمد عام 2014 واستمر الاعتقال لثلاث سنوات متواصلة، قبل أن يفرج الاحتلال عنهما ثم عاد واعتقل محمد عدة مرات ليصبح مجموع سنوات اعتقاله خمس سنوات، يستذكر شقيقه "اعتقلنا بسجن مجدو، وتنقلنا إلى سجن "جلبوع" والنقب، كان محبوبا لدى الأسرى، معنوياته عالية، عشنا بنفس الغرفة، أذكر مرة تعاركت مع سجان، فتكالب علي اثنان، لكن أخي جاء وقام بطرحهم أرضًا".
رغم أنه مطاردٌ، عاش محمد حياته كأي فرد طبيعي، "صحيح أن قدومه للبيت كان نادرًا بسبب مطاردته، لكن رفض ربط حياته بالمطاردة، فبنى شقة له وخطط أن يتزوج حتى أننا كنا قد حددنا عروسا وكانت أمي تستعد لخطبتها خلال الفترة القريبة المقبلة".