رام الله - خاص قدس الإخبارية: تسير المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة نحو استعادة قوتها التي أخذت بالتراجع عام 2007، وذلك فترة من العمل الفردي أو الخلايا العشوائية امتدت منذ عام 2014 وحتى معركة سيف القدس عام 2021.
وتعكس المعطيات الميدانية للمقاومة على الأرض عن تحول العمل من الطابع الفردي إلى الطابع الجماعي عبر الكتائب المنتشرة في أغلب مناطق شمال الضفة الغربية المحتلة والتي بدأت تبحث عن الامتداد في مناطق جنوب ووسط الضفة الغربية.
وبات الاحتلال الإسرائيلي يواجه معضلة في وقف تصاعد عمليات المقاومة في الضفة المحتلة، حيث تقدر عدد عمليات إطلاق النار التي وثقتها منظومة الاحتلال الأمنية والعسكرية منذ بداية العام بقرابة 100 عملية إطلاق نار منها 80% في مناطق شمال الضفة.
ورغم أن عمليات إطلاق النار استهدفت جنود الاحتلال ومستوطنيه على الحواجز والطرق الالتفافية للمستوطنات في الضفة، إلا أن اللافت في الأمر هو التخطيط لتنفيذ عمليات ذات طابع نوعي في عمق الاحتلال مثل محاولة تنفيذ عملية في يافا.
وإلى جانب هذه المحاولة تأتي عملية الأغوار في البقعية لتعكس اتجاه المقاومة لاستهداف الاحتلال في المناطق الواقع لسيطرته الأمنية والتي تحظى بتواجد مكثف من قبل الجنود والمستوطنين، وهو ما يعني أن المقاومة تتقدم في الشق العملياتي بوتيرة متصاعدة.
وفي هذا المضمار لا يمكن إغفال جوانب مهمة تواجه المقاومة مثل التسليح والملاحقة الأمنية المكثفة، فمن الناحية العسكرية تفتقر المقاومة كثيرًا للبنية التحتية على صعيد الأسلحة التي تمتلكها، فهي تعتمد على الأسلحة الرشاشة في الفترة الأخيرة مثل "m16" إلى جانب محاولات تصنيع عبوات محلية لاعتراض آليات الاحتلال.
في الأثناء، يقول الباحث والمختص في الشأن العسكري رامي أبو زبيدة إن تصاعد الأحداث منذ انتهاء معركة سيف القدس في 21 مايو/أيار 2021 واضح بشكل حقيقي وميداني وهو الأمر الذي يتضح في تصاعد العمل العمل المقاوم وتشكل بؤر ومناطق باتت عصية على الاحتلال.
ويضيف أبو زبيدة لـ "شبكة قدس" أن هناك كتائب بدأت من مخيم جنين مروراً بنابلس وأصبحت عمليات التصدي والاشتباك المسلح في عموم مناطق الضفة الغربية مثل رام الله والخليل وبالتالي فإن هناك حالة مقاومة واسعة تشهدها الضفة.
ويردف قائلاً: "هناك حالة اقتداء بنموذج جنين ما شكل رافعة للروح المعنوية للجماهير الفلسطينية إلى جانب حجم الجرائم الإسرائيلية على الفلسطينيين بالضفة أوجد حالة التقاء للعمل المقاوم بين الكتائب المنتشرة إلى جانب حالة الغضب الشعبية وكلها تؤدي لتصاعد عمليات المقاومة".
ووفق الباحث في الشأن العسكري فإن الضفة المحتلة أصبحت ساحة اشتباك مفتوحة إذ لا توجد نقطة أو بؤرة غير مهيأة للمواجهة والاشتباك مع الاحتلال وتصدير العمليات إلى داخل عمقه في المستوطنات أو في مدن تل أبيب ويافا ونتانيا.
ويرى أبو زبيدة أن انتقال المقاومة لتنفيذ عمليات داخل العمق المحتل عام 1948 يؤثر على الاحتلال كثيرًا من الناحية الأمنية والسياسية وحتى الاقتصادي ويؤدي إلى كسر هيبته، إذ من المرشح أن تشهد الأيام القادمة عمليات من هذا النوع.
وعن السيناريوهات المتعلقة بالفترة المقبلة، يعتقد الباحث في الشأن العسكري أن المقاومة تسير بخطى ثابتة نحو اشتداد عنفوانها وتأطير وتنظيم نفسها، خصوصًا وأن العمليات التي نفذت في الفترة الأخيرة شهدت اتباع تكتيكات وأساليب جديدة بعيدًا عن الطابع الفردي إلى جانب أن العمل الحالي يمتاز بكونه يجمع بكل أطر العمل المقاوم عبر اشتراك الجهاد الإسلامي وحركة حماس وكتائب شهداء الأقصى.
ويلفت إلى أن التنسيق الأمني أصبح مرتبك نتيجة تسارع العمليات التي تنفذها المقاومة الفلسطينية في الضفة وبالتالي فإن الاحتلال يعيش حالة مأزق كبير في هذا الجانب وهو ما قد يدفعه لشأن حملات عسكرية واسعة خلال الفترة المقبلة.
وبحسب أبو زبيدة فإن اتجاه الاحتلال للعمليات العسكرية والاعتقالات نابع من الخوف والقلق على جبهته الداخلية من أن تكون عرضة للاستهداف وتنفيذ عمليات كبيرة في الأراضي المحتلة عام 1948، في ظل ازدياد ظاهرة المسلحين والمطاردين بالضفة.
وينوه إلى أن هناك كتائب كاملة في الضفة المحتلة بعد أن تدرج العمل المقاوم خلال السنوات الماضية بين العمل الفردي وبين تنفيذ بعض العمليات بشكل جماعي، وهو ما يعني أن هناك تطورًا حاصلاً في أداء المقاوم وخلاياها بالضفة بشكل منظم.
ويبدو الاحتلال متخوفًا من الفترة المقبلة، إذ كشفت وسائل إعلام إسرائيلية، الأحد 11 سبتمبر 2022، أن عدة إنذارات وصلت إلى المستويات الأمنية والعسكرية في دولة الاحتلال عن نوايا خلايا المقاومة تنفيذ عمليات فدائية، خلال الفترة المقبلة.
في سياق آخر، يرى المراقب للشأن العبري عمر جعارة أن الاحتلال متخوف من انتقال العمليات إلى داخل المدن المحتلة بعد أن شهدت الفترة الماضية عمليات مماثلة في بعض الفترات وهو ما يجعله متحفز ومستنفر على الصعيد الأمني.
ويقول جعارة لـ "شبكة قدس" إن الاحتلال الإسرائيلي يعيش حالة من التناقض والتخبط في تعامله مع ما يجري في الضفة المحتلة، فهو ميدانيًا يضعف السلطة الفلسطينية ويتهرب من التزاماتها معها ثم يقوم بالطلب منها تعزيز التنسيق الأمني.
ووفقاً لجعارة فإن الإحصائيات الإسرائيلية وثقت استشهاد 80 فلسطيني خلال فترة 3 أشهر في مقابل مقتل 20 إسرائيلي بعضهم بفعل العمليات وبفعل بعض عمليات إطلاق النار بنيران صديقة في مناطق الضفة الغربية، عدا عن اعتقال 1200 فلسطيني.
ويرى المراقب للشأن الإسرائيلي أن هذه الأرقام تعكس المشهد في الضفة المحتلة، وتعكس حالة الخوف والقلق الإسرائيلي من مقاومة الشعب الفلسطيني، في الوقت الذي يصر فيه الاحتلال على ارتكاب المزيد من المجازر بحق الفلسطينيين.
ويلفت إلى أن الاحتلال بات يطلق أوصافًا عدة على بعض مدن شمال الضفة المحتلة نتيجة للعمليات التي تشهدها هذه المدن خلال الفترة الأخيرة وتكرار إطلاق النار تجاه جنود الاحتلال ومستوطنيه بشكل شبه يومي كما حصل في الأسابيع الماضية.